الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012

صوت رومني وكلمات نتنياهو

الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012 par د. نهلة الشهال

لعل تلك الجملة، الواردة في إحدى المدونات على «هآرتس»، كانت التغريدة الأكثر انتشاراً في اليومين الماضيين. قد يقال عن ميت رومني، المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، انه غبي ومضحك. وقد يكون موضع سخرية جرائد بريطانيا، وكذلك صحيفة «النيويوركر» الأميركية، بعد هفواته اللندنية، حيث انتقد ضعف الجاهزية الأمنية للمدينة التي تستقبل الألعاب الاولمبية، مستقويا بـ«خبرته» كمنظم لألعاب «سالت ليك سيتي» 2002، حين كان حاكم ولاية ماساشوستس. وتعليق رومني الأخرق مسلك «أميركي» بامتياز، بمعنى أنه يذكِّر بما كرسته النكات الشائعة عن العقلية السائدة لدى الأميركي المتوسط: نحن الأفضل، الأقوى، الأكبر، الأوسع، الأجمل... إلى آخر نعوت أفعل التفضيل. وبما يشبه تلك النكات، رد رئيس الوزراء البريطاني، المغتاظ، بأن لندن من أكثر مدن العالم ازدحاماً وسياحة، وأن تنظيم الألعاب الاولمبية فيها أشد تعقيداً ولا شك من تنظيمها «وسط لا مكان»!

هذا للتسلية. ولكن رومني يقوم بجولته العالمية الأولى كرئيس محتمل. ووفق التقاليد، تندرج «إسرائيل» على رأس قائمة من تنبغي زيارتهم. هناك، في الأراضي المحتلة، تلاحقت تصريحات المرشح الجمهوري، مشيرة الى القدس كعاصمة لـ«إسرائيل» والى نيته، «لو يَفوز»، نقل سفارة بلاده إليها. وبعدما عبَّر عن تأثره لوجوده في هذا المكان (مدينة القدس) بمواجهة الحائط الغربي حيث كان قد صلَّى قبل قليل، (وهو فرْض عين لم يفلت منه رئيس أو مسؤول)، أعرب عن «تواضعه» إذ ينظر إلى «شعب عظيم أنجز شيئاً عظيماً». وهو لم يشذ عن القاعدة الشائعة في استنطاق الله حسب الأغراض السياسية، فـ«تعرَّف على يد القدر التي أنشأت هذا المكان المقدس»، وكذلك فعلت زوجته وابنه البكر، وكلهم مرافقون له حسبما تقتضي التقاليد الأميركية.

ولكن كل تلك الروحانيات كانت تجري بمناسبة أرضية للغاية، إذ كان الحفل مخصصاً لجمع التبرعات للسيد رومني. وقد نظمه وأشرف على أدق تفاصيله الملياردير شلتون أدلسون، مستثمر كازينوهات لاس فيغاس للقمار، وأحد أقرب المقربين من نتنياهو. جمع الحفل مليون دولار، ولكن ذلك لا يهم أبدا، بل الغرض منه رمزي، لأن السيد أدلسون شخصياً وعد بمنح مئة مليون دولار إلى حملة ميت رومني «لكي يرى أوباما خارج البيت الابيض».

وقال رومني في العشاء نفسه إن الاقتصاد «الإسرائيلي» مزدهر بعكس الاقتصاد الفلسطيني، «لتفوق «إسرائيل» الثقافي»، متناسياً تفصيلا صغيرا يتعلق بوجود الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، هذا إذا تغاضينا عن الطبيعة العنصرية لمثل هذه الأقوال أينما وردت. وكان المرشح الجمهوري، الذي لم يشأ زيارة رام الله، قد تبرع بالوعد بتغيير قواعد التفاوض بين الفلسطينيين و«إسرائيل»، إذ لا ينبغي لها أن تنطلق من حدود 1967. وشكره على كل ذلك نتنياهو بحرارة، ولكن هذا الأخير لم يتمكن من انتزاع كلام أقوى من مجرد التزام رومني بـ«حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها» بخصوص «التهديدات» الإيرانية. وقد أظهر رومني حذراً غير مألوف منه، إذ اكتفى، هو ومستشاروه، بجملة غامضة حول «تطبيق كل التدابير الرادعة الممكنة بحق إيران»، مضيفا إيحاء سحرياً عن «عدم استثناء أي خيار».

