الخميس 23 آب (أغسطس) 2012

حدود مصر وقضية فلسطين

الخميس 23 آب (أغسطس) 2012 par الياس سحاب

صحيح أن ثورة «25 يناير»، التي توقف سيرها توقفاً مؤقتاً بوصول «الإخوان المسلمين» الى غالبية مجلسي الشعب والشورى ثم الى رئاسة الجمهورية، قد أنجزت في القليل الذي أنجزته حتى اليوم، إسقاط رؤوس النظام الذي وصفته «إسرائيل» في لحظات سقوطه بأنه كان يشكل لها «كنزها الاستراتيجي»، إلا أن موضوع اتفاقيات «كامب دافيد»، كان ولا يزال برغم التغيرات التي أنجزتها الثورة، موضوعاً معلقاً يحاط في الغالب بنوع من الحديث الغامض الذي يحاول إرجاء الكلام في هذا الموضوع، مع ميل عام عند معظم المتحدثين الى إبداء الحرص على لالتزام بكل ما وقعته مصر من اتفاقيات دولية. ولعل الحديث الذي أدلى به حمدين صباحي، عندما كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية، كان الأوضح بين هذه الأحاديث الغامضة، عندما أكد أن روح «كامب دافيد» هي أسوأ من نصوصها، وان الأهم هو إلغاء روحية التعامل مع «إسرائيل» كما فرضها حتى الآن تطبيق الاتفاقية، خاصة في عهدي السادات ومبارك.

غير أن هذه النزعة الإرجائية السائدة كلما جاء حديث اتفاقيات «كامب دافيد»، عصف بها مؤخراً حادث الهجوم الإرهابي على الجنود المصريين وقتلهم بدم بارد ساعة الإفطار. لقد جاء هذا الحادث، بما تبعه من تصرفات مصرية داخلية، ودولية، يذكّر بأن روحية «كامب دافيد» السيئة الموروثة عن عهد مبارك ما زالت هي السائدة عملياً. فبدلاً من أن يتحول الحادث الخطير الى مناسبة لإعادة فتح مسألة الأمن القومي المصري فتحاً عميقاً متحرراً من فلسفة «كامب دافيد» كما نشرها وطبقها عصر حسني مبارك، رأينا فجأة تعاونا أميركياً - «إسرائيلياً» - مصرياً للسيطرة الأمنية على الجيوب الإرهابية في شمال سيناء، باعتبارها تهديداً لأمن «إسرائيل»، أكثر من اعتبارها تهديداً لأمن مصر.

هنا أصبح استمرار إرجاء الحديث العميق في العلاقة بين اتفاقيات «كامب دافيد» - روحاً ونصاً - وبين حاضر ومستقبل الأمن القومي المصري، أمراً غير جائز.

ان الخلل القاتل الذي أدخلته اتفاقيات «كامب دافيد» الى موضوع الأمن القومي المصري، هو فك ارتباط بين هذا الأمن القومي، وقضية فلسطين، لمجرد ان الاتفاقية قد أعادت أرض سيناء الى مصر، وان كانت منزوعة السيادة الوطنية الكاملة، كما أعاد القضية الفلسطينية في سياسة مصر الإستراتيجية الى مجرد قضية لاجئين فقدوا بعض أرضهم جراء حرب 1967، مع إلغاء كامل لجريمة العام 1948، ولكون أرض فلسطين، تشكل منذ عهد الفراعنة وحتى يومنا هذا الحدود الشمالية - الشرقية لمصر، والجسر الرابط بينها وبين محيطها العربي، الذي هو العمق الاستراتيجي لمصر، حتى جبال طوروس، كما يؤكد كل الخبراء الاستراتيجيين، سواء كانوا مصريين أم عرباً أم أجانب.

بغض النظر عن قدرة هذا النظام المصري الجديد على اتخاذ موقف جديد من اتفاقيات «كامب دافيد»، فإن المطلوب، حرصاً على مصر وأمنها القومي، قبل التفكير في إلغاء اتفاقية «كامب دافيد»، هو إلغاء الروحية الاستسلامية التي أدخلها تطبيق هذه الاتفاقية بالذات في عهد حسني مبارك.

إذا كانت السلبية المطلقة التي ميزت عهد مبارك قد ساهمت حتى الآن في اعتبار هذا الموضوع أمراً قابلاً للتأجيل الى ما لا نهاية، فإن عهد سيادة «الإخوان المسلمين» لم يعد قادراً على الاستمرار في السلبية نفسها، والاستمرار في التحايل على إخفاء العلاقة بين قضية فلسطين، والكيان الصهيوني الاستعماري من جهة، والأمن القومي والوطني لدولة مصر العربية من جهة ثانية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165448

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165448 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010