الأربعاء 16 حزيران (يونيو) 2010

نيولوك للحصار

الأربعاء 16 حزيران (يونيو) 2010 par حمدي قنديل

الحق أنني أصبت بالدهشة من عناوين جريدة الأهرام يوم الثلاثاء الماضي.. كان العنوان الرئيسي في صدر الصفحة الأولى يقول «مبارك يطالب برفع الحصار (الإسرائيلي) عن غزة»..

مبعث الدهشة أنه لو كنا نريد رفع الحصار عن غزة فعلا، فلماذا نطالب برفع الحصار (الإسرائيلي) دون أن نرفع الحصار المصري أولا؟.. لماذا لا يفتح معبر رفح فتحا دائما للأفراد والبضائع مع تطبيق كل الضوابط السارية في منافذ مصر الحدودية الأخري مثل منفذ السلوم وغيره؟..

لكن الدهشة لا تتوقف عند هذا الحد.. كما هو معتاد في الصحف، فإن الخبر المهم يوضع باختصار في الصفحة الأولى، ثم تحيلك الصحيفة إلى صفحة داخلية إذا أردت الاطلاع على تفاصيل أوفى.. هذا ما فعلته جريدة الأهرام.. أحالتنا إلى صفحتها الخامسة من العدد ذاته، فإذا بالعنوان يقول «مبارك يؤكد ضرورة تخفيف الحصار (الإسرائيلي) لغزة».. هنا تكتشف أن سياسة مصر لا تستهدف رفع الحصار وإنما تخفيفه فقط.. هذا مربط الفرس، الخطر الماثل الآن، الخدعة الجديدة.

مصر الآن تشارك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في خطة تستهدف الإيحاء برفع الحصار عن غزة دون أن يتم رفعه بالفعل، وإنما الإبقاء عليه في صورة جديدة «نيولوك» يخفف فيها الحصار بعض الشيء، وترفع بعض المعاناة عن الفلسطينيين بعد أن تفجر الرأي العام العالمي غضبا إثر مجزرة اسطول الحرية، وضغطت الشعوب العربية وشعوب الغرب على حكوماتها حتى تتخذ موقفا أكثر صرامة تجاه (إسرائيل).

على غير عادتها، تجاوبت الحكومات الغربية تجاوبا سريعا مع الضغوط لترفع عن نفسها الحرج من ناحية، ولتنقذ (إسرائيل) من أزمتها بعد مجزرة الأسطول من ناحية أخرى.. سارع الغرب إلى اقتراح آلية جديدة أكثر مرونة لحصار غزة توحي بأن الحصار تم رفعه.. الآلية ذات شقين.. شقها الأول هو المطالبة بإجراء تحقيق دولي حول الهجوم (الإسرائيلي) على اسطول الحرية لإرضاء المناصرين للقضية الفلسطينية، وشقها الثاني أن تتولى دول الغرب مراقبة سواحل غزة وتفتيش سفن الإغاثة المتجهة إليها والإشراف على معبر رفح إرضاء (لإسرائيل)..

هذه هي الآلية الجديدة التي بادرت بريطانيا وفرنسا باقتراحها منذ أيام، والتي أبلغتها الولايات المتحدة لإسرائيل تطلب رأيها فيها أو اقتراح آلية أخرى «خلاقة» بديلة لها أو إضافة إليها.. بالفعل، أضافت إسرائيل عرضا لتسليم المساعدات لأهالي غزة في ميناء “أشدود” (الإسرائيلي) بدلا من ميناء غزة ذاته، ومن ميناء “أشدود” يتم التنسيق لتوصيل المساعدات إلى الفلسطينيين..