وفي هذا، فهو لم يتفوق على غريمه أوباما بشيء. فالأخير وقَّع في هذه الأثناء، وقبل ليلة من وصول رومني إلى «إسرائيل»، وبحضور اللوبي الصهيوني في المكتب البيضاوي وعلى رأسه «الأيباك» بقضه وقضيضه، اتفاقية أمنية مع «إسرائيل» تمنحها الولايات المتحدة بموجبها طائرات «كاي سي 135» التي تسمح بتزويد طائرات (أف 15) و(أف 16) المقاتلة بالوقود في الجو. وهو كسر بذا حظراً شهيراً، أرفقه بتصريح عن «التزام لا يتزعزع من قبل كل الأميركيين، جمهوريين وديموقراطيين، تجاه أصدقائنا». والمضحك أن تبرير كسر هذا الحظر يعتمد على ضرورة مراعاة التوازن العسكري الذي ستخل به الأسلحة الأميركية المبيعة إلى... دول الخليج لمواجهة «الخطر الإيراني». يعني ذلك أن السياسة الأميركية تعرف على الأرجح المثل الشعبي العربي القائل «اسقه من دهنه». فهي أولاً تُدخل مليارات الدولارات الى جيوب الـ«ترست» الصناعي/السياسي الأميركي جراء صفقات السلاح المُعيبة. ولا يهم هنا إن كان عرض الإمارة لا يتسع للمناورات. وأما غموض سبب الذهاب إلى الدبابات بعد الطائرات، فتفسره على الأرجح الصعوبات المالية التي تواجه الشركة الأميركية المصنِّعة في هذا المجال. وهي ثانياً تزود كل أعداء إيران بالسلاح، ثم تتكلم عن توازن عسكري إجباري، وعن ضرورة طمأنة مخاوف «إسرائيل» (من قطر؟!). وفي مناسبة توقيع الاتفاقية الجديدة، أعلن البيت الأبيض عن دفعة جديدة من مساهماته في تمويل مشروع «القبة الحديدية» «الإسرائيلي»، فدفع لـ«إسرائيل» 70 مليون دولار جديدة علاوة على الـ205 ملايين السالفة. ولكنه يموِّل من كيس سواه، كما أوضحنا! وبغض النظر عن التوقيت، المحسوب بالتأكيد انتخابياً، إلا أنه من غير الدقيق اعتبار خطوة الرئيس الأميركي نفسها مجرد تنافس انتخابي. ولا هي كذلك زيارات كلينتون إلى «إسرائيل» قبل رومني، ووصول ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي إليها بعده.

فعدا الالتزام الأميركي بـ«إسرائيل»، التاريخي والكلاسيكي والذي لا يفل، شاعت أخبار عن إرسال أوباما مستشاره للأمن القومي، توم دونيلون، ليبحث مع القادة «الإسرائيليين» في المخططات العسكرية المحتملة حيال إيران. وهذه زيارات تجري عادة في الظل، وتحاط بالكتمان، لكنها تتسرب بقدر أو بآخر. فهل يعني ذلك أن «كل الاحتمالات» مطروحة؟ أم أنه تهويل لتهدئة خواطر «إسرائيل» (كقول الأميركيين إن عقوباتهم قد عطلت برنامج تطوير الصواريخ البالستية الإيرانية «سجيل 2» التي يصل مداها إلى 1500 كيلومتر). تهدئة بانتظار التطورات على الساحة السورية، وتحسباً لشكل الصراع الدولي المتجدد، والذي يستعيد الحرب الباردة... ولعله سيبقى كذلك، ما لا يمنع التوترات الشديدة.

رومني رئيس محتمل للولايات المتحدة الأميركية؟ مع الأسف، نعم، رغم تفوق أوباما حتى الآن في الاستطلاعات. ما قد يجعل تلك التوترات أشد، وما قد يجعل بعض المجانين من المحافظين الجدد يستعيدون أحلاماً كارثية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010