الخميس 23 آب (أغسطس) 2012

انطفاء دور اليسار الفلسطيني

الخميس 23 آب (أغسطس) 2012 par علي بدوان

عكست الأحوال السائدة في عموم المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا حال الفصائل والقوى الفلسطينية، وخصوصاً منها قوى وفصائل اليسار، التي بدت وكأنها عاجزة عن القيام بما هو مطلوب منها تجاه أبناء الشعب الفلسطيني في سوريا في ظل الأزمة الكبيرة التي تمر بها البلاد. ومقابل ذلك برزت أدوار هامة لبعض القوى والفصائل ومنها حركة «فتح» و«الجبهة الشعبية/القيادة العامة»، إضافة لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي».

فلماذا هذا الترهل في دور فصائل اليسار التي تُعتبر فصائل تاريخية في العمل الوطني الفلسطيني، وقد دخلت في عُمرها عقود عدة من العمل السياسي والتنظيمي في عموم التجمعات الفلسطينية ومنها مخيمات وتجمعات الشعب الفلسطيني فوق الأرض السورية...؟

[rouge]أزمات بنيوية وأزمات راهنة [/rouge]

نبدأ القول، إن حال قوى اليسار الفلسطيني وتراجع دورها وأدائها على كل المستويات ليس وليد اللحظة الراهنة، فقد دبت المشاكل والأزمات في مفاصل قوى وفصائل اليسار منذ أكثر من عقدين من الزمن، لتتراكم تلك الأزمات مع الأزمات العامة البنيوية التي كانت بالأصل تعاني منها تاريخياً تلك الفصائل، مع وجود حالات من الاحتراب السياسي والتنظيمي المستديم بين مختلف أطرافها، وهو احتراب كان على الدوام فئوي وضيق ولا علاقة له بالحسابات الوطنية العامة، وقد استفادت منه قوى التيار الوطني الفلسطيني وتحديداً حركة «فتح» التي وجدت نفسها المعنية في تقرير الموقف والإستراتيجيات الوطنية الفلسطينية في ظل الاحتراب السياسي والفئوي لقوى اليسار، التي عجزت تماماً من أن تشكّل قطباً مؤثراً في المعادلة الوطنية الفلسطينية داخل منظمة التحرير وفي عموم ساحة العمل الوطني الفلسطيني.

إن جردة سريعة لتاريخ العلاقات بين عموم فصائل وقوى اليسار الفلسطيني منذ عام 1968 تظهر للملأ كم هي الثغرات والمطبات التي وقعت بها تلك القوى، وهي ثغرات قضت في نهاية المطاف على دورها المُفترض في الساحة الفلسطينية، فَرست بها المقادير حتى بدت كقوى هامشية لا علاقة لها بالوقائع العنيدة على الأرض.

يضاف إلى ذلك أن حال قوى اليسار الفلسطيني تضعضع مع انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي السابق، ومع انكشاف الغطاء الذي تلحفت به تلك القوى دون أن تراعي خصوصياتها الوطنية والقومية، فكانت معظم تلك القوى وعلى حد التشبيه الشعبي العام «ترفع المظلة في شهر يوليو في بلادنا عندما كانت السماء تمطر في موسكو)، معتقدة في الوقت نفسه بأن وجود الحليف الأممي (والمقصود الاتحاد السوفياتي السابق) يحفظ لها مكانة محجوزة في إطار منظمة التحرير وعموم المؤسسات الوطنية الفلسطينية. لذلك فإن التداعي الكبير في حضورها وتأثيرها جاء بعد تفكك منظومة الاتحاد السوفياتي السابق.

إضافة لما سبق، فإن بروز تشكيلات جديدة في الخريطة السياسية الفلسطينية كان أبرزها على الإطلاق نشوء وصعود حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، أضعف من حضور قوى اليسار عموماً، ودفع بقطاعات واسعة من الناس للانحياز والتعاطف مع قوى التيار الإسلامي بما في ذلك أعداد كبيرة من اليساريين السابقين.