إذا ما تم اتفاق دولي بهذا الشأن، وإذا ما حظي الاتفاق بدعم عربي من دول الاعتدال كما هو متوقع، فسوف يبدو الأمر أمام العالم وأمام العرب بالذات كما لو كان حصار غزة قد رفع.. هذا ينطوي على كثير من الخداع، إذ إن حصار غزة بحرا سيستمر وإن بقيود أقل تشددا، كما أن حصارها برا سيستمر هو الآخر وإن بعودة الرقابة الدولية على المعابر.. لنأخذ الحصار البحري أولا..
توجيه سفن المساعدات إلى ميناء “أشدود” لايرفع الحصار، ذلك أن الهدف من هذه السفن التي تغامر للوصول إلى غزة ــ كما قال الأستاذ مكرم محمد أحمد في الأهرام ــ «ليس مجرد إرسال بضعة آلاف من أطنان المعونة الغذائية والدوائية إلى القطاع مع أهمية ذلك وضرورته، ولكن تحقيق التماس والتواصل مع الشعب الفلسطيني المحاصر في هذا السجن الكبير، وإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة هذا الحصار الظالم».. وحتى لو سلمت المساعدات في ميناء “أشدود”، فإن تجربتنا مع مماطلات (إسرائيل) وحيلها وألاعيبها لا يمكن أن تطمئنا على وصولها إلى القطاع في حالة جيدة وفي وقت مناسب، هذا إن وصلت أصلا..

أما فيما يتعلق بالحصار البري، فالرقابة الدولية المقترحة تعني إعادة العمل باتفاق المعابر، وهو اتفاق وقع في عام 2005 بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية لتشغيل المعابر الحدودية بإشراف طرف ثالث هو الطرف الأوروبي لمدة عام واحد، ومع ذلك ففي ظل هذا الاتفاق منع دخول متطلبات الحياة الأساسية لسكان غزة، وطبقت سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين.. يذكر هنا أن مصر ليست طرفا في الاتفاق، وبالتالي فهو غير ملزم لها..

لكن مصر تبدو كما لو أنها تدعم الآن الاقتراح الأميركي ـ الأوروبي الجديد الذي يهدف إلى إعطاء «نيولوك» للحصار القديم، ولا يقدم أية ضمانات جديدة بخلاف «الضمانات» القديمة المهترئة.. كل ما سيقدمه هو بعض التخفيف من قيود الحصار بما يتناسب مع فورة الاحتجاج على مجزرة أسطول الحرية، أي أن ما نحن بصدده بعبارة أخرى هو «إدارة الحصار بدلا من إنهائه» على نحو ما قرأت لأحد الكتاب في الإنترنت..

الخشية إذن أن تكون مصر قد انزلقت بالفعل في المشاركة في هذه الخدعة منذ أعلن الرئيس فتح معبر رفح «أمام المساعدات الإنسانية، حتى إشعار آخر».. الإشعار الآخر يعني أن المعبر لن يفتح بشكل دائم، أما بالنسبة للمساعدات الإنسانية فهنا يلتبس الأمر، خاصة وقد رأينا في الأسبوع الماضي قافلة النواب المعارضين والمستقلين وهي متوجهة إلى غزة مصحوبة بشاحنات محملة بالحديد والأسمنت الذي يعتبر مساعدة إنسانية لإعانة الفلسطينيين على إعادة بناء بيوتهم التي دمرتها آلة الحرب الصهيونية،

فإذا بالسلطات المصرية «تطارد سيارات المساعدات وتحتجزها وكأنها تحمل مخدرات» على نحو وصف جريدة الدستور، وتسمح بالمرور للنواب وحدهم.. إلا أن السلطات المصرية كشفت عن نواياها تماما يوم الجمعة عندما رفض الأمن دخول قافلتين شارك فيهما نحو 300 متضامن يحملون مساعدات غذائية وطبية إلى القطاع، ورفض من ناحية أخرى السماح بدخول مصر لوزير الصحة الفلسطيني ووفد مصاحب له كانوا في طريقهم لتلبية دعوة من البرلمان السويسري.

المعبر مفتوح الآن إذن بضلفة واحدة، بنصف روح ونصف قلب.. فتح موارب ومريب يفضح خدعة الحصار في صورته الجديدة، وضلوع النظام المصري فيها.. إذا كانت مصر دولة كبيرة في الإقليم حقا فلتتخذ القرار الشجاع بفتح معبر رفح فتحا مطلقا للأفراد والبضائع، ولترفع قامتها حتى تضاهي قامة تركيا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165285

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165285 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010