الأحد 5 آب (أغسطس) 2012

معركة لم تبدأ بعد

الأحد 5 آب (أغسطس) 2012 par د. حياة الحويك عطية

معركة حلب لم تبدأ بعد. هذا ما يؤكده العارفون خاصة الصحافيون القلة الذين دخلوا إلى المدينة. مع لفت النظر إلى ان الإعلام لا يحضر هناك إلا حضوراً محدوداً فقط : «المنار»، «الميادين» و«العالم»، دخلوا من مطار حلب، و«العربية» و«الجزيرة» دخلوا من تركيا مع المعارضة المسلحة، وليس لأي من هذه الفرق عبور الى مناطق الطرف الآخر، مما يذكرنا بالتقاسم بين من رافق تحالف الشمال ومن كان في كابول، أيام أفغانستان، أو من دخل مع القوات الأمريكية من الكويت ومن دخل من بغداد أيام الحرب على العراق. ولسنا لنسوق هذه المقارنة من باب التهويل، بل هي اوجه الشبه قائمة، لأننا خرجنا في سورية من مسألة حرب داخلية سواء أسميناها ثورة أو حرباً أهلية، ووصلنا في حلب الى حرب خارجية بكل ما للكلمة من معنى، مهما ارتدت من أقنعة.

العائدون من هناك يؤكدون أن نسبة المقاتلين السوريين في حلب لا تتجاوز 20 بالمئة من المقاتلين، أما خطوط الإمداد، بشرياً ولوجستياً فهي مفتوحة مئة بالمئة على الجبهة التركية وتوزيع المقاتلين على مختلف الجنسيات وصلت حد مالي، حيث عثر على عدة ماليين بين القتلى والمعتقلين. غير ان الإدارة الحقيقية لكل هؤلاء، بمن فيهم الجيش السوري المسمى حراً تحصل من تركيا، كما أكدته شبكة الاتصالات المتطورة التي تمكن الجيش السوري من وضع اليد عليها، وكانت مهمتها مزدوجة : إيصال التعليمات والتوجيهات إلى المقاتلين والتنصت على تحركات الجيش السوري.

وإذ توصلنا تطورات حلب إلى اعتراف قيادات المسلحين بان القتال لم يعد ذا طابع طائفي مذهبي، وانه موجه ضد كل من والى النظام، فان ذلك لا يعدو عملية خلع الأقنعة، وكشف الوجوه فيما يؤكد حمأة المعركة الأخيرة. ذاك ان الأمر لم يكن يوماً، في عمقه ولدى من خطط له، مواجهة طائفية، وإنما ارتدى قناع المذهبية خلال المرحلة الأولى لشحن المقاتلين الجهاديين والعامة الذين يؤخذون عادة بهذه الحساسيات، وتقديم مادة للإعلام العربي والدولي. مما يذكرنا بحال لبنان عام 2005، وحال العراق بعد الاحتلال. حيث كان كل من طرفي النزاع مؤلفاً من كل الطوائف والمذاهب، ورغم ذلك ظل الإصرار على الطرق على البعد المذهبي قائماً لترسيخه وتسويقه.

في حلب جاءت عملية إعدام أسرة بري، بالأسلوب المهين الذي رأيناه، لتذكرنا بما كان يحصل في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، ويهدف إلى أمرين : الأول تأكيد هذا الكشف، والثاني دفع الناس إلى هجر أحياء معينة لتحقيق الفرز أو التفريغ السكاني، قبل المواجهة العسكرية. ذاك ان الأسرة ليست علوية كما أشيع فور الحادث، وإنما هي تنتمي إلى عشيرة سنية - علوية - مسيحية، بزعامة سنية، والوجهاء الذين تم إعدامهم من السنة. لكنهم جميعاً موالون للحكم في دمشق. ولا يغير في الأمر شيئاً استنكار بعض قيادات المسلحين للحادث، لأنه يقع إما في دائرة توزيع الأدوار وإما في دائرة فلتان وتعددية القيادة.

المهم ان المواجهة قادمة، ومرعبة ... مرعبة في دمويتها، مرعبة في الثمن الذي ستدفعه سورية، ومرعبة فيما ستفرضه قاعدة عسكرية بسيطة، هي ان اشتداد الضغط على جبهة معينة، يدفع الى فتح جبهات أخرى تخفف الضغط، عبر إشغال عسكري وإشغال سياسي، وذاك ما لم يكن مطلب المناطق العازلة إلا تحضيراً له. ولعل شمالي لبنان، بما بات يحتضنه من مخيمات عسكرية مجهزة، حتى بمستشفى، سيكون المنطلق الأول. في حين ان بداية التحرش بالمخيمات الفلسطينية في دمشق قد يكون موجهاً لإحراج الأردن، كتهديد بالترحيل لابتزاز تدخل ما، أو السماح بشيء ما. لذلك فان من يفهم هذه المعادلة جيداً يفهم ان اتهام السلطة لأحمد جبريل وللنظام السوري بذلك التحرش هو جاهل أو متجاهل، لأن المصلحة في هذا التحرش، والقدرة على الاستفزاز لاستدعائه تقع في مكان آخر، مكان لا تخفيه تصريحات الاستنكار الرسمية التي تشبه استنكار قيادة المسلحين لمجزرة آل بري.

شبكة رعب ترسمها الأحداث الجارية ويرسمها تصور المستقبل القادم، وترسمها الخريطة الجغرافية التي لم تنفك تقول لنا ان وحدة سورية الطبيعية قدر ينذرها لمصير واحد. مصير تقرر سوداوياً تشريحياً مع نهاية الحرب العالمية الأولى، لأن النظام العالمي الجديد يومها لم يكن ليقوم من دون سايكس- بيكو وإفرازاتها، ومن دون التآمر المستمر على أي توجه لمراجعتها وها نحن اليوم أمام سايكس- بيكو جديدة يدور حولها مصيرنا ومصير العالم، بثمن دمنا وخراب بلادنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165391

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165391 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010