السبت 4 آب (أغسطس) 2012

انهيار دولة ما تبقى

السبت 4 آب (أغسطس) 2012 par مأمون كيوان

وصف الدكتور غسان سلامة في أحد كتبه سوريا بخريطتها السياسية الحالية بأنها «دولة ما تبقى»، في إشارة إلى كونها نتاج عملية تقسيم وتفتيت بلاد الشام أو ما يسمى سوريا الكبرى، حيث أنشأت فرنسا في البلاد - بين سنة 1920 وسنة 1922- ست وحدات سياسية، أضفت على كل واحدة منها صفة «المستقلة» لكونها مستقلة عن غيرها من البلاد السورية، ولو كانت خاضعة لسيطرتها، وهي:

أ- دولة لبنان الكبير التي تكوّنت من متصرفية جبل لبنان القديمة، مضافاً إليها بيروت، مع صيدا وصور جنوباً، وطرابلس الشام شمالاً، والأقضية الأربعة شرقاً.

ب- حكومة اللاذقية المستقلة.

ج- سنجق الإسكندرون: تكوّن من قضاء إسكندرون وأنطاكية.

د- حكومة جبل الدروز المستقلة.

هـ- دولة دمشق: تكوّنت مما تبقى من ولاية سوريا القديمة، بعد فصل جبل الدروز وشرق الأردن، والأقضية الأربعة منها.

ولاحقاً أنشأت فرنسا اتحاداً بين الدول السورية المستقلة المؤلفة من دولة حلب ودولة دمشق وأراضي العلويين.

وبالرغم من تكريسها لمبدأ «فرق تسد»، عانت فرنسا من تعقيدات المسألة السورية إلى درجة دفعت المؤرخ ميشيل كرستيان دافيه نحو القول في كتابه «المسألة السورية المزدوجة»: «سوريا بالنسبة إلى الجنرال ديغول انطلاقاً من الدعوة ومروراً بالانفصال، هي أرض ملعونة ليس فيها سوى فاكهة مرة. إنها الوجه الآخر لميدالية براقة». وجرى حل هذه المسألة في سياق حل المسألة العربية، أي بموجة استقلالات ومعاهدات أنتجت دولاً وكيانات سياسية ملكية وجمهورية سرعان ما انضوت تحت مظلة جامعة الدول العربية. ومن المعروف أن ممثلين عن العراق، وسورية، ولبنان، والأردن، والسعودية، واليمن ومصر وضعوا «ميثاق الجامعة العربية» الذي يهدف إلى تمتين العلاقات بين الدول الأعضاء وتنسيق نشاطاتها السياسية.

وكان حل المسألة السورية حلاً جزئياً وناقصاً من حيث شكله وجوهره، وارتباطه بحل المسألة اليهودية على حساب أحد مكونات المسألة السورية المتمثل جغرافياً وديمغرافياً بما سمي سورية الجنوبية أي فلسطين، والفلسطينيون. فظهرت المسألة الفلسطينية بتداعياتها الأيديولوجية وانعكاساتها على التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الخرائط الجيوبوليتيكية لشرق المتوسط. وتمثلت تلك التداعيات والتحولات بصعود الجنرالات إلى سدة السلطة في عدد من الدول العربية عبر انقلابات بيضاء، وصعود المد القومي في عدد من البلدان العربية الرئيسة، لكن سرعان ما دب الشقاق والنفور بين تياراته من بعثيين وناصريين، وكان فشل تجربة الوحدة السورية - المصرية مؤشراً إلى تجدد المسألة السورية، حيث كان «الاستقلال» السوري «الثاني».

وإذا كان الصراع على سورية هو السمة الرئيسة لمرحلة ما بين الاستقلالين: الأول عن فرنسا والثاني عن مصر بمباركة جيل المؤسسين في حزب البعث، ويمثل في الوقت نفسه مرحلة تالية في المسألة السورية، فإن حقبة حكم البعث لسورية الطويلة، كانت تنزع نحو الاستقرار السياسي ودخول سوريا في معترك الصراع على «الشرق الأوسط». وتجري راهناً عملية إعادة إنتاج المسألة السورية التي قد يترتب عليها تشكل تضاريس خريطة سياسية جديدة للمنطقة قد تأخذ شكلاً تقسيمياً منشوداً من جهات «إسرائيلية» تعتقد أن «الثورات والحروب في الدول العربية لن تؤدي فقط إلى تغيير الأنظمة، بل وإلى إعادة تصميم خريطة المنطقة».

وفي السياق نفسه، وتحت عنوان «الكل يريد قسماً من سوريا» كتب الصحافي «الإسرائيلي» تسفي بارئيل مقالاً أوضح فيه أن «سوريا، الدولة عديمة الأهمية الاستراتيجية، الدولة التي ليس فيها نفط أو مقدرات مغرية أخرى، والتي كانت حتى الثورة شريكاً في خطوات استراتيجية إقليمية، تصبح ساحة مناوشة دولية يكون فيها عدد القتلى «ضرراً هامشياً» عديم الأهمية أمام المسعى لبناء خريطة «شرق أوسطية» جديدة من خلالها». لكن انهيار دولة ما تبقى وتفتيتها إلى رزمة «أفغانستانات» أو «بانتوستانات»، قد يشمل الدول والكيانات السياسية المجاورة، ويُنتج هويات أقلوية مذهبية لن تُقدم حلولاً عملية للأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العميقة التي تعم أرجاء «الشرق الأوسط»، بل حلولاً كارثية ستتمثل في حروب طوائف وأقليات تكبح الحريات وتجعل من عملية الدمقرطة أمراً صعب المنال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2178959

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

44 من الزوار الآن

2178959 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 37


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40