الثلاثاء 7 آب (أغسطس) 2012

ماذا تنتظر مصر؟

الثلاثاء 7 آب (أغسطس) 2012 par د. علاء الاسواني

هل يجوز أن تهاجم إنساناً وهو يؤدي فريضة دينية؟ هل يجوز أن تهاجم إنساناً وهو يصلي، سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو يعتنق أي دين آخر؟ هل يجوز أن تهاجم إنساناً صائماً وهو يستعد للإفطار والصلاة؟ هذه جريمة حقيرة ودنيئة في كل الأعراف والقوانين. بعض الجماعات الإرهابية المنتسبة للدين كذباً هاجمت الجنود والضباط المصريين في رفح، وهم صائمون يستعدون للإفطار. أطلقت النار عليهم وهم يقومون بواجبهم في حماية حدود بلادهم. أسفر الهجوم الإجرامي عن استشهاد 16 ضابطاً وجندياً مصرياً وإصابة العديد من زملائهم، ثم استولى الإرهابيون على مدرعتين مصريتين، وهجموا بهما على الحدود «الإسرائيلية»، حيث تعامل معهم الجيش «الإسرائيلي» وقصف المدرعتين، ثم أذاع أنه أحرق مدرعة ولم يشر الى مصير المدرعة الأخرى.. الحادث مريب وخطير فعلاً ويثير أسئلة عديدة ويفرض علينا رؤية مختلفة للمشهد في مصر.

أولاً: منذ أن نجحت الثورة في خلع مبارك، تولى المجلس العسكري سلطة رئيس الجمهورية لحين كتابة الدستور وانتخاب رئيس جديد، وقد طالبت القوى الثورية أكثر من مرة بتشكيل مجلس رئاسي مدني من شخصيات وطنية مستقلة مع وجود ممثل للجيش، بحيث يؤدي هذا المجلس الرئاسي مهمات رئيس الجمهورية خلال الفترة الانتقالية. اقتراح المجلس الرئاسي المدني كان يستند الى حقيقتين: أولا أن القادة العسكريين مع خبرتهم العسكرية الكبيرة ليس لديهم أدنى خبرة بإدارة الدولة، ما سيؤدي الى أزمات ومشكلات حدثت بالفعل، وما زلنا نعاني منها جميعاً. وثانياً: أن مهمة القادة العسكريين في العالم كله أن يتفرغوا لمهمتهم الأساسية في الدفاع عن الوطن بعيداً عن شؤون الحكم والصراعات السياسية، لكن المجلس العسكري رفض هذا الاقتراح، وأصر على أن يتولى بنفسه الشؤون السياسية، وغرق اللواءات أعضاؤه في تفاصيل كتابة الدستور وإجراء الانتخابات وحل مجلس الشعب، وللأسف فإن استغراق قيادات الجيش في الشؤون السياسية قد ترك أثره بالتأكيد على تركيزهم في أداء دورهم العسكري.

ان هذا الحادث الإرهابي ينم عن تقصير مؤسف من بعض الأجهزة في القوات المسلحة. لقد تنبأت «إسرائيل» وأعلنت عن وقوع عملية إرهابية في سيناء، بل حذرت المواطنين «الإسرائيليين» من زيارة جنوب سيناء. إذا كان هذا الهجوم الإرهابي متوقعاً ومعلناً بهذا الشكل قبل حدوثه بأيام، فلماذا لم يتخذ القادة العسكريون في مصر الاحتياطات اللازمة لإحباط هذا الهجوم وحماية جنودنا الذين استشهدوا؟ لماذا لم تصدر تعليمات برفع درجة الاستعداد تحسباً لهجوم أكدت «إسرائيل» أنه سيحدث في سيناء؟ ان هذا التقصير الذي أدى الى سقوط 16 شهيداً مصرياً يجب أن يكون محل تحقيق فوري موسع وحازم داخل القوات المسلحة حتى لا يتكرر.

