الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012

سلاح «الهولوكوست»

الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012 par نقولا ناصر

يظل إنكار وقوع المحرقة النازية «الهولوكوست» أو الاعتراف بوقوعها، ومن كانوا ضحاياها وعددهم، مسألة يقررها المؤرخون، لكن لا يوجد جدل حول نجاح الحركة الصهيونية في فرض الصمت على المؤرخين وفي منعهم بقوة القانون وتحت طائلة العقوبة من أي طعن في الرواية «السياسية» الصهيونية لـ«الهولوكوست»، أو جدل حول نجاحها في استخدام «الهولوكوست» سلاحاً سياسياً لترسيخ المشروع الصهيوني الذي تحول إلى دولة في فلسطين المحتلة، واستجداء التعاطف والدعم الدوليين لهذا المشروع وضمان أمنه بخطاب «إنساني» يسوغ لدولته شن الحروب العدوانية «الوقائية» و]الدفاعية» ومحو «النكبة» الفلسطينية المتواصلة من الوعي الجمعي للمجتمع الدولي من أجل الضغط على ضحاياها من عرب فلسطين للقبول بنتائجها.

ويربط الإعلام «الإسرائيلي» اليوم بين «الهولوكوست» وبين البرنامج النووي في إيران والترسانة المزعومة للأسلحة الكيماوية في سورية لتسويغ شن حرب عدوانية «وقائية» على البلدين. فعلى سبيل المثال، كتب جويل ليدن في «وكالة أنباء إسرائيل» في السادس والعشرين من تموز الماضي يقول «إن سورية تتميز بكونها الدولة الثانية على الكرة الأرضية التي تهدد اليهود بالغاز، وكانت الأولى ألمانيا النازية» ليستنتج أن «الحرب حتمية». وتجتاح دولة الاحتلال الآن هستيريا توزيع الأقنعة الواقية من الغازات على الناس وترميم الملاجئ قبل تعيين رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق آفي ديختر قائداً للجبهة الداخلية برتبة وزير.

وصبت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون زيتاً أميركياً على النار «الإسرائيلية» بقولها إنه «يجب على الولايات المتحدة وشركائنا العمل قبل أن يتم ... إشعال عود الثقاب، لأن النار عندما تصبح حريقاً كاملاً، فإن خياراتنا للرد تكون أكثر تكلفة وأصعب إلى حد كبير» على حد قولها في متحف «الهولوكوست» التذكاري في بلادها أواخر الشهر الماضي، في دعوة صريحة إلى حرب عدوانية «استباقية».

ولم يكن مستغرباً أن تجعل دولة الاحتلال «الإسرائيلي» من إلغاء قرار الأمم المتحدة رقم 3379 لسنة 1975 الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية شرطاً مسبقاً لمشاركتها في «مؤتمر مدريد للسلام» الذي انعقد برعاية أمريكية عام 1991 الذي قاد إلى «اتفاق أوسلو» بعد عامين ليتم إلغاؤه فعلاً بالقرار 46/86 بتاريخ 16/12/1991. لقد كانت «عملية السلام» العربية - «الإسرائيلية» في خدمة سلاح «الهولوكوست» الذي قاد في سنة 2005 إلى صدور قرار الأمم المتحدة رقم 7/60 باعتماد 27 كانون الثاني من كل عام يوماً عالمياً لإحياء ذكرى «الهولوكوست»، وهو قرار نص على رفض أي إنكار لـ«الهولوكوست».

في مقال له بتاريخ 20 آذار 2005 أوضح فيه استخدام «الهولوكوست» سلاحاً سياسياً في يد الحركة الصهيونية ودولتها، قال الكاتب «الإسرائيلي» عوفر شيلح إن دولة الاحتلال «استخدمت ... المحرقة دائماً لإضفاء الشرعية على عدد غير محدود من الأعمال الكبيرة والصغيرة، من المشروع النووي إلى العمليات العسكرية العدوانية» ليخلص إلى أنه «مسموح لنا» ذلك وغيره «لأننا كنا ضحايا المحرقة».

وكان المؤرخ «الإسرائيلي» ايلان بابي قد كتب أنه في عام النكبة 1948 تم تصوير العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص كـ «نازيين سوف يرتكبون هولوكوست آخر ... كأداة علاقات عامة مدروسة لضمان ألا يفقد الجنود اليهود شجاعتهم، بعد ثلاث سنوات من الهولوكوست، عندما يؤمرون بالقضاء على بشر غيرهم وقتلهم وتدميرهم» في تطهيرهم العرقي لفلسطين من العرب.

