الأحد 5 آب (أغسطس) 2012

ولنا في العراق عبرة..!

الأحد 5 آب (أغسطس) 2012 par نواف الزرو

بلا مبالغة او تهويل، هي حروب إعلامية مخادعة وتضليلية تلك التي تشنها وسائل الإعلام الأمريكية وحليفاتها ضد سورية، حروب تصنع صورة مزيفة بعيدة عن الوقائع على الأرض هناك في سورية، حروب من شأنها ان تقلب الحقائق، وتضلل الرأي العام، حروب تحدث عنها المحلل الصحافي روبرت فيسك في صحيفة («ذي اندبندت اون صنداي» 7/29/ 2012) قائلاً: ان القتال في سورية يغلفه النفاق وتحيط به الأكاذيب»، متسائلاً باندهاش: «هل كانت هناك حرب «شرق أوسطية» في السابق بهذا القدر من النفاق؟ حرب بهذا المستوى من الجبن والتدني الأخلاقي، والبلاغات الكاذبة والإذلال العام؟ موضحا: «أنا لا اتحدث عن الضحايا من البشر في المأساة السورية، وإنما أشير إلى الأكاذيب الكاملة والاعتياد عليها من جانب قادتنا والرأي العام لدينا - في الشرق كما في الغرب -، وهم أشبه بممثلين أشرار في كتابات سويفت الساخرة، أكثر من روايات تولستوي أو شكسبير».

وعملياً على الأرض، فان المتابع لتفاصيل الحملات الإعلامية المكثفة المركزة الموجهة التي تستهدف سورية، يرى بوضوح حجم النفاق والأكاذيب التي تقلب الحقائق كلها رأساً على عقب، فتحول الحق الى باطل والباطل الى حق، ويكفينا في ذلك دلالة، ان الماكينة الإعلامية الأمريكية التي قادت الحرب الإعلامية على العراق هي ذاتها التي تقود هذه الحملات ضد سورية.

وفي الخداع والنفاق والأكاذيب، لنا فيما جرى في العراق عبرة - لمن يريد ان يعتبر - فنعود قليلاً الى الوراء لنتذكر مناخ التحشيد والتحريض الأمريكي «الإسرائيلي» الدولي ضد العراق، تمهيداً لغزوه وتدميره وإخراجه من التاريخ - حسب وصف ديك تشيني - لصالح الهيمنة على النفط ولصالح «إسرائيل»، ونتذكر سطوة الإعلام الأمريكي الذي روج الرواية الأمريكية المضللة حول خطورة العراق وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وغير ذلك، لغاية تسويق خطة الحرب على العراق «من اجل تحرير شعبه وتخليص العالم من تهديدات الديكتاتور العراقي..!».

ولم تكن الإدارة الأمريكية برئاسة بوش الابن لتنجح بذلك وفق الوثائق والشهادات لو لم يتحول البيت الأبيض بكامله الى مصنع للأكاذيب والأضاليل، ولم تكن المعلومات الكاذبة في الحقيقة إلا من صناعة البيت الأبيض نفسه، وفي ذلك كشفت دراسة نشرتها منظمتان أمريكيتان مستقلتان - اشرنا لها في كتابات سابقة ونستحضرها للتذكير دائماً - وهي بعنوان «حجج واهية»: «إن الرئيس بوش وسبعة مسؤولين كبار في الإدارة بينهم نائب الرئيس ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي (آنذاك) كوندوليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد أدلوا ـ فبركوا ـ بـ 935 تصريحاً خاطئاً على الأقل خلال السنتين اللتين تلتا 11 سبتمبر 2001 حول التهديد الذي يشكله العراق، برئاسة صدام حسين على الأمن القومي الأمريكي».

وعلى صعيد الخداع الشامل والكذب والتضليل والتلفيق وتزييف الحقائق، فإن الإدارة الأمريكية هي المتميزة، ففي الجوهر والمضمون والأداء، لم يشهد تاريخ الحروب البشرية على الإطلاق حرباً عدوانية استعمارية ظالمة مدججة بكم هائل من الأكاذيب والذرائع المفبركة الملفقة التضليلية، كما الحرب الأمريكية على العراق، بل يمكن القول ان هذه الحرب كانت منذ بداياتها الأولى عبر مسارها الطويل وتفاصيلها الغزيرة، وصولاً إلى نتائجها الإجرامية، واستمرارا إلى تداعياتها الراهنة والمحتملة عبارة عن خداع شامل للعالم كله.

وكما في الحالة العراقية، كذلك في الحالة السورية، تقف الإدارة الأمريكية وماكينتها الإعلامية، والى جانبها الإمبراطوريات الإعلامية الأخرى، وراء هذا الضخ الإعلامي المركز ضد سورية، وهناك جوقة إعلامية تضليلية كاملة متكاملة، تمتد من البيت الأبيض وتمر عبر عواصم عديدة وصولاً إلى «تل أبيب»، تقوم بنشر وتسويق قصص المجازر والمذابح وتضخيمها على نحو مرعب، علما بأنه حتى بعض المصادر الإعلامية الأمريكية تقول - نقلاً عن المخابرات - ان بعض المذابح المروعة ارتكبتها عصابات المرتزقة.

لذلك، فأن هذه الحملة الأمريكية الغربية - التركية -العربية المسعورة ضد سورية، تحت شعارات «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«الحريات العامة» و«تحرير الشعب السوري - على طريقة تحرير الشعب العراقي» «أسلحة الدمار الشامل» وغيرها، إنما هي كليشيهات كاذبة ومخادعة وتضليلية، وأن كل قصة الفساد والاستبداد والإرهاب والمذابح -حتى لو كانت حقائق يراد بها الباطل، والباطل هنا يعني تدمير سورية وإخراجها من التاريخ وتحويلها الى دويلات تابعة -، إنما هي «فزاعات» كاذبة يراد من ورائها خداع الرأي العام، وتسويق الخطاب الأمريكي - الأوروبي - التركي، وبأن هذه الدول ستواصل دعم الشعب السوري والجيش الحر حتى سقوط نظام الأسد.

ما يستدعي في الاستخلاص المكثف وقفة مراجعة تقييمية حقيقية وجادة لدى المثقفين والإعلاميين العرب على نحو خاص جداً، لإعادة صياغة الخطاب الإعلامي والأولويات العربية الحقيقية والمنطقية في قصة «الإرهاب» من بداياتها إلى نهاياتها، وما يستدعي من الأمة والدول والأنظمة العربية يقظة ونهضة جديدة في مواجهة ما هو آت على الأمة ..؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165626

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165626 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010