الثلاثاء 7 آب (أغسطس) 2012

الصمت المُدان

الثلاثاء 7 آب (أغسطس) 2012 par د. حياة الحويك عطية

في أيام الحرب الباردة وعندما كانت الموضة موضة الانقلابات، كان أول هدف لأي انقلاب هو السيطرة على الإذاعة. ثم جاء التلفزيون ليؤدي دوره في تسويق وتثبيت هذا النظام أو ذاك، وتشكيل الرأي العام في هذا المجتمع أو ذاك. ومع النظام العالمي الجديد انتقل الإعلام إلى الخصخصة ليصبح كما قال بريجنسكي: «بعد عصر المدفعية وعصر التجارة ، وسيلة الولايات المتحدة للسيطرة على العالم».

وبما أن هذه الهيمنة، في بعدها الشامل، لم تكن ممكنة إلا بالهيمنة على منطقة «الشرق الأوسط»، لمواجهة آسيا الصاعدة وأوروبا، كما كتب كولن باول عام 1990. فان معركة العالم تدور على أرض هذه المنطقة منذ ذلك التاريخ، بدءاً من العراق، الذي شكلت الحرب عليه فرصة الهيمنة الكلية على الخليج، إلى حرب 2006 في لبنان، الى حروب الانقسام الفلسطيني، والآن إلى سورية.

وتطبيقاً لنظرية بريجنسكي، جندت أموال النفط الهائلة لتأمين إعلام فضائي، بتقنيات وخبراء واستراتيجيات غربية، ولسان عربي، ليشكل فصيلاً من فصائل هذه المعركة ووسيلة من وسائل الهيمنة الأمريكية على العالم. دون أن يكون ذلك جديداً، من حيث دور الإعلام، حيث تشيع في كليات الإعلام مقولة تحولت إلى قاعدة علمية، وهي أن حرب فيتنام حسمت أمام شاشات التلفزيون الأمريكية، بقدر ما حسمت في ميدان القتال، لنعود قليلاً إلى الوراء ونجد دور وكالات إعلام الحرب وتطبيق الحرب السيكولوجية في الحربين العالميتين.

من هنا نفهم استهداف مؤسسات الإعلام السوري (كما كانت «المنار» أول أهداف القصف في 2006)، من الهجوم على الإخبارية إلى تفجير التلفزيون الرسمي أمس، كما نفهم استهداف الزملاء الإعلاميين السوريين بالتصفيات الجسدية الوحشية، وتعمد تصوير عملية التصفية ونشرها لإرهاب الآخرين. خاصة ان الفضائيات العربية الكبرى قد تجاوزت نظريات الحرب السيكولوجية الأمريكية إلى اعتماد نظريات غوبلز: «اكذب اكذب، حتى تصدق نفسك ويصدقك الآخرون»، مما جعل مهمة الإعلام السوري في فضح أكاذيبها أكثر سهولة، وجعله يكتسب، رغم عدم تفوقه المهني، مصداقية في داخل سورية وخارجها.

لكن ما لا نفهمه، على الإطلاق، هو صمت الجهات الإعلامية العربية، خاصة النقابية منها، عن استهداف الإعلاميين السوريين، خاصة وان ذلك يعفي الجهات المشابهة الدولية من هذا الواجب. فأين نقابات الصحافيين؟ أين اتحاد الصحافيين العرب؟ أين «صحافيون بلا حدود»؟ أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين لجان الحريات في مختلف الجهات، بما فيها «اليونسكو»؟ وقد حضرنا قبل سنوات احتفال «اليونسكو» في باريس بتكريم نزار نيوّف ومي شدياق، باعتبارهما تعرضا للسجن في سورية وللتفجير في لبنان. وافقنا يومها على ذلك، وشاركنا في الاحتفال، ولكن هل ساقا وذراع مي شدياق أغلى من رقاب الصحافيين السوريين الذين لا يمتثلون لإغراءات الخليج وإرهاب المرتزقة واستراتيجيات الأتراك والأمريكيين و«الإسرائيليين»؟ ولماذا لا يسمع الآن صوت نزار نيّوف نفسه، الذي ينحاز اليوم إلى وطنه، رغم ما لاقاه في السجن، ويدعو بالرحمة لروح من اعتقله وقضى في تفجير مركز الأمن في دمشق، ويفضح «رموز المعارضة» ومنهم ذلك الذي كان يتاجر باللحم الفاسد، بالشراكة مع ولد فاسد من فاسدي النظام، ويصنعا منها المراتديلا، وعندما اندلعت الأحداث وجاء من يدفع له اكثر وينقله إلى فرنسا، ثمناً لتأمين صورة للمسيحي اليساري المعارض، تخلى عن تجارته الأولى ليدخل في تجارة مربحة أكثر.

هل سيغتالون نزار نيوف، الذي جعلوا منه «رمزاً لحرية الرأي» يوم كان ضد نظام البعث، لأنه تعالى فوق جراحه وأحقاده ووقف بقوة مع وطنه الآن، وفضح «رموزهم»؟

الرد على الرأي بالرأي، على الخبر بالخبر، تأكيدا أو تكذيبا، هو حرية لا جدال فيها. ولكن الاعتداء على الإعلاميين وعلى المؤسسات الإعلامية مرفوض بكل أشكاله، والصمت على ذلك مؤامرة مرفوضة بقوة اكبر لأنها تشجيع على الأسوأ ونذير شؤم للجميع وللمستقبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010