ثانياً: منذ اليوم الأول للثورة المصرية وقفت «إسرائيل» بوضوح وقوة في صف حسني مبارك الذي وصفه مسؤولون «إسرائيليون» بأنه كنز استراتيجي للدولة العبرية. ولأول مرة في تاريخ «إسرائيل» يعقد رئيس وزرائها ثلاثة مؤتمرات صحافية في أقل من ثلاثة أسابيع من أجل هدف واحد: تدعيم نظام مبارك ضد الثورة، بل ان «إسرائيل» مارست ضغوطاً غير مسبوقة على الإدارة الأميركية حتى تمنع سقوط مبارك، لكن الثورة انتصرت وخلعت مبارك. من السذاجة إذاً أن نتصور ان «إسرائيل» سيسعدها نجاح الثورة أو أنها ستقف مكتوفة الأيدي حتى يتم التحول الديموقراطي في مصر. «إسرائيل» تعرف جيداً حجم مصر وتأثيرها في العالم العربي، وتعلم أيضاً أن مصر تملك إمكانات كبرى وأنها لو أتمت التحول الديموقراطي فستتحول في سنوات قليلة الى دولة كبرى وتستعيد دورها في قيادة الوطن العربي. «إسرائيل» تعلم أن الثورة في مصر لو نجحت فإن العالم العربي كله سيحقق النهضة وهي ستبذل كل جهدها لمنع هذه النهضة... من ناحية أخرى، فإن «إسرائيل» تتحرك وفقاً لعقيدة صهيونية تعتبر حدود «إسرائيل» الكبرى من النيل الى الفرات، وبالتالي فإن كل المعاهدات التي توقعها «إسرائيل» تعتبرها خطوات تكتيكية تستطيع أن تتنصل منها في أي وقت لتنفذ خطتها النهائية في السيطرة على العالم العربي. هذه العملية الإرهابية لا تفيد أحداً إلا «إسرائيل»، بل ان شكوكاً قوية تحيط بدور «إسرائيل» في هذا الهجوم. لماذا وكيف تنبأت «إسرائيل» بالعملية الإرهابية قبل حدوثها بأيام؟ ما الذي يدفع الإرهابيين الى دخول «إسرائيل» بمدرعتين؟ هل من المعقول أن يتصوروا أنهم سينفذون أية عملية داخل «إسرائيل» باستعمال مدرعتين فقط؟ ألم يعلم الإرهابيون يقيناً أن القوات «الإسرائيلية» تراقبهم وستقصفهم فور اقترابهم من الحدود؟ ان دخول الإرهابيين الى «إسرائيل» يزيد من الشكوك حول دور «إسرائيل» في الهجوم. أضف الى ذلك أن الهجوم «الإسرائيلي» على المدرعتين داخل «إسرائيل» يقضي على كل أمل لمصر في معرفة شخصيات الإرهابيين ومن يقف وراءهم. ان هذا الهجوم يحقق أهدافا محددة لـ«إسرائيل» التي أعدت الرأي العام في العالم من أجل هذه اللحظة.. «إسرائيل» منذ فترة تملأ الدنيا ضجيجاً في الصحافة الغربية عن خطورة الفراغ الأمني في سيناء، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حذرت أكثر من مرة من عمليات إرهابية قد تنطلق من سيناء ضد «إسرائيل»، وقد أطلق وزير الدفاع «الإسرائيلي» تصريحاً يلوم فيه الجيش المصري لأنه قصّر في حماية الحدود، ويلوّح باستدعاء قوات دولية لحماية أمن «إسرائيل». كل هذا في رأيي يبدو مدبراً ومخططاً.. سوابق «إسرائيل» تؤكد أنها لا تترك أي حدث في مصر أو المنطقة بغير أن تستعمله من أجل تحقيق المزيد من التوسع والعدوان، وهي تستهدف من هذا العمل الإرهابي تحقيق أحد الهدفين: إما التدويل لقطاع من سيناء ووضعه تحت إشراف دولي، وإما الدفع بقوات «إسرائيلية» لاحتلال قطاعات من سيناء بزعم حماية نفسها من الاعتداءات.

ثالثاً: نرجو ألا يستغل هذا الحادث الإرهابي من أجل تشويه صورة إخوتنا الفلسطينيين في غزة واستعادة الحصار ضدهم.. لقد ارتكب نظام مبارك جريمة بشعة ضد الفلسطينيين عندما شارك «إسرائيل» في حصارهم وتجويعهم. نرجو من أعضاء المجلس العسكري والرئيس مرسي ألا ينساقوا الى ما تريده «إسرائيل» ويستأنفوا حصار أهلنا في غزة.. ان محنة الفلسطينيين في غزة لم تعد شأناً عربياً بل قضية إنسانية. ان منع المياه والكهرباء والغذاء عن سكان مدنيين جريمة ضد الإنسانية بغض النظر عن مرتكبها وضحيتها. القوافل التي جاءت مرة تلو الأخرى لفك الحصار عن غزة كان معظم أعضائها من الأجانب المسيحيين واليهود الذين اعتبروا ما يحدث في غزة جريمة ضد الإنسانية يحتم عليهم التزامهم الأخلاقي مقاومتها ومنعها.

