الاثنين 6 آب (أغسطس) 2012

خلفية موقف جنرالات «إسرائيل» من ضرب إيران

الاثنين 6 آب (أغسطس) 2012 par صالح النعامي

تبدو قراءة الموقف «الإسرائيلي» من قضية توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني أكثر تعقيداً مما تبدو للوهلة الأولى؛ فالأمر لا يتعلق فقط بالخلافات الواضحة بين المستوى السياسي المتحمس للضربة العسكرية، والمستوى العسكري الذي يبدي تحفظاً كبيراً على الخطوة، بل إن هناك خلافات جذرية داخل المستوى السياسي بشأن هذه المسألة، حيث تبين أن الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريس يتزعم معسكراً كبيراً داخل الكيان الصهيوني يعارض بقوة توجيه ضربة لإيران. صحيح أن بيريس عملياً لا يتمتع بصلاحيات ذات وزن، لكن مما لا شك فيه أنه بفضل ماضيه الحافل في المجال السياسي والأمني (يعتبر أبو المشروع النووي «الإسرائيلي») فإن مواقفه ذا تأثير كبير في الرأي العام «الإسرائيلي». وفي داخل الحكومة، يبدي نائب رئيس الوزراء/ وزير الشؤون الإستراتيجية الجنرال موشيه يعلون معارضة شديدة لضرب إيران. وعلى مستوى موقف القيادات العسكرية، فإنه على الرغم من أن المستوى العسكري في «إسرائيل» يخضع لتعليمات المستوى السياسي ويأتمر بأوامره، فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يمثل المستوى السياسي لا يمكنه تجاهل رأي المستوى العسكري المهني، وإذا علمنا أن كلاً من رئيس هيئة أركان الجيش بني غانز، ورئيس «الموساد» تامير باردو، ورئيس الاستخبارات العسكري أفيف كوخافي يعارضون توجيه ضربة لإيران في الوقت الحالي، فإن نتنياهو لا يمكنه أن يأمر بتنفيذ العملية؛ لأنه في حال فشلت الضربة فإنه شخصياً سيتحمل المسؤولية عن هذا الفشل.

والحجة التي يقدمها المستوى العسكري للاعتراض على توجيه ضربة لإيران، تقوم على أساس أن إيران في حال تعرضت لضربة عسكرية «إسرائيلية»، فإنها ستنتقل بعدها إلى تطوير المشروع النووي بشكل علني وبوتيرة عالية، حيث إنه بإمكانها عندئذ القول إنها تعرضت للهجوم من دولة تملك سلاحاً نووياً، وبالتالي فهي محقة في مواصلة مشروعها النووي، علاوة على مخاوفهم من حجم ردة الفعل الإيرانية.

من هنا، فإن قادة العسكر في «إسرائيل» يرون أنه قبل تنفيذ الهجمة العسكرية على إيران، يتوجب التوصل لتفاهم مع الأمريكيين على أن يضمنوا عدم استغلال طهران الضربة لإحداث طفرة في مشروعها النووي. وفي الوقت ذاته يرى قادة العسكر في «إسرائيل» أن التفاهم المسبق مع الأمريكيين، يضمن تدخلهم عسكرياً لتقليص حجم ردة الفعل الإيرانية، علاوة على أن المساعدات اللوجستية والعسكرية الأمريكية ستسهم في تحسين قدرة الجيش «الإسرائيلية» على تحقيق أكبر قدر من الأضرار بالمشروع النووي الإيراني.

لكن الأمريكيين، الذين يتفقون مع «الإسرائيليين» على أنه يتوجب عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي بكل السبل، إلا إنهم في المقابل يرون حالياً أنه لا حاجة إلى استخدام الخيار العسكري حالياً، ولا سيما في الوقت الذي تؤتي العقوبات الاقتصادية أكلها.

بالطبع هناك سبب آخر يدفع الرئيس أوباما إلى عدم تفضيل الخيار العسكري؛ حيث إنه يخشى أن ضربة عسكرية «إسرائيلية» لإيران ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني، مما يؤثر سلباً في الاقتصاد الأمريكي، وهذا ما يهدد فرصه بالفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى بعد عام في الولايات المتحدة. الأمريكيون يحرصون على تبرير وجهة نظرهم بالمعطيات والأرقام. ويقول الأمريكيون لنتنياهو إن العقوبات التي فرضت على إيران قد أدت إلى هبوط حجم مبيعات النفط الإيرانية بنسبة 40%، أي خسارة 40 مليار دولار في السنة؛ مما دفع الإيرانيين إلى تقليص وتيرة إنتاج النفط الى الحد الأدنى. ويقول الأمريكيون - أيضاً - إن العقوبات المفروضة على البنوك الإيرانية، تُصعب من تنفيذ الصفقات وإدخال العملات الأجنبية لطهران، حيث يشيرون إلى أن الإيرانيين يضطرون للتوجه الى دبي مع حقائب من المال لعقد الصفقات.

ولم يفت الأمريكيون أن يشيروا إلى حقيقة أن المواطن الإيراني بات يشعر بتأثير العقوبات؛ حيث تقلص الدعم الحكومي للسلع الرئيسة في إيران، وفي الوقت ذاته زادت نسبة التضخم إلى 40%. وحسب المعطيات التي تنقلها واشنطن، فإن البطالة تعاظمت والعملة الإيرانية فقدت 65% من قيمتها؛ مما جعل الكثير من المصانع تغلق أبوابها؛ لأنها لم تعد تتمكن من تحمل نفقات استيراد المواد الخام وقطع الغيار.

لكن نتنياهو يرد على الأمريكيين قائلاً إن هذه العقوبات هي أقصى ما يمكن أن تفرضه أمريكا والعالم على إيران، ومع ذلك فإنه لا يجد مؤشرات على إمكانية إحداث تغيير في الموقف الإيراني المصمم على مواصلة تخصيب اليورانيوم.

وهناك نقطة خلاف أخرى بين الأمريكيين و«الإسرائيليين»، تتمثل في تحديد الخط الأحمر الذي يتوجب استخدام القوة العسكرية ضد إيران في حال تجاوزته. فالأمريكيون يرون أن الخط الأحمر يتجسد في حال انتقل الإيرانيون إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة أكبر من 20%، وهم يرون أنه بإمكان الإيرانيين أن يصلوا إلى نسبة 20% من التخصيب، دون أن يكون الأمر مقترناً بخطر ما، وهذا ما يرفضه نتنياهو الذي يرى أنه في حال تمكن الإيرانيون من تخصيب يورانيوم بنسبة 20%، فإنهم بذلك يكونون قد قطعوا 90% من الطريق نحو القنبلة النووية.

لكن الأمريكيين لا يكتفون بإقناع نتنياهو بالكلام المعسول، بل إنهم يقدمون الكثير من الإغراءات الهادفة إلى إقناعه بصدقية موقف إدارة أوباما؛ حيث إن أوباما أصدر تعليمات واضحة بتكثيف التعاون الأمني والاستخباري مع «إسرائيل»، علاوة على أنه أصدر تعليمات بمنح «إسرائيل» عدداً كبيراً من القنابل الذكية، القادرة على اختراق التحصينات الكبيرة.

قد يجد نتنياهو في النهاية في نتائج العقوبات على إيران مسوغاً للعدول عن مخططات الهجوم، على الأقل في الوقت الحالي، لكن في حال تبين أن الإيرانيين يواصلون تطوير برنامجهم النووي، فإن نتنياهو قد يتجه لتوجيه الضربة التي اعتبرها مهمة حياته الرئيسة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165542

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165542 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010