الأحد 12 آب (أغسطس) 2012

حول «كامب ديفيد»

الأحد 12 آب (أغسطس) 2012 par أمجد عرار

هناك من يتوقّعون ألا تتعامل «إسرائيل» بإيجابية مع أي مطالب مصرية بتعديل اتفاقية «كامب ديفيد»، بل أن ترفض مثل هذه المطالب، لأنه لا أحد يقبل تعديل اتفاق لمصلحته، إلا إذا كان التعديل لمصلحته أيضاً. فعلى سبيل المثال، بحّ صوت السلطة الفلسطينية وهي تطالب بتعديل اتفاق باريس الاقتصادي مع «إسرائيل»، لكن هذا لم يحصل، ولم يفتح الملف من الأساس رغم أن هذه المطالبة تتكرّر منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. ليس من السياسة في شيء ألا يكون كل الشعب العربي وحكوماته مع المطلب المصري بالتعديل، رغم أن منطق الأشياء يقول إن التعديل لا يحمل في مضمونه أكثر من دلالات الكلمة، أما استعادة البوصلة وإعادة المقادير التي سقطت مصرياً وعربياً، فإنهما يتطلبان إلغاء «كامب ديفيد» التي انتقصت من السيادة المصرية على شبه جزيرة سيناء، وانتزعت مصر من النزاع العربي الصهيوني، وقلّصت، مع عوامل أخرى، دورها القومي والإقليمي والدولي، وأسهمت بفعل قيودها ومرجعياتها الغربية في إبعاد مصر عن موقعها القيادي والريادي لأمتيها العربية والإسلامية، بعدما كانت قبل نصف قرن تلعب دوراً بارزاً في القارة الإفريقية، ويمتد دورها وتأثيرها إلى بقية قارات الكون من خلال دورها المؤسس والمؤثر في حركة عدم الانحياز التي فقدت بريقها ومعظم وزنها بعد رحيل قادتها البارزين، المصري جمال عبدالناصر واليوغسلافي جوزيف تيتو والهندي جواهر لال نهرو.

فتح ملف «كامب ديفيد» هو قضية مصرية بامتياز، سواء أخذ النقاش منحى التعديل أو الإلغاء، وقد تم فتحه قبل الاعتداء الإجرامي الذي استهدف الجيش المصري في سيناء، ورأينا أن هذا الملف كان جزءاً أساسياً في الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة المصرية، كما تناوله العديد من المثقفين السياسيين وقادة القوى الحزبية، واستعرض بعضهم النتائج السلبية للاتفاقية على مصر من جميع النواحي، سواء في ما يتعلّق بدور مصر في السياسة الخارجية والتبعية التي رتبتها على نظام الحكم للغرب، أو على مستوى الوضع الداخلي في ما يتعلّق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والاقتصاد وظهور فئة من هوامير رأس المال، وصولاً إلى حياة المواطن المصري. اعتاد الشارع المصري والعربي عندما يخرج صوت ينادي أحد ما بإلغاء معاهدة «كامب ديفيد»، بأن البديل الوحيد لهذا الاستحقاق التاريخي هو الحرب. هذا الموقف المرتجف هو لسان حال الانهزامية التي يسعى الطابور الخامس العربي إلى تحويلها لأيديولوجيا عربية، لأن في هذا الموقف المخروق معنيين، الأول هو التعامل مع الحرب، ولو بمعناها الدفاعي، باعتبارها خياراً منبوذاً مهما فعل أعداء الأمة ومهما بلغت درجة الإذلال لشعوبنا ومقدّساتنا، وحتى لو احتلت الجيوش القادمة من أقاصي البحار أرضنا العربية. والثاني هو استخدام الخداع لحماية الاتفاقات مع «إسرائيل» وكأن هذه الاتفاقات قدر لا فكاك منه، إذا تم المس بها ستفعل «إسرائيل» ما يحلو لها في الأرض العربية «المشاع»، وهم يعرفون أن إلغاء اتفاق 17 أيار بين إحدى الحكومات اللبنانية و«إسرائيل» لم يؤد إلى الحرب بشكل تلقائي. ليست هناك معادلة سبب ونتيجة طرفاها إلغاء اتفاقية وحرب، ومن يردد هذا الكلام إنما يمنح «إسرائيل» شيكاً على بياض كي تستبيح الأرض العربية وتواصل جرائمها بحق الشعوب العربية. ولعل المصريين يعرفون أن اعتداءات كثيرة قامت بها «إسرائيل» ضدهم، حتى لو لم تكن عبر الحرب المباشرة. وما دامت مصر الآن بعد الثورة أصبحت متجددة، فإن من حق الشعب المصري الذي لم يستفت على «كامب ديفيد» أن يقول كلمته حولها الآن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165607

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165607 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010