الاثنين 30 تموز (يوليو) 2012

هل «إسرائيل» جاهزة لمواجهة كارثة؟

الاثنين 30 تموز (يوليو) 2012 par رمزي حكيم

كتب أمير أورن، في صحيفة «هآرتس» (الإسرائيلية) (الخميس 29/7/2012)، ان نتنياهو ووزير الحربية «الإسرائيلي»، إيهود باراك، «مصمّمان» على شن عدوان على إيران. وأضاف: «ما ينقصهما هو السبب المقنع» فقط. وفي هذا القول ما يكفي من إشارات وتلميحات تفسّر ما تناقلته وسائل الإعلام «الإسرائيلية» (الأربعاء 18/7/2012)، على لسان «مصادر مقربة» من رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، في ