الاشتباكات المتكررة بين السودان وجنوب السودان، مجرد وجه واحد للمشكلة بين البلدين اللذين كانا بلداً واحداً، وهذا الوجه يفسر كم هي صعبة ومعقدة العلاقات بين الخرطوم وجوبا، وكم من جهد يجب أن يبذل لتطبيع العلاقات بينهما، وإنهاء خلافات تاريخية لم تستطع الحرب حلها طوال أكثر من عقدين، ولا اتفاقيات السلام بين البلدين وفرت مخارج مقبولة لهما. الوجه الآخر والأخطر، هو ما تتعمد جوبا ممارسته رغم معرفتها بما يمثله ذلك من توجه عدائي سافر ليس للخرطوم فحسب، إنما لمصر أيضاً، وهو ذلك المتعلق بالتقرب الدائم من «إسرائيل» وتفضيل مصالحها على مصالح جيرانها العرب واستقدامها إلى قلب القارة الإفريقية لتشكل تهديداً دائماً لكل من السودان ومصر.
إن إقدام جوبا مؤخراً على توقيع اتفاقية مائية مع «تل أبيب»، في إطار توطيد مستمر للعلاقات بينهما، بدأت مع بدايات التمرد في جنوب السودان واستمرت خلاله، ثم تعززت بعد انفصال جنوب السودان قبل نحو عام، لا يقصد منه إلا توجيه رسائل إلى كل من الخرطوم والقاهرة، مفادها أن مياه النيل التي هي شريان حياة لهما باتت في قبضتها، أي أن الأمن المائي للبلدين العربيين صار في خطر، ذلك أن «إسرائيل» التي باتت الآن تدير شؤون مياه جنوب السودان من خلال مشروعات مائية سوف تعتبر وجودها هناك وجوداً إستراتيجياً طالما سعت إليه في إطار سعيها الدؤوب لمحاصرة الدول العربية خلف حدودها، وخصوصاً في القارة الإفريقية التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى «حديقة خلفية» للكيان الصهيوني الذي بات يسرح ويمرح فيها في ظل غياب عربي مطلق يتجاهل أسباب ومدى التمدد «الإسرائيلي» في القارة السمراء.
«إسرائيل» في الواقع أصبحت تقبض على مياه النيل في معظم دول المنبع، وأصبحت قادرة على التحكم بشرايينه الممتدة إلى دولتي المصب (السودان ومصر) من خلال مشروعات سدود وري تقوم بها، مستفيدة من علاقات وثيقة سياسية واقتصادية وإنمائية وأمنية توظفها في تحقيق إستراتيجية حصار الدول العربية، وتمديد رقعة أمنها إلى إفريقيا، وبما يهدد الأمن العربي مباشرة.
هل تدرك مصر والسودان ما تخطط «إسرائيل» لهما؟ وكيف يمكنهما مواجهة الخطر المحدق بهما وهما الغارقتان في مشاكلهما الداخلية؟
[rouge]-[/rouge] [bleu]رأي جريدة «الخليج» الإماراتية.[/bleu]