رابعاً: قام المجلس العسكري بمهمات رئيس الجمهورية أثناء الفترة الانتقالية، وكنا وما زلنا نعتقد أن المجلس العسكري ارتكب أخطاء جسيمة أدت بنا الى الورطة التي نحن فيها.. لقد حافظ المجلس العسكري على نظام مبارك الذي تسبب في كل المشكلات التي أعقبت الثورة، بدءاً من الانفلات الأمني والأزمة الاقتصادية، الى نشر الفوضى من أجل استعادة النظام القديم بأي ثمن.. المجلس العسكري مسؤول سياسياً عن مذابح راح ضحيتها العشرات من الشهداء والمصابين، بالإضافة الى مئات المدنيين الذين حوكموا عسكرياً وألقى بهم الى السجن الحربي.. كنا وما زلنا ننتقد تصرفات المجلس العسكري، وفي كل مرة كنا نحرص على التأكيد أن النقد الذي نوجهه لسياسات المجلس العسكري لا ينسحب أبداً على الجيش المصري الذي هو جيش الشعب المصري. ليس في مصر بيت لا يضم مجنداً أو ضابطاً في القوات المسلحة. كنا نؤكد دائماً اعتزازنا بالجيش، وان كنا نعترض على سياسات المجلس العسكري ونرفض إقحام الجيش في السياسة، الأمر الذي بدأنا ندفع ثمنه جميعاً.. بالرغم من نقدنا للمجلس العسكري واعتراضنا على سياساته، ففي هذه اللحظات الحرجة، نجد من واجبنا أن ندعمه بكل قوتنا من أجل قيادة هذه المعركة دفاعاً عن الوطن.. المجلس العسكري الذي طالما اختصمناه ونددنا بسياساته يجب أن يتحول في نظرنا الآن الى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يجب أن ندعمه بكل قوتنا ليقوم بمهمته من أجل الدفاع عن الوطن. آن الأوان لأن تراجع مصر معاهدة «كامب دافيد» التي تمنحها حق مراجعة بنودها كل فترة. ان القوات المصرية الموجودة في سيناء غير كافية لتأمين الحدود المصرية. آن الأوان لأن يرد الجيش المصري الصاع صاعين لكل من يهاجم جندياً مصرياً. لا نريد من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتصرف بالطريقة نفسها التي اتبعها عندما اقتحمت القوات «الإسرائيلية» الحدود المصرية وقتلت 6 جنود مصريين في العام الماضي، واكتفت السلطات المصرية آنذاك بما يشبه الاعتذار من «إسرائيل».. في الداخل يجب القضاء على الانفلات الأمني فوراً وتماماً. ان الانفلات الأمني المتعمد من نظام مبارك جريمة في حق مصر، لكنه إذا استمر في هذا الظرف الخطير تكون بمثابة خيانة عظمى للوطن. عندما تتعرض مصر للخطر فيجب أن نكون كلنا على مستوى المسؤولية. الواجب علينا الآن ألا نتصرف من منطلق صفتنا السياسية بل بدافع انتمائنا الوطني. في هذه اللحظة، لا نكون سلفيين أو إخواناً أو ليبراليين أو يساريين، بل نكون فقط مصريين، واجبهم أن يدعموا القيادة العسكرية للجيش المصري بكل قوتهم مهما كانوا مختلفين مع أدائها السياسي. واجبنا جميعاً الآن أن نتوحد ونرتفع الى مستوى المسؤولية ونضع كل طاقاتنا في خدمة الوطن. لا يعني ذلك بالطبع أن ننسحب ونوقف التحول الديموقراطي، فإن مصر يعاد تشكيلها الآن بعد الثورة ولا بد أن نشارك بآرائنا ومجهودنا، لكن علينا أن نعي أن الوطن يمر بلحظة خطرة تسمح بالخلاف في الرأي لكنها لا تسمح أبدا بالصراعات مهما تكن أسبابها.

نتمنى أن يستجيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الى مطالبنا ويعود الى عمله الأصلي في الدفاع عن الوطن ويترك الشؤون السياسية للرئيس المنتخب ووزارته. مهما كان اختلافنا مع الرئيس مرسي ومهما يكن رأينا سلبياً في الوزارة التي شكلها فإن مصلحة مصر، كما تفرض علينا الوقوف خلف قيادة القوات المسلحة، تفرض علينا أيضاً أن نساعد الرئيس المنتخب على تأمين بلادنا وحل أزماتها، لأننا قد نتعرض في أية لحظة الى هجوم آخر من «إسرائيل» التي تملك الآن ذريعة للتدخل العسكري في سيناء... مصر تنتظر منا جميعاً أن نرتفع جميعاً عن خلافاتنا ونقدم مصلحة الوطن على أي اعتبار آخر.. حفظ الله مصر ورحم الله الشهداء.

الديموقراطية هي الحل


titre documents joints

ماذا تنتظر مصر؟

7 آب (أغسطس) 2012
info document : PDF
208.1 كيلوبايت

د. علاء الأسواني

طبيب أسنان وأديب مصري



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165277

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165277 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010