الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012

مهمّة الإبراهيمي: بطالة مقنّعة

الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012

يواجه الممثل الدولي العربي المشترك إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي صعوبات كبيرة في أداء دور بارز في حلّ الأزمة السورية. وتعود الأسباب إلى غياب الإجماع الدولي والعربي بشأن مهماته. مهمات بقيت، حتى الآن، قيد الرسم والتفصيل. فمهمة الإبراهيمي ليست كما تفهمها دمشق وموسكو وبكين، استمراراً لمهمة كوفي أنان. فهو لا يستمدّ ولايته من مجلس الأمن الدولي، حيث تتمتع روسيا والصين بحق الفيتو، بل من الأمانة العامة للأمم المتحدة ومن جامعة الدول العربية. وإذا نظرت إليه دمشق على أنه متحيّز، فإنه سيفقد القدرة على التحاور معها.

في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة الموجّهة الى رئيس مجلس الأمن منتصف الشهر الحالي، والمتضمنة تقريره عن تنفيذ القرار ٢٠٥٩ الخاص بالأوضاع في سوريا، أعلن بان كي مون أن الصيغة التي قامت عليها مهمة كوفي أنان لم تعد قادرة على البقاء. ووضع اللوم في ذلك على الطرفين، الحكومة التي لم تحترم النقاط الست باستخدام الأسلحة الثقيلة غير المتكافئة مع أسلحة المعارضة، والمعارضة التي لم تعد سلمية، وباتت مصممة على الحسم عسكرياً، فشنّت هجمات على المدن الكبرى بقصد السيطرة وتملك السلطة.

ومما خلص إليه أنه بعد التشاور مع الأطراف وكبار المستشارين ومندوبي الدول الكبرى في مجلس الأمن، أن «غياب وجود مناسب للأمم المتحدة، سيحدّ على نحو كبير جداً من قدرة الأمم المتحدة ومن دورها على التأثير في التطورات في سوريا». وبذلك حصر مهمة الأخضر الإبراهيمي بمواصلة رفع شعلة الأمم المتحدة خلال هذه المرحلة الدموية، ريثما تتبدّل الأوضاع على الأرض من الناحيتين السياسية والعسكرية والإنسانية، بما يدفع هذا الطرف أو ذاك إلى طلب محاور محايد يستطيع التحدث إلى الجانبين. وفي الوقت نفسه، تواصل بعثة متواضعة من الأمم المتحدة يقودها الإبراهيمي العمل الموضعي، حيث يسمح لها بأداء دور، كإجلاء المدنيين من أماكن النزاع، وتسهيل عمل الهلال والصليب الأحمر، وإيصال المساعدات، فضلاً عن إبقاء الخطوط مفتوحة حيث أمكن. والأهم من هذا كله أن وجود الأمم المتحدة على الأرض سيتيح جمع المعلومات عن كثب، بما يمكّن الأمم المتحدة من تقويم الوضع بصورة أفضل.

إلى ذلك، تختلف بعثة الإبراهيمي من حيث الشكل والمضمون عن بعثة أنان وفريق «أونسميس»، التي أنهى مجلس الأمن الدولي عملها في 16 آب الماضي. فهي تعمل تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة والدوائر السياسية والعسكرية للأمانة العامة، وبالتالي فإن بان كي مون هو المرجع الأساس لها، ويساعده في ذلك كلّ من جفري فلتمان، الوكيل السياسي، وهيرفي لادسو وكيل عمليات حفظ السلام. وتخضع، أيضاً، للأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي. فيما سوريا رفضت وترفض أي دور لجامعة الدول العربية، ورفضت خلال الفترة الماضية استقبال نائب المبعوث ناصر القدوة. وعلى الأرجح أن يستمر هذا الرفض في المرحلة المقبلة.