لقد كان من نتائج بروز قوى التيار الإسلامي في فلسطين، وتعاظم دورها، نشوء ظاهرة الانحسار الشديد في دور القوى اليسارية، التي وجدت نفسها منذ عام 1990 أمام معادلة جديدة في الساحة الفلسطينية، وأمام توالد قطبية ثنائية عنوانها حركتي «فتح» و«حماس»، دون أن تستطيع قوى اليسار من أن تشكّل قطبية ثالثة بغرض إعادة التوازن السياسي لمسار القرار الفلسطيني كما كانت ومازالت تنادي مختلف أطرافها.

نعم، لقد فشلت قوى اليسار الفلسطيني وعلى مدار سنوات طويلة من توحيد جهودها، ومن أن تصنع لنفسها قطباً سياسياً وتنظيمياً موحداً في مواجهة ثنائية قطبية باتت تسيطر على المشهد السياسي الفلسطيني منذ عام 1990 تقريباً. وهو فشل متوقع له أن يستمر مادامت تلك القوى تُكابر على نفسها ولم تتعلم من دروسها، ومادامت الفئوية والعصبيات التنظيمية الضيقة هي المسيطرة على تفكير مرجعياتها القيادية، وخصوصاً منها المرجعيات التاريخية التي تحمل أحقاد وكيد الماضي.

إن حال القوى اليسارية الفلسطينية اليوم، حال منقسم على ذاته بين تلك القوى، فمنها قوى تدور في فلك حركة «فتح» والسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، وعينها شاخصة على ما تريد أن تجنيه من امتيازات حتى ولو كانت محدودة من المخصصات والكشوف الشهرية وحصتها من الكعكة من صندوق السلطة الفلسطينية، والتي باتت هي الهم الأساسي. ومنها القوى التي تدور في فلك القطب الآخر دون أن تقوم بخطوات ملموسة لتطوير دورها في العمل الفلسطيني السياسي والتنظيمي.

[rouge]طاردة للكفاءات[/rouge]

ومع هذا، ومن منطق الإنصاف والموضوعية، لابد من القول بأن التيار اليساري العام يحظى بحضور جيد في مختلف أوساط الشعب الفلسطيني، لكن هذا التيار بعيد كل البعد عن مختلف الأطر والقوى اليسارية ومختلف مؤسساتها، بعد أن هَجرها وغادرها منذ سنوات وعقود نتيجة إشكالاتها وأدائها المتردي السياسي والتنظيمي، وقد تَحولت إلى تنظيمات طاردة للكفاءات والخبرات ولأصحاب المؤهلات، وتَحوّل بعض قيادييها إلى هواة تنفير وإقصاء.

فالمناخ اليساري بين عامة الناس شيء وحضور قوى وفصائل اليسار بين الناس شيء أخر. فهناك المئات من اليساريين الفلسطينيين أو من المحسوبين سابقاً على تيارات اليسار ينشطون مع القوى الاجتماعية الفلسطينية العامة، وحتى مع قوى «اليمين الوطني الفلسطيني» وفق تسميات وأدبيات اليسار الفلسطيني ذاته، ومع حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي».

