الجمعة 3 آب (أغسطس) 2012

عرفات «فلسطينياً»

الجمعة 3 آب (أغسطس) 2012 par محمد عبيد

الأنباء المتواترة من فرنسا عن رفع أرملة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، دعوى أمام القضاء الفرنسي للتحقيق في مقتله، بعد إثبات مختبر سويسري وجود آثار مواد مشعة في ملابسه التي ارتداها في أيامه الأخيرة عام 2004، وما نتج عن ذلك من عودة هذه القضية بقوة إلى صدارة المشهد، وتحديداً مع طلب فحص رفات عرفات لتأكيد المسألة من عدمها، لا تترك مجالاً لمشكك في أن الزعيم الفلسطيني الراحل اغتيل، لكن يبقى توجيه إصبع الاتهام إلى جهة أو جهات متورطة في الجريمة الدولية، لن تكون «إسرائيل» إلا أولاها وعلى رأس القائمة. ومهما كان الأمر، فلا بد في النهاية أن تنكشف الحقيقة، وتوضع الأمور في سياقها الصحيح. لكن المستغرب، وغير المفهوم في المسألة ككل، يكمن في أن شخصية «أبو عمار» كزعيم تاريخي للفلسطينيين، تتجه نحو إدخالها في عملية «اختزال» وتهميش، إلى الدرجة التي يصبح فيها الأساس في الأمور، ومركزه البحث عن الحقيقة من أجل فلسطين والفلسطينيين ككل، مجرد قضية شخصية ترفعها أرملة زعيم راحل، وفي ذلك تجنٍ كبير على قيمة ودور قائد مرحلة مهمة من تاريخ فلسطين الحديث، سواء اتفق معه من اتفق، أو اختلف معه من اختلف.

كان عرفات «فلسطينياً»، لا زوجاً ولا أباً، ولا رجلاً قضى في ظروف غامضة، هو العنوان لهذه القضية التي تتعدى أية «شخصنة» أو تحويل إلى شأن عائلي، فعرفات الفلسطيني لم يكن يوماً محسوباً على ما هو دون الشعب الفلسطيني الذي رأى فيه الأسرة، إخوة وأخوات وأبناء وآباء وأمهات، وموته في الظروف التي عشناها في آخر أيام عام 2004، وتحديداً مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وما شهدناه قبل ذلك من محطات حصار وتدمير لمقره في مدينة رام الله، والمحاولات المتكررة لإسقاطه من معادلة الصراع، خير دليل على هذه السمة التمثيلية التي حازها الرجل على مدى سني حياته.

هذه هي النقطة المركزية في الموضوع، والسؤال المفتوح على طاولة القيادة الفلسطينية، سواء في منظمة التحرير أو السلطة، أو حتى في مؤسسة عرفات التي أنشئت عقب رحيله، يصاغ في كلمات قليلة: أين أنتم من هذه القضية؟ ولماذا لا ترفع القضية باسم الشعب الفلسطيني أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتوضع فيها فرنسا موضع مساءلة وتحقيق، عن دورها في القضية، بدلاً من اللجوء إليها حكماً وقاضياَ، على مستوى محلي؟ ولماذا لا نسمع من القيادة الفلسطينية حديثاً واضحاً عن الخطوات المزمع اتخاذها في هذا الشأن؟

هذه التساؤلات وغيرها لا تعني بالضرورة نفي حق أرملة الزعيم الراحل وابنته الوحيدة في ملاحقة قتلته، وكشف الغموض الذي انطوت عليه تلك المرحلة من حياته حتى رحيله، ولا تنكر دور سها عرفات في فتح ملف التحقيق مجدداً، بل تؤكده، وتثبت حالة وفاء مشهودة، وتطالب بدعمه على مستويات رسمية وشعبية فلسطينية، لمنح القضية الزخم الذي تحتاج إليه، خصوصاً أن الضغط من خلال شعب كامل وقيادته باتجاه القضية، سيسهم في دفع العالم إلى تبنيها، أو على الأقل منع الجهات التي تحاول حجب الحقيقة أو إخفائها من الاستمرار في مسلسل تضليل شعب كامل منه سها وزهوة ياسر عرفات.

لغز رحيل عرفات حلّ جزئياً، لكن حله الكامل يحتاج إلى توسيع قاعدة وتمثيل المطالبين بكشف الأسرار، وفضح المتسببين بإخفاء الحقيقة، والمتواطئين مع القتلة، والقتلة أنفسهم، في سياق عملية كبرى يمكن أن نطلق عليها فقط اسم «من أجل فلسطين»، ما يعني أن المؤسسة الرسمية الفلسطينية باتت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بموقف وتحرك معلنين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010