الأربعاء 8 آب (أغسطس) 2012

تركيب المعادلات وأيديولوجيا المقاومة

الأربعاء 8 آب (أغسطس) 2012 par رئيس التحرير

في المشهد القائم منذ عامين تجري محاولات عديدة لفهم عنصر المحرك الفعلي لهذه العناصر المشكلة لهذا المشهد، واجتهادات المحاولين لا تنقطع عن محاولة فك الملتبس في علاقات هذه العناصر، وبينما تتموضع أحياناً لتظهر شبه قاعدة جاهزة لكي تستخدم في الكشف عن حقيقة الصورة، لا تلبث هذه القاعدة أن تتعرض لنكسة قوية مع أول محاولة متحمسة لاستخدامها، وبين محاولة إدانة المشهد كله على أنه ليس أكثر من نتائج لشعارات التخريب و«الفوضى البناءة» الامبريالية، وبين وصفه على أنه نتيجة طبيعية لمخاض «ربيع عربي» تتحمس له قوى تتوق للتغيير، تأخذ التفسيرات مقياساً بينها دون أن تتفق على رؤية ولا على قاعدة.

هل يمكن أن تكون الحقيقة كامنة في مزيج هذين العنصرين الذي يبدو أنهما متناقضان من الناحية الشكلانية؟

الواقع أن هذه المحاولة الأخيرة لم يتم أخذها بعين الاعتبار مرة مستوفاة الاهتمام، كما أن التناقض الشكلاني الظاهر لا يعود تناقضاً تاماً عند فحص العلاقات الناشئة فيه، فالقوى التي كانت تتوق إلى التغيير في العالم العربي تحديداً كانت مستعدة في أحيان كثيرة أن لا توفّر أدنى فرصة لمحاولتها، بعضها آمن بإمكانية التغيير من خلال علاقات محسوبة مع الأنظمة السابقة وبهوامش متعددة تخضع للمكن فيها، إلا أن الصحوة الحقيقية التي لا يريد البعض تذكرها كانت ثمرة طبيعية واضحة لفشل الامبريالية في عرض القوة الذي نفذته في المنطقة من العراق عام 2003 إلى لبنان عام 2006، والذي ولد ولادة طبيعية تامة على يد المقاومة، هذه المقاومة التي مكنّت لقوة صغيرة نسبياً ومنظمة جيداً أن تكسر إرادة القطب الأقوى وتمرّغ أنف مخلبها المتقدم كيان العدو الصهيوني في التراب.

عوامل الصحوة واليقظة والتوق إلى تغيير حقيقي ضربت أولاً بؤرة إرتكاز الامبريالية في العالم العربي، وعصفت بأدواتها الرئيسة في المنطقة، كانت هذه المفاجئة الصاعقة هي المحفّز الذي جعل الامبريالية تبادر إلى خلط الواقع الذي بدا تحررياً بشعاراتها التي أطلقتها مع بداية عرضها للقوة عام 2003 واجتهدت لتوفير الألغام الطائفية والمذهبية إياها التي كانت تتمنى أن تنطلق مع العام 2003 من العراق، وهي ذاتها التي قبرتها المقاومة مع كنسها لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق، لكنها ولحظ الولايات المتحدة وجدتها لا تزال ممكنة من جديد ليس على ظهر دباباتها، ولكن من باطن فعل أجهزة استخباراتها وركوبها موجة الصحوة التي اندلعت أصلاً ضد وجودها وضد خنوع أدواتها التي أسقطتها هذه الصحوة.

ثمة تصريحان سياسيان في الفترة الماضية يختصران ما يمر به المشهد الإقليمي اليوم، التصريح الأول لوزير خارجية روسيا السيد لابروف «بأن صورة العالم الجديد يتشكّل على أبواب دمشق» وتصريح السيد جليلي في دمشق «بأن ما يحدث هنا هو المواجهة بين الامبريالية والمقاومة كمحورين»، وهذان التصريحان يكشفان أن كل العوامل التي هي دون مقتضيات هذه المواجهة وإن دخلت فيها بصورة أو بأخرى باتت أقل أهمية بكثير من حقيقة المواجهة بين المحاور، هذا يعني أن الطائفية والمذهبية وفوقهما العامل الأيديولوجي قد فقد مدلولات التوظيف، وأيضاً القومية باعتبارها السابق وجملة علاقاتها واستخداماتها قد فقدت أيضاً الأهمية السابقة والوظيفة السابقة، وعليه فإن صورة التشظية والتجزئة والتقسيم التي أرادت الامبريالية لها أن تكون قدراً لهذا الإقليم قد أصبحت تلفظ نفسها الأخير، لأنها هي ذاتها عندما تكون معادلة الاصطفاف الجديدة على أساس المقاومة تصبح مادة خارج التداول اللهم إلا أن تصطف جهة محور المقاومة نفسه وليس ضده.

نحن أمام أيديولوجيا جديدة عابرة للتاريخ ومادة تشكيل المستقبل، إنها أيديولوجيا المقاومة ضد العدو الصهيوني وضد حلفه الامبريالي، أيديولوجيا تقع ضمنها الدول والقوى والطوائف والمذاهب والقوميات، تتسع لتأخذ معها العرب والأكراد والفرس والترك والروس والصينيين ودول البركس وأحرار العالم، وتضع هدفها كسر الحلف الشيطاني الامبريالي من هذا الإقليم وصولاً إلى كنس غدته السرطانية كيان العدو الصهيوني، هكذا فإن تركيب معادلة المقاومة الجديدة أصبحت وللمرة الأولى تركيبة عالمية في الاتجاه الصحيح لتحرير فلسطين وتحرير شعبها ورفع الظلم التاريخي الذي توالت تثبيته فيها الامبريالية على مدى قرن كامل، وإذا كانت هذه المعادلة التاريخية قد تشكّلت على أبواب دمشق، فإن واجب القوى الحية في الثورة الفلسطينية اليوم التقاط هذه اللحظة التاريخية وإعلان قرارها للعالم أين موضعها في هذه التركيبة الجديدة وما هو دورها؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 358 / 2166082

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف مقالات رئيس التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2166082 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010