السبت 4 آب (أغسطس) 2012

تحديث التبعية الفلسطينية للاحتلال الاقتصادي

السبت 4 آب (أغسطس) 2012 par نقولا ناصر

عندما يؤكد الواقع الملموس، والطريق المسدود للمفاوضات، والمفاوضون من الجانبين، والوسطاء أن «عملية السلام» بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال «الإسرائيلي» قد «ماتت»، وعندما يفشل المعنيون بها جميعهم في إنعاشها لاستئنافها، وينشغل كل الحريصين على حركة التحرر الوطني في فلسطين في البحث عن استراتيجيات بديلة لبقائها على قيد الحياة، فإن أي اتفاق جديد يتم إبرامه بين الطرفين في غياب «عملية السلام» و«شلل» المفاوضات و«بيات» المقاومة لا يمكنه أن يخدم عملية سلام ميتة، ولن يكون المستفيد منه سوى الاحتلال ودولته.
وينطبق ذلك على اتفاق «ترتيبات» الضرائب ونقل البضائع الذي وقعه رئيس وزراء سلطة الحكم الذاتي في رام الله، د. سلام فيّاض، مع وزير مالية دولة الاحتلال يوفال شطاينتس مساء اليوم الأخير من شهر تموز / يوليو الماضي، وهو في الواقع اتفاق على تحديث التبعية الفلسطينية الاقتصادية للاحتلال ودولته عبر تحديث «بروتوكول باريس» الأداة الرئيسية لهذه التبعية.

إن تحذير الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، د. مصطفى البرغوثي، من خطر رفع ضريبة القيمة المضافة إلى (15.5%) بدلاً من (14.5%) الحالية نتيجة لاتفاق فيّاض الجديد يمثل أقل الأضرار المتوقعة لتوقيعه، ولذلك قرن د. البرغوثي تحذيره بالدعوة مجدداً إلى إلغاء «بروتوكول باريس» الاقتصادي لأنه يبقي «اقتصادنا تابعاً للاحتلال» ويستخدم كـ«أداة ضغط» على أي قيادة فلسطينية لابتزازها سياسياً، غير أن اتفاق فيّاض الجديد يعزز هذا البروتوكول بدل إلغائه.

وفي معزل عن «مفاجأة» توقيع اتفاق جديد بين الجانبين في خضم دفق من التصريحات الرسمية لمنظمة التحرير والسلطة عن انقطاع الاتصلات بينهما، بعد أشهر من التفاوض على الاتفاق الجديد بعيداً عن أعين الرأي العام ومؤسسات الرقابة المغيبة، فإن هذا الاتفاق الجديد الذي وقعه د. فيّاض مع دولة الاحتلال يعتبر في حد ذاته سيراً في الاتجاه المعاكس تماماً للتوجه الوطني الفلسطيني العام نحو الاستقلال السياسي والاقتصادي لأنه يعزز التبعية الاقتصادية وبالتالي السياسية للاحتلال ودولته.

وتوقيع الاتفاق الذي لا يشمل قطاع غزة من الناحية العملية بحكم الانقسام الفلسطيني الراهن أولاً وبحكم الحصار الاقتصادي الذي تفرضه دولة الاحتلال على القطاع ثانياً لا يمكنه إلا أن يزيد في مساحة الانقسام ويوسع شقة الاختلاف والخلاف بين غزة وبين رام الله ويطيل أمد الحصار على القطاع، بحكم الأمر الواقع، بغض النظر عن حسن أو سوء نية موقع الاتفاق.

لقد كان إلغاء «بروتوكول باريس» الاقتصادي الموقع بين المنظمة وبين دولة الاحتلال عام 1994، في ظروف مماثلة من التكتم والسرية وتغييب المشاركة والرقابة الوطنية مطلباً وطنياً، وسبق للرئيس محمود عبّاس أن أعلن عن عزم المنظمة والسلطة على إعادة فتحه وتعديله لما ينطوي عليه من إجحاف بحقوق الفلسطينيين واقتصادهم، وتصاعدت الدعوات إلى ذلك خلال العام المنصرم تحت الضغوط المالية والاقتصادية الناجمة عن الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بهدف ابتزاز قياداته للإذعان لشروط الاحتلال.

لكن الاتفاق الجديد الذي وقعه د. فيّاض «سوف يحسن العلاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية وبين «إسرائيل»» لذلك «فإنني أود أن أنقل تقديري وامتناني لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو ووزير المالية «الإسرائيلي» شطاينتس على جهودهما للعمل نحو هذه الترتيبات»، كما قال فيّاض معرباً عن «سروره» لتوقيع الاتفاق. وعلق شطاينتس على «الترتيبات الجديدة» بقوله إنها «خطوة هامة في تقوية الروابط الاقتصادية» بين الجانبين. واصدر نتنياهو بالمناسبة بياناً جاء فيه إن هذه «الترتيبات... تمثل جزءاً من سياستنا المعلنة» في السلام الاقتصادي وأنها «تسهل تنفيذ الاتفاقيات السابقة في المجال الاقتصادي، وبخاصة بروتوكول باريس».