من ناحية أخرى، وافق الجانب السوري ومعه الروس والصينيون على تسمية الإبراهيمي، على أساس أنّه سيواصل العمل بموجب ولاية كوفي أنان ووثيقة جنيف، التي أصدرتها مجموعة العمل الدولية في 30 حزيران الماضي. تلك المجموعة، التي ضمّت أعضاء مجلس الأمن الدائمي العضوية، فضلاً عن تركيا والكويت وقطر والعراق، و«الورقة السداسية» النابعة من خطة كوفي أنان. غير أن مارتن نيزركي، الناطق الرسمي بإسم بان كي مون، رفض غير مرة أن يؤكد أن الإبراهيمي سيتولى المهمة بناءً على الولاية السابقة، أو حسب روحية وثيقة جنيف. وقال إن الإبراهيمي سيناقش هذا الأمر مع الأمين العام ومع أعضاء مجلس الأمن الدولي خلال وجوده في نيويورك في الأيام المقبلة. بعدها لا بدّ من أن يتفق أعضاء مجلس الأمن على الصيغة الجديدة التي قد تواجه تعقيدات عدة تعترض سبيلها. من ضمنها أن الدول الغربية تعلن صراحة، وعلى أعلى مستويات، أن مهمة الإبراهيمي تهيّئ الظروف للحكم السوري لكي يطلب المساعدة السياسية من أجل «انتقال سلمي للسلطة يلبّي تطلعات الشعب السوري المشروعة»، عبارة تعني دون مواربة تغيير النظام.

غير أن للإبراهيمي خصوصيته. فهو جزائري مستقل في تفكيره إلى حدّ بعيد. كان وزيراً للخارجية في الجزائر عندما أوقفت الانتخابات التي كانت ستأتي بالإسلاميين إلى السلطة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. أدى دوراً مع الأطراف اللبنانية كمبعوث عربي إبّان الحرب الأهلية في السبعينيات. وهو ملمّ كمبعوث أممي تولى أكثر من منصب وحقيبة بدهاليز الأمم المتحدة وتناقضات رجالها، ويرفض في هذه السن المتقدمة أن يقال عنه إنه كان مطية لمشاريع استعمارية دولية. وكان في السابق قد أعرب عن مواقف انتقادية شديدة بحقّ الأمم المتحدة على فشلها في كلّ من لبنان والعراق وأفغانستان.

وسيعمل الإبراهيمي على نحو أساسي من نيويورك، وسيكون على تواصل مع كافة الأطراف الدولية خلال هذه الفترة. وسيعقد اجتماعات منتظمة مع مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري. وفي الشهر المقبل، سيأتي إلى نيويورك عدد كبير من الزعماء والقادة والوزراء، ومن المنتظر ألا يغيب الإبراهيمي عن الصورة معهم. إنه يدرك حجم النزاع والمخاطر التي تحيق بالمنطقة والعالم جراءه. والأمين العام للأمم المتحدة الذي يزور طهران لحضور قمة عدم الانحياز يفعل ذلك، رغم المواقف الغربية التهجمية الشديدة على طهران، انطلاقاً من اعتقاده بأن لإيران دوراً في حلّ الأزمة السورية، وإن كان هو من أوائل المؤمنين بأن الحلّ يجب أن يأتي بتنحي الرئيس السوري عن السلطة، وتأمين انتقال سلمي للسلطة. ربما يراهن على إقناع إيران بموقف كهذا.

في البيان المشترك عن الأمينين العامين للأمم المتحدة والجامعة العربية، الذي صدر عند إعلان تعيين الإبراهيمي، أمل بان والعربي أن يحمل الإبراهيمي معه قدراته الدبلوماسية لحلّ النزاع. تلك «الدبلوماسية الرامية إلى تشجيع الحلّ السلمي للصراع في سوريا تبقى الأولوية العليا للأمم المتحدة». وأضاف إنّ المزيد من القتال وعسكرة النزاع لن يؤدي سوى إلى مفاقمة المعاناة «وتصعيب سبيل الحلّ السلمي للأزمة، بما يوصل إلى انتقال سياسي يلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري».

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : جريدة «الأخبار» اللبنانية | نزار عبود - نيويورك.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165946

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165946 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010