ومثلما يجري اليوم التحذير من تكرار «الهولوكوست» كذريعة لشن حرب عدوانية «استباقية» على سورية وإيران، كان «الهولوكوست» «مسوغاً» للمحافظين الأمريكيين الجدد لغزو العراق واحتلاله كما كتب جاكوب هيلبرون في كتابه «صعود المحافظين الجدد».

في كتاب «شهادات: كتاب معاصرون يجعلون الهولوكوست شخصياً» (1989)، وردت شهادة الكاتبة جين دي لين التالية: «استمرار وجود «إسرائيل» هو السبب الوحيد الذي يجعلني أعد استعمال الأسلحة النووية مسوغاً ... وإذا كان الخيار بين بقاء «إسرائيل» وبين بقاء بقية الـ 4 - 6 مليارات من سكان العالم، فإنني سأختار الـ 4 ملايين» من يهود «إسرائيل»!

في أواسط عام 2009 ألغى وزير التعليم «الإسرائيلي» جدعون ساعر قراراً اتخذ قبل عامين سمح باستخدام كلمة «النكبة» في مقررات مدارس الدولة بحجة أنه «"ليس من المفترض أن يساهم نظام التعليم في نزع الشرعية عن الدولة»، وفي أواسط العام التالي فرض الوزير تدريس «الهولوكوست» في المدارس العربية ابتداء من عام 2011 وقرر إرسال وفود من المعلمين والمدراء العرب لزيارة معسكر «اوشفيتز» من أجل «تأهيلهم» لتدريس «الهولوكوست» وأمر بأن يتضمن امتحان الثانوية العامة «البغروت» سؤالاً إلزامياً عن «الهولوكوست وإبادة اليهود في الحرب العالمية الثانية».

ورغم كل ذلك والكثير غيره، يخرج ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في برلين منذ عام 2010، صلاح عبد الشافي، نجل الزعيم الوطني الفلسطيني الراحل حيدر عبد الشافي، لينفي وجود صلة بين «الهولوكوست» وبين الصراع الفلسطيني - «الإسرائيلي»، وليحث على عدم إقامة أية صلة كهذه، ليقول في السادس والعشرين من حزيران الماضي إن الرئيس محمود عبّاس أعطى الدبلوماسيين الفلسطينيين تعليمات بحضور مناسبات إحياء ذكرى «الهولوكوست». وربما لهذا السبب أمضى السفير الفلسطيني لدى بولندا، خالد غزال، ساعتين ونصف الساعة برفقة سفير دولة الاحتلال في زيارة لمعسكر أوشفيتز أوائل تموز/ يوليو الماضي قائلاً لـ«الأسوشيتد برس»: «أردت فقط أن أعبر عن تضامني العميق مع ضحايا الفاشية والجرائم ضد الشعب اليهودي»، متجاهلاً أن الاعتراف بـ«الهولوكوست» يعادل الاعتراف بـ«الحاجة» إلى وجود «إسرائيل» وبحقها في الوجود وفي «الدفاع» عن وجودها بغض النظر عن اعترافها بالنكبة ومسؤوليتها عن نتائجها.

لذلك لا يمكن اعتبار قيام مستشار لعبّاس برتبة وزير للعلاقات المسيحية، هو زياد البندك، بوضع إكليل من الزهور على «ضحايا المحرقة» اليهودية في «أوشفيتز» أواخر تموز الماضي مبادرة أو «زلة» فردية وشخصية، بل إنها سياسة فلسطينية رسمية تضعها على محك المساءلة مبادرة الفيلسوف اليهودي المولود في استراليا، بيتر سينغر، حفيد ثلاثة أجداد فقدهم في «الهولوكوست»، إلى توقيع التماس في سنة 2010 يتنازل فيه عن حقه في «العودة إلى إسرائيل» لأنه يمثل «شكلاً من الامتياز العنصري يحرض على الاضطهاد الكولونيالي للفلسطينيين» لا يسوغه «الهولوكوست» «أخلاقياً».


titre documents joints

سلاح «الهولوكوست»

24 آب (أغسطس) 2012
info document : PDF
304.7 كيلوبايت

نقولا ناصر

كاتب فلسطيني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010