إن ترحيب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق في اليوم التالي لتوقيعه، في بيان لمسؤولة السياسة الخارجية كاثرين آشتون، باعتباره «خطوة هامة... تحسن العلاقات الاقتصادية بين «إسرائيل» وبين السلطة الفلسطينية»، يذكر بأن الاتحاد هو الممول الأكبر للوضع الفلسطيني تحت الاحتلال منذ عام 1967، وقد لفت النظر مؤخراً أن المانحين الأوروبيين يسوغون تمويلهم بحجة دعم بناء المؤسسات لدولة فلسطينية موعودة، لذلك فإن الترحيب الأوروبي بالاتفاق الجديد الذي يعزز التبعية الاقتصادية الفلسطينية لدولة الاحتلال يبدو متناقضاً مع الهدف المعلن للتمويل الأوروبي، ويبدو ترحيباً باستمرار الوضع الراهن في الضفة الغربية المحتلة.

ولم يكن الاتفاق الجديد هو المؤشر الوحيد إلى أن فيّاض يسير في الاتجاه المعاكس تماماً للتوجه الوطني الفلسطيني العام نحو الاستقلال السياسي والاقتصادي. ففي ذات الوقت الذي تعلن منظمة التحرير نيتها في السعي إلى هذا الاستقلال عبر الأمم المتحدة، لم يجد رئيس الوزراء الذي جددت رئاسة المنظمة تعيينه في منصبه المرة تلو الأخرى أي حرج في تكرار القول: «أنا لا أحتاج إلى إعلان آخر للدولة، فنحن لدينا إعلان واحد كهذا»، في إشارة إلى إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 (الواشنطن بوست في 22/6/2012).

وفي خضم الإجماع الفلسطيني بين طرفي الانقسام الفلسطيني على إدانة تصريحات المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، ميت رومني، أثناء زيارته الأخيرة لدولة الاحتلال، عن كون القدس عاصمة أبدية لها، لم يجد فيّاض أيضاً أي حرج في الخروج على هذا الإجماع للاجتماع معه في القدس ذاتها، بناء على طلب رومني، الذي استنكف عن زيارة الرئيس عبّاس في رام الله، بدلاً من رفض دعوته احتجاجاً على تصريحاته وعلى تجاهله لعبّاس.

إن فيّاض لم يتساءل عن دوره في كون السلطة الفلسطينية «تجد الآن صعوبة متزايدة في أن تكون ملهماً اجتماعياً للشعب، ومصدراً لأجوبة مقنعة ذات صدقية»، وفي أن «الخيارات تنفد منا الآن»، وفي أن القضية الفلسطينية لم يسبق لها أن كانت «مهمشة» كما هي اليوم، وفي أن لا شيء يحدث الآن للبدء في القول «لشعبنا إن هناك نهاية قريبة للاحتلال «الإسرائيلي»» وهو الذي بشر بولادة دولة فلسطينية كان منشغلاً ببناء مؤسساتها طوال أكثر من عامين حتى أيلول/سبتمبر الماضي، وفي أن «الوضع الراهن لا يمكن أن يدوم»، ولذلك فإن «الشعب محبط»، كما وصف فيّاض الحال الفلسطيني في مقابلاته الصحفية الأخيرة.

ولا يمكن طبعاً إعفاء فيّاض من المسؤولية عن هذه الحال بعد مضي عشر سنوات تقريباً كان فيها هو الآمر الناهي، وبخاصة مالياً، وسط حراك شعبي جارف يجتاح المنطقة مطالباً بتنحي كل القادة والأنظمة المسؤولين عن إدامة الوضع الراهن فيها، فالوضع الفلسطيني ليس أقل حاجة إلى التغيير والإصلاح من الأوضاع العربية، لكن فيّاض كرر القول في مقابلته لـ«الواشنطن بوست» المشار إليها إنه «لن يبتعد» عن المشهد السياسي و«لا يستبعد» حتى ترشيح نفسه للرئاسة الفلسطينية.

وقد كان لافتاً للنظر أن تستهل «الواشنطن بوست» مقدمة مقابلتها مع فيّاض في الثاني والعشرين من حزيران/يونيو الماضي باقتباس ما قاله مسؤول أميركي رفيع مؤخراً: «لو أننا فقط نستطيع استنساخه»، في إشارة إلى فيّاض وتعبيراً عن «الاحترام الكبير» الذي يحظى به لدى «الأجانب».


titre documents joints

تحديث التبعية الفلسطينية للاحتلال الاقتصادي

4 آب (أغسطس) 2012
info document : PDF
184.8 كيلوبايت

نقولا ناصر

كاتب فلسطيني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2177999

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2177999 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40