الأحد 12 آب (أغسطس) 2012

تداعيات سينائية

الأحد 12 آب (أغسطس) 2012 par خيري منصور

عِنْدَما يَقع حَدَث من طراز ذلك الهجوم على الحدود المصرية ويكون ضحاياه ستة عشر عسكرياً وفي ظروف كالتي نعيشها الآن، فإن مجالات التأويل وتعدد القراءات تبقى مُشْرعَةً على الآفاق كلّها، وهذا بحدّ ذاته أمر مألوف، لكن المستهجن هو الإسقاطات السياسية التي تَلْوي عنق أيّ حَدَثٍ حتى لو كان جللاً وجسيماً، كي يلبي النوايا والمواقف المُسْبقة، وما سمعناه وقرأناه خلال الأيام القليلة الماضية عن ذلك الحدث، ينذر بأن التباعد في التحليلات والقراءات عندما يصل إلى حدّ التناقض قد يتسبب في إرباك الرأي العام، وصرف الانتباه عن البُؤْرة إلى ما حَوْلَها حتى لو كان بعيداً عنها. وساعَدَ على تعدد القراءات وتباينها الشدَّيد الطريقة التي تمت بها الرواية، سواء تلك القادمة من «تل أبيب» أو من خلال مُعلّقين سياسيين اسْتضافَتْهم الفضائيات من مراكز الأبحاث في الدولة العِبْرية، فالمشهد تحول إلى ما يشبه أفلام ما يسمى الأكشن، هجوم ينجح في مباغتة حرس الحدود، وسطو على دبابة يتاح لها أن تتجاوز الحدود المصرية بأكثر من كيلومترين ثم تدمرها طائرة أباتشي بمن فيها، وَأَغْرب تلك التَّعليقات صرف الانتباه عن الفاعل أو الفاعلين، بحيث يصبح الكلام كله عن أهداف العملية.

فثمة من رأى أنها إرباك لنظام سياسي مصري جديد، ولرئيس تعهّد بإصلاحات فورية، مقابل آخرين رأوا أن الهدف هو تَوْتير العلاقة بين مصر والفلسطينيين، وثمة طرف ثالث تناسى هذا كله وانصرف إلى السِّجال عن المعَابر والأنفاق. وليس من شأننا في هذا السياق ترجيح تحليل على آخر، لأن الأهم من ذلك هو سيناء ذاتها، وما يحيط بها من ظروف استثنائية منذ «معاهدة كامب ديفيد» سواء ما يتعلق بفراغ أمني أو محدودية الوجود العسكري المصري. ولم تكن هذه العملية هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها وَرُبّما مهدت لها عمليات عديدة خلال العقد الماضي، وكان هناك على الدوام من يختصر مصر كلها بنظام أو رئيس، وفلسطين، كقضية، بمنظمة أو قائد فَصيل، بحيث يتاح للنوايا الهاجعة أن تظهر إلى العلن، للمطالبة بفك الارتباط لا الاشتباك بين مصر وفلسطين، وكأن العلاقة بينهما مجرد تكتيك أو قدر جغْرافي لا فكاك منه. والحقيقة أن المسألة أبعد من هذه الاختزالات السطحية بكثير، ففلسطين في عمق وصلب الأمن القومي المصري، وقطاع غزة ليس مجرد حمولة ديمغرافية يتخلص منها طرف ليورط بها طرفاً آخر. وبعيداً من الإنشاء السياسي المُرْسَل والشعارات التي فُرِّغت من مضامينها، فإن كل محاولات فك الارتباط العضوي بين مصر وفلسطين انتهت إلى جدار إن لم تكن تحطمت بعد ارتطامها بهذا الجدار. وحين تحدث عالم الجيوبولتيك الراحل د. جمال حمدان عن عبقرية المكان، وقدر مصر، جعل من قضية فلسطين أحد أبرز وأهم المحاور في الأمن القومي المصري، لهذا قد تنجح هذه العملية الإرهابية في تحقيق هدفها الأبعد إذا غلب الانفعال على مَنْ يُحلّلون وَيُعلقون وفكروا بقلوبهم الشجية فقط. إنها عملية تفتح ملف سيناء من ألفه إلى يائه، وتعيد اختبار وعَيْنا السياسي في هذه الآونة الحرجة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166062

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166062 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010