إن منطق الإنصاف والموضوعية يدعونا للقول بأن فصائل اليسار الفلسطيني لعبت أدوارا هامة في محطات ومفاصل وانعطافات وطنية فلسطينية هامة سياسياً وعسكرياً، خصوصاً «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وقائدها الدكتور جورج حبش صاحب التاريخ السامي والنبيل في العمل الوطني الفلسطيني، كما هو حال «حزب الشعب الفلسطيني» الذي يمتلك حضوراً مؤسساتياً لا بأس به في فلسطين. فقد ساهمت تلك الفصائل في إيقاد شعلة النضال الوطني الفلسطيني، وفي الإسهام بالعمل الفدائي المسلح على مدار سنوات طويلة، لكنها رسبت في اختبار العمل السياسي والتنظيمي الموحد بين مختلف فصائلها، وتشاجرت بل وتقاتلت مع بعضها البعض في محطات عديدة دون أدنى مبرر منطقي، ولم تصل في النهاية لتوحيد مواقفها بالرغم من إعلان بعضها البعض عن قيام تشكيلات اتحادية لم تلبث أن انهارت بعد قترة قصيرة من قيامها، ومنها على سبيل المثال القيادة المشتركة للجبهتين «الشعبية» و«الديمقراطية» عام 1984 والتي لم تُعمّر أكثر من عام واحد. كذلك القيادة الموحدة للجبهتين عام 1990 والتي انتهت بعد شهور من إعلان قيامها. ومنها أيضاً الإطار المعروف باسم جبهة اليسار (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حزب الشعب الفلسطيني، الجبهة الديمقراطية) الذي نشأ قبل أربع سنوات في الداخل والشتات، لكنه مازال يراوح مكانه بعد أن وضعت «الجبهة الديمقراطية» شروطاً كثيرة لاستبعاد حلفاء يساريين من هذا الإطار لأسباب كيدية وفئوية ضيقة. فقد اشترطت «الجبهة الديمقراطية» استبعاد «حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني» المعروف بـ«حزب فدا» من إطار جبهة اليسار، وهو فصيل من فصائل منظمة التحرير وقد انشق عن «الجبهة الديمقراطية» عام1990 في انقسام أفقي وعمودي ضرب مفاصل الجبهة وعموم هيئاتها بين عامي 1989 - 1990م. كذلك الحال بالنسبة لـ«جبهة النضال الشعبي الفلسطيني» و«جبهة التحرير الفلسطينية» وهما تنظيمان يساريان فلسطينيان، وعضوان في منظمة التحرير الفلسطينية.

[rouge]دورها في سوريا[/rouge]

على كل حال، إن تشريح حال اليسار الفلسطيني، يحتاج لنقاش طويل ومستفيض، ليس من موقع المناكفة أو الطعن به وبتاريخه، بل من موقع تشخيص أزماته المستعصية، التي انعكست على أدواره المفترضة بين أبناء الشعب الفلسطيني في المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية خلال الأزمة الراهنة في سوريا.

ففصائل اليسار الفلسطيني تتواجد تاريخياً في التجمعات الفلسطينية في سوريا، التي كانت المنبع الأساسي لعموم كوادرها في الشتات الفلسطيني، وقد غابت نسبياً تلك الكوادر وبتفاوت ملحوظ من فصيل يساري لفصيل يساري آخر عن القيام بدورها بين أبناء الشعب الفلسطيني في ظل الأزمة التي تعانيها سوريا وقد بات الفلسطينيون في سوريا داخل كرتها الملتهبة، وإن برز دور الجبهة الشعبية كحالة أفضل من غيرها.

وبعيداً عن التقييم النقدي لأدوار عموم الفصائل الفلسطينية في سوريا في ظل المحنة الحالية، فقد برزت في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا وخلال الأزمة الراهنة أدوار حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» عبر لجان الإغاثة الاجتماعية والأهلية، وفي إيواء النازحين من مناطق التوتر للتجمعات الفلسطينية ومدارس وكالة (الأونروا)، وفي العمل الخيري والتطوعي العام. كما برزت أدوار حركة «فتح»، و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة» التي تمتلك حضوراً وإمكانيات جيدة للتحرك في سوريا.

إن الفلسطينيين في سوريا بحاجة ماسة لدور ناضج وعملي من قبل كل القوى الفلسطينية ومن بينها قوى اليسار، وليس بحاجة لمواقف تنظيرية أو مواقف إعلامية لفظية (حكواتية) أو مواقف تبريرية عبر بيانات ممهورة بهذا الخاتم او ذاك. فالمطلوب تنشيط أدوار الجميع، فاللاجئون الفلسطينيون في سوريا بحاجة لدور ملموس من قبل عموم فصائله وقواه السياسية، وبحاجة لتكاتف الجهود الفلسطينية من أجل مساعدته وهو في عين المحنة وفي قلب العاصفة التي تضرب سوريا حالياً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010