الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012

رئيس مصر ومسؤولياته في منظور العرب خارج المحروسة

الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012 par طلال سلمان

يعيش الوطن العربي، مشرقاً ومغرباً، حالة من الاضطراب تقارب الفوضى، فكرياً وسياسياً.. فالكل يحاول أن يغادر الأمس وموروثاته من دون أن يتبين فيحدد الطريق إلى المستقبل وموجباته: القوى السياسية، بالأحزاب والتنظيمات الدينية فيها، والحركات الجديدة التي كانت نواتها قيد التكوين ثم أجبرتها التطورات على تسريع الولادة لتكون «حاضرة» وتتخذ موقعها على الخريطة السياسية الجديدة.

لا القديم مقبول بصيغته وشعاراته القديمة، ولا هو مؤهل أو قادر على تجديد موروثاته والخروج إلى الناس بالصورة الملائمة لطموحاتهم كما بلورها «الميدان» وزكاها. ولا الجديد جاهز لتولي المسؤولية أو هو مؤهل للمهمات الخطيرة التي يتطلبها التغيير كما كان يتمثله ويصوغ شعاراته، بما يلبي احتياجات الناس وتطلعاتها.

... وهكذا جاء «القديم» بديلاً للطغيان الذي كان قائماً ونتيجة، لان ذلك «القديم» كان يملك برنامجاً قد يحتاج شيئاً من التعديل يمكن ارتجاله بسرعة، (الإخوان مثالاً) فيما القوى الجديدة التي أعطت «الميدان» إشعاعه لا تملك أكثر من أفكار ومشاريع برامج نظرية في الغالب الأعم. لا هي تشكل مشروعاً للحكم ولا هي مؤهلة لأن تكون خطة للمعارضة، خصوصاً أن ظروف الميدان لم تيسر الظروف الملائمة لقيام جبهة ائتلافية على قاعدة مشروع سياسي محدد، بين القوى الآتية من الماضي (كالإخوان واليساريين عموماً والشيوعيين خصوصاً) وبين القوى الجديدة التي تختلط في برامجها الأحلام والطوباوية ومنجزات التجربة الأميركية ذات الواجهة الديموقراطية البراقة.

ومع التقدير للإنجازات التي حققتها ثورة الميدان في كل من تونس ومصر، على وجه الخصوص، فإن عملية التغيير تبدو مهددة بأن تغرق في التفاصيل وتتوه في سراديب البيروقراطية وهي تواجه مسؤولية إعادة بناء الدولة، بدءاً بالدستور الجديد، وصولاً إلى برنامج الحكم وقواعده السياسية، بما يحقق الوحدة الوطنية ويمكّن من إنجاز التغيير المطلوب.

وإذا كان الاضطراب في تونس يتبدى واضحاً في مجال التمكين للحكم عبر «جبهة وطنية عريضة» تضم القوى التي شاركت في الانتفاضة، بغض النظر عن نسبة مشاركتها أو فعاليتها، فإن «صيغة الحكم الجديد في مصر تبدو عرضة لكثير من المخاطر التي قد تقلل من احتمال اعتباره عهداً جديداً استولده الميدان بالثورة».

وبالنسبة للعربي خارج مصر فإن وصول «الإخوان المسلمين» إلى سدة السلطة في القاهرة ليس أمراً مفرحاً، بالتأكيد... ولربما كان يمكن التغاضي عن هذا «الأمر الواقع» لو أن الرئيس الإخواني انتبه في مجمل خطبه وتصرفاته ولقاءاته، مع الزوار الأجانب خصوصاً ومعهم بعض المسؤولين العرب، وبغض النظر عن مستوياتهم ومدى تمثيلهم مركز القرار، الى انه قد غدا رئيس أكبر دولة عربية، وان وجوده في موقعه فاتحة لعهد جديد يفترض أن يقدم نفسه باعتباره «قطيعة» مع العهد السابق، ونقيضاً له في الموقف السياسي، لا سيما في القضايا ذات الأهمية الاستثنائية.

وبالتأكيد فإن ما يسمعه هذا العربي خارج مصر من المفكرين والكتاب والسياسيين المصريين، لا سيما الجيل الجديد الآتي من الميدان، يزيد من نقص حماسته في الترحيب بالرئيس الجديد الذي لم ينجح - حتى اللحظة - في تقديم صورة مصر الى العالم (وضمنهم العرب) بحجمها الحقيقي وقدرتها على التأثير في محيطها العربي - الأفريقي - الإسلامي، ومن ثم الدولي.

