السبت 4 آب (أغسطس) 2012

المقاومة.. على جبهة أخرى

السبت 4 آب (أغسطس) 2012 par د. حبيب فيَّاض

لا يقتصر المنجز التاريخي، الذي حققته المقاومة في حرب تموز، على النتائج المشهودة خلال الحرب وبعدها مباشرة. الأمر يتعدى ذلك الى منجزات غير منظورة، على مدى ست سنوات، انتقلت فيها المقاومة من حال «توازن الرعب» مع العدو الى ما يشبه «التوازن الاستراتيجي» القائم على القدرة المتساوية في التدمير وإيقاع الخسائر.

التوازن هذا، قد ينظر إليه البعض بعين التشكيك والاستخفاف، أو قد يضعه في خانة الحرب النفسية التي تتقن المقاومة ممارستها ضد «إسرائيل». لكن وفق الحسابات المنطقية، فإن التوازن المشار إليه لا يعني ارتقاء المقاومة بمخزونها التسليحي وقوتها النارية الى مستوى ما يمتلكه العدو. بل الأمر، على الأرجح، يرتبط بقدرة المقاومة على إضعاف، وربما شل، قدرة العدو على استخدام ما اعتاد على استخدامه من أسلحة ونيران يتفوق بها، كماً ونوعاً. بحيث يتساوى الجانبان، والحال هذه، في القدرة على التدمير من دون أن يتلازم ذلك بالضرورة مع تساويهما في المقتنيات الحربية والعسكرية. وإلا كيف يمكن تفسير كلام الأمين العام لـ«حزب الله»، المعروف بصدقيته، حيث أكد مراراً ان مقابل كل مبنى يُدمر في الضاحية الجنوبية ستدمر مبان في «تل أبيب»؟

بلوغ المقاومة هذا المدى من القوة لا يعني انصراف أعدائها عنها. التوازن القائم ينبئ بتعدد وجوه الصراع وعدم اقتصاره على المستويين الأمني والعسكري. علماً ان منطق الأمور يدفع الى الاعتقاد بأن «إسرائيل» وحلفاءها على المدى المنظور، وفي ظل هذا التوازن، يراهنون على جبهات أخرى أكثر فاعلية وأقل مغامرة وكلفة من المعركة التقليدية. إذ الى جانب المسألة السورية والفتنة المذهبية، ثمة جبهة الأمن الاجتماعي للبيئة الحاضنة للمقاومة، والتي يجب احتسابها ضمن موازين القوى في الصراع مع العدو.

إذاً، المقاومة في لبنان أمام أنماط أخرى من التحديات. الجبهة العسكرية - الأمنية، مع ضرورة تأكيد أولويتها وخطورتها، لم تعد الجبهة الوحيدة التي تتهدد المقاومة. ولا يبدو أن المرحلة لقرقعة السلاح وحده. الخطر «الإسرائيلي» بات له مسارب إضافية يتسلل من خلالها، إضافة الى مخاطر أخرى هي قائمة بيننا يعمل العدو على تفعيلها واستثمارها. فالظروف التي تحيط بالمقاومة وحزبها ستدفع بهما قي النهاية الى الاستنفار والتضحية أيضاً خارج مواقعهما التقليدية والمعهودة. هذا الواقع المستجد والمرتبط بالهم المجتمعي الداخلي، قد لا يكون قد شغل، من قبل، حيزاً كبيراً من مسار المقاومة، لكنه ليس خارج منظومة القيم المؤسسة لها. فالمقاومة في الأساس امتثال لتكليف ديني يقوم على مواجهة الظلم مقدمة لإقامة العدل على قاعدة «اصدع بما أمرت»، وهي شرط لازم في صراع حضاري يقوم أولاً على درء خطر خارجي من أجل ضمان قيام نهضة داخلية لا يمكن التغاضي عنها. والأصل في كل ذلك أمران: كرامة الإنسان التي لا يقتصر الانتقاص منها على الاحتلال، وحريته التي منها تتفرع مقولة التحرير.

لم يعرف عن حزب المقاومة قط انه استخف يوماً أو تهاون في خدمة جمهوره، ومن الطبيعي أن يتعامل الحزب مع الأخطار المحيطة به على قاعدة إعطاء الأولوية للجبهة التقليدية. لكن ليس من الطبيعي أن يحصر الحزب مهماته في بعض التكليف الديني والوطني دون بعضه الآخر، خاصة أن الأمر عنده قد لا يكون متوقفاً على القدرات أكثر من التوجهات. الدليل على ذلك إعادة إعماره الضاحية الجنوبية بنحو يكشف، في آن، عن حرصه الكبير على مصالح الناس وقدرته الهائلة على الفعل والتأثير.

مؤخراً، كان لافتاً إعلان قائد الثورة الإسلامية في إيران عن تأسيس «الشورى العليا للفضاء المجازي» والتي تعنى بإدارة جبهة (تعبئة) مجازية على مسرح عمليات في واقع مواز تتكون أدوات الصراع فيه بمعزل عما هو مرئي ومألوف، حيث اعتبر ان هذه الجبهة توازي من حيث أهميتها وجود الثورة ذاتها. كذلك، كلام السيد نصرالله عن خطورة الحرب الناعمة وضرورة مواجهتها قد يكون مؤشراً على تحول ما في سياسات الحزب الثقافية والاجتماعية، من دون أن يكون ذلك على حساب أولوياته الأخرى.


titre documents joints

المقاومة.. على جبهة أخرى

4 آب (أغسطس) 2012
info document : PDF
174.6 كيلوبايت

د. حبيب فيّاض

باحث وخبير استراتيجي لبناني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165485

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165485 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010