الأحد 5 آب (أغسطس) 2012

مجزرة الحرم الإبراهيمي

الأحد 5 آب (أغسطس) 2012 par أمجد عرار

قبل ثمانية عشر عاماً، في الخامس عشر من رمضان تسلّل الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين إلى الحرم الإبراهيمي، فيما كان عشرات الفلسطينيين ساجدين في صلاة الفجر، وشرع بإطلاق النار عشوائياً، مفرّغاً ما في مخزن رشاشه من رصاص، وما في قلبه من حقد وجبن، ليرتقي تسعة وعشرون فلسطينياً منهم شهداء ويصاب مئة وخمسون آخرون بجروح. لقد تغلّب الحقد على قسم المهنة الذي لا نعرف إن كان قطعه الإرهابي غولدشتاين على نفسه كطبيب، لكنّه كأي جبان لا يعرف لغة القتال نداً لند، لم يكن بإمكانه سوى اختيار أشد لحظات المؤمنين خشوعاً، وباغتهم ساجدين بين يدي ربّهم. جاءهم من الخلف لأنه كان أنذل من أن يواجه العيون التي لا تهزمها الطائرات والدبابات. ظن ذلك المأفون بالحقد والإرهاب أنه قادر على تنفيذ المجزرة والانسحاب، لكن حرس الحرم تصدّوا له بمطفأة حريق، ولم يكن ممكناً وقف إطلاق الرصاص من إرهابي مسلح، سوى مواجهته بالعنف، ولذلك دفع ذلك المجرم حياته بعضاً من ثمن مجزرته الدنيئة.

«إسرائيل»، كعادتها، تجاهلت شلال الدماء الفلسطينية التي سالت في المسجد، ولم يهمّها سوى مقتل المجرم الذي أقام له مستوطنو «كريات أربع» مزاراً ليستلهم المستوطنون الآخرون منه هذا المستوى من الحقد. وكان نتيجة المجزرة أن حمّل المحتلون المسؤولية للضحايا، ووظّف الجريمة لمصلحة مخطط معد مسبقاً يقضي بالسيطرة على الحرم الإبراهيمي، وكانت الخطوة الأولى في ذلك المخطط تقسيم الحرم الإسلامي الخالص بين الفلسطينيين والمستوطنين، وهو ينتهز الفرصة لاستكمال السيطرة عليه، وربما ينتظر مجزرة جديدة لتنفيذ بقية المخطط.

ولأن المخطط أكثر شمولية من حصره بمكان، وحيث إن الفاعل ومعد المخطط هو ذاته، فإن متابعة ما يجري في المسجد الأقصى يشبه إلى حد بعيد ما جرى في الحرم الإبراهيمي، فالحرم القدسي تعرّض للحرق وشهد وقوع أكثر من مجزرة، ومازالت الحفريات تفرّغ الأرض تحته في حملة متواصلة ليلاً ونهاراً، وقد ينهار قبل استنساخ مخطط تقسيمه بين الفلسطينيين والمستوطنين.

من المنطقي أن تندهش «إسرائيل» وهي ترى نحو عشرة آلاف فلسطيني من أبناء محافظة الخليل يؤمّون الحرم الإبراهيمي لأداء صلاة الجمعة الثالثة من رمضان رغم إجراءاتها العسكرية المشددة والخانقة، علماً بأن منطقة المسجد حوّلها الاحتلال منذ المجزرة إلى ما يشبه محمية خاضعة لسيطرته، حيث أغلق شوارع وطرد أصحاب المنازل والمحال التجارية في محيطه وعلى مسافة مئات الأمتار.

ما يؤسف له أن «إسرائيل» ارتكبت كل مجازرها من دون أن يقول لها ما يسمى المجتمع الدولي: كفى استهتاراً بالقانون الدولي وبقايا شرعة هيئة مسكينة و«ملطشة» اسمها الأمم المتحدة. في الذكرى الخامسة عشرة، (بالتوقيت الهجري) لمجزرة الحرم الإبراهيمي، لا ينبغي أن ينسى أحد أن المجرم يملك الماضي وجزءاً من الحاضر، لكن الجزء المتبقي من الحاضر، كما المستقبل، ليس له ولن يكون. أما النظام الرسمي، فلربما يحتاج إلى من يذكّره بأن الحرم الإبراهيمي هو رابع مسجد إسلامي من حيث الأهمية للمسلمين بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى. «إسرائيل» لم تعد تكلّف نفسها عناء الاستماع لبيانات الشجب والاستنكار التي يصدرها النظام العربي لقطع الطريق على من ينتقدون صمته. وإذا ما تواصل مخطط التهويد، ووصل إلى هدفه المتمثّل بالسيطرة الكاملة على الحرم الإبراهيمي، وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، سنرى العرب والمسلمين يردون على منتقديهم، وسيقفون أمام شاشات الفضائيات وقفة التلاميذ في الصباح، رؤوسهم مرفوعة وعيونهم شاخصة، وأيديهم مشدودة، لكي يقولوا: لن نقف مكتوفي الأيدي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010