ثم ان الجدل الفقهي الذي لا ينتهي حول شرعية أو عدم شرعية مجلس الشعب، وهذا اللجوء المتكرر الى القضاء حوله كما حول اللجنة المكلفة بإعداد الدستور الجديد، يُضعف من موقع المجلس ومن خطورة مرجعية الدستور، وينال من هيبة الحكم وهو الشرط الأساسي لقيام الدولة الجديدة.

ومفهوم أن يعيش الرئيس الجديد حالة من الاضطراب بين تقاليد حياته وما آمن به مما تتلمذ عليه كحزبي له انتماؤه الصريح الى تنظيم سياسي واضح الشعار الإسلامي، وبين موجبات موقعه الجديد التي تجعله مرجعاً أعلى لكل المصريين على اختلاف انتماءاتهم... والأخطر: ان يكون في موقع المرجع العربي الأول وصاحب الرأي الأخير في الشؤون العربية، وجلها مواجع وهموم ثقيلة تضع أكثر من قطر عربي على حافة الحرب الأهلية.

ويصعب على المواطن العربي، خارج مصر، أن يقبل من المسؤول المصري الأول، وهو المرجعية العربية الأولى، من حيث المبدأ، هذا التجاهل للشؤون العربية، ومحاولة النأي بالنفس عنها، وان تنحصر لقاءاته بمن لهم مواقف ثابتة تعتبر «العروبة» بدعة، وترى ان الإسلام هو الحل.

كذلك يصعب على هذا المواطن العربي، خارج مصر، أن يرى المسؤولين الأميركيين الكبار يتهافتون على زيارة القاهرة، فيتلقاهم الرئيس بالترحاب، ثم يكملون رحلتهم الى مقصدهم الفعلي، «إسرائيل»، ليطمئنوا قادتها إلى «ثبات مصر» على نهج الصلح المنفرد، أي الخروج من دائرة الصراع العربي «الإسرائيلي»، امتداداً لما اعتمد في عهد أنور السادات ثم بلغ ذروة التعاون الاقتصادي والأمني في عهد حسني مبارك.

كل هذا فيما تمضي «إسرائيل» قدما في تهويد القدس وفي بناء سور يقطع الضفة الغربية إلى جزيرتين منعزلة كل منهما عن الأخرى، فيما تنعزل الضفة جميعاً عن غزة، وينفصل «الداخل» او «فلسطين 1948» عن الفلسطينات المستحدثة كأرخبيل من الجزر المقطعة الأوصال وغير القابلة للحياة.

يعرف العربي خارج مصر ان القاهرة مشغولة بهمومها الثقيلة، وان التغيير عملية تاريخية لا يمكن إنجازها في بضعة أسابيع أو شهور.. لكنه يستغرب أن يكون «الرئيس» قد استقل بنفسه (وتنظيمه) عن رفاق السلاح في الميدان، وأنه لا يبذل المجهود الكافي لتأكيد هوية الحكم الجديد، كجبهة وطنية مؤهلة وقادرة على قيادة المرحلة الانتقالية.

ومثل هذه الجبهة ليست ضرورة مصرية فحسب، بل انها في نظر العرب خارج مصر، خطوة حاسمة في اتجاه تقديم صورة الحكم الوطني المؤهل والقادر على إحداث التغيير المطلوب، داخل مصر، وتقديم النموذج المرتجى للحكم في البلاد العربية الأخرى التي تكاد «انتفاضاتها الشعبية» تضيع في متاهات المناضلة بين «الديكتاتورية الوطنية» الحاكمة أو التدخل الأجنبي لاغي الهوية والوطن والدولة ووحدة شعبها.

وفي نظر العربي خارج مصر فإن رئيس جمهورية مصر العربية هو المرجع العربي الأول، من حيث المبدأ، وهو لا يستطيع «الاستقالة» من هذا الدور، حتى لو صعب عليه أن يؤمن بالعروبة. انه دوره وواجبه ومسؤوليته، حتى لو تقبلها كارهاً.

ولا يتأكد هذا الدور عبر تخصيص السعودية بالزيارة الأولى، ولا عبر تواتر زيارات الموفدين الأميركيين الى القصر الجمهوري في القاهرة...

ولا يقبل العربي خارج مصر مقولة ان «المحروسة» مشغولة الآن بنفسها، وبعد ان ترتاح داخلياً فلسوف تهتم بأهلها من حولها... فالقضية واحدة، والنجاح في الداخل نجاح في الخارج، والعكس صحيح.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165236

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165236 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010