الاثنين 13 آب (أغسطس) 2012

فتش عن «إسرائيل»

الاثنين 13 آب (أغسطس) 2012 par د. فايز رشيد

ندين بشدة هذا الهجوم الدموي الإرهابي الذي أودى بحياة ستة عشر جندياً مصرياً على الحدود المصرية مع دولة الكيان الصهيوني، فهؤلاء استشهدوا بطريقة بشعة في أثناء الهجوم عليهم وهم يتناولون طعام الإفطار. هؤلاء الجنود هم ثلة من جيش مصر الوطني العربي الذي اجتاز قناة السويس رغم كل الصعاب في العام 1973 في حرب أكتوبر. الجيش الذي أراد الاستمرار في المعركة لولا القرار الذي اتخذه السادات بوقف القتال، فقد أرادها حرباً تحريكية لا حرباً تحريرية، فاتحاً المجال (للعزيز) هنري كيسنجر ليؤسس لعقد اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة مع «إسرائيل»، وهو ما أخذ مصر بعيداً عن دورها الوطني والقومي العربي والتزامها بالقضية الفلسطينية. للأسف فور الحادث، سارع الكثير من المواقع الإلكترونية المصرية، والعديدون من الكتّاب والصحافيين والمحللين السياسيين المصريين، إلى اتهام الفلسطينيين بهذا العمل الإرهابي، باعتبار أن المجرمين جاؤوا من غزة. هذا الموقف جاء مباشرة بعد الهجوم، ومن دون اتضاح هوية الإرهابيين المعنيين، في الوقت الذي لم يتبين فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود في التحقيقات الجارية. الاتهام المتسرّع جاء في لحظة بدا فيها أن ثمة تحسناً في العلاقات الفلسطينية - المصرية، وبخاصة مع قطاع غزة، بعد الانتخابات الرئاسية المصرية، وبعد أنباء تحدثت عن فتح مصري قريب لمعبر رفح (بين مصر وقطاع غزة) بشكل أفضل وأطول من السابق.

من ناحية ثانية، فإن كثيراً من الحوادث الإرهابية جرت في سيناء، في شرم الشيخ وطابا وغيرهما، على مدى بضعة عقود سابقة، إضافة إلى أنه تجري تفجيرات متكررة لخط الغاز الواصل بين مصر و«إسرائيل»، لم يحدث حتى لمرة واحدة، أية إشارة إلى الفلسطينيين بالتسبب في مثل هذه الاعتداءات، بل ثبت بشكل قطعي أن لا علاقة لهم بها. وعلى افتراض، جدلاً، أن من قاموا بالهجوم الأخير هم فلسطينيون، يكون هؤلاء خارجين على الإجماع الشعبي الفلسطيني الذي يحرص على العلاقة الأخوية مع الشعب المصري الذي جعل ولايزال قضيته الأولى، القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين. ألم ترفع تظاهرات يونيو 2011 شعار تحرير فلسطين وشعار طرد السفير الصهيوني من القاهرة، وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد؟ أيّاً كانت جنسية هؤلاء الإرهابيين فهم بالضرورة عملاء لـ«إسرائيل»، وقاموا بالتنسيق معها قبل اقتراف هذه العملية الإرهابية.

أصابع كثيرة تشير إلى تورط «الموساد» في هذه الجريمة النكراء، فـ«إسرائيل» هي المعنية أولاً وأخيراً بالإساءة إلى العلاقات المصرية - الفلسطينية، فالمخابرات الصهيونية حذرت قبل أيام فقط من الجريمة، وقامت بسحب سياحها من مواقع سياحية مصرية كثيرة تقع في سيناء، وهذا يشير وبشكل غير مباشر إلى إمكانية تورطها في المذبحة. لا نقول ذلك لنعلق الهجوم على شماعة المؤامرة «الإسرائيلية»، فكم من مرّة خططت «إسرائيل» لتوتير علاقات مصر مع الدول الأخرى، مثلما جرى في أوائل الخمسينات في ما اصطلح على تسميته «فضيحة لافون»، حيث قامت المخابرات الصهيونية بتفجير أهداف أمريكية وبريطانية وأخرى تابعة لدول أوروبية في القاهرة، لزعزعة الأمن الداخلي المصري بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 وللإساءة إلى العلاقات المصرية مع تلك الدول، وقد فشلت أهداف الخطة وانكشفت واضطر وزير الدفاع الصهيوني حينها إلى الاستقالة. ألم تقم «إسرائيل» بتجنيد عملاء لها في مصر؟ وبتصدير آفة القطن للمنتوج الزراعي المصري الأول (القطن)؟ ألم تقم «إسرائيل» بمحاولة إغراق الأسواق المصرية بالمخدرات لتخريب الشباب المصري؟ مرات كثيرة أشار قادة سياسيون وعسكريون «إسرائيليون»، في تصريحاتهم إلى أن مصر هي العدو الأول لـ«إسرائيل». على صعيد آخر، من مهازل اتفاقية كامب ديفيد السوداء الموقعة بين مصر والكيان الصهيوني أنها تنص على أن تكون سيناء خالية من الجيش المصري، وفقط ينتشر فيها شرطة مصريون وبعدد محدود. ألم يفكر قادة الدولة الصهيونية آنذاك بأمن صحراء مترامية الأطراف تقع على حدود دولتهم المصطعنة؟

رغم ذلك وبعد اشتداد أعمال المقاومة ضد الكيان الصهيوني انطلاقاً من سيناء، وبعد ضغوط أمريكية على «إسرائيل»، وافقت الأخيرة على انتشار 7 كتائب من الجيش المصري وبأسلحة محددة، فيها، وهذا العدد من القوة، وفقاً للعسكريين المصريين، غير كاف لسيطرة المصريين على الأمن في سيناء. «الإسرائيليون» ذرفوا دموع التماسيح على القتلى المصريين مؤخراً في سيناء، فقد أصدر بنيامين نتنياهو بياناً يتأسف فيه عليهم، كذلك فعل وزير الدفاع إيهود باراك، وغيرهما، وكأنهم حريصون على دماء المصريين. ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: «يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته». فالجيش الصهيوني هو الذي دفن جنوداً مصريين أحياء في حرب العام 1967 بعد أسرهم، مخالفاً بذلك كل الاتفاقيات الدولية ومعاهدات جنيف عن «أسرى الحروب»، وضارباً عرض الحائط بكل المعايير الإنسانية. دفن «إسرائيل» للجنود المصريين الأحياء يقع خارج نطاق الدعاية لتشويه صورة «إسرائيل»، فهو حقيقة واقعة حدثت بالفعل. معظم مآسي الأمة العربية هي بسبب وجود دولة الكيان الصهيوني المغتصب، والهجوم الإرهابي الأخير له علاقة مباشرة بجيش ومخابرات هذا العدو.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

2165551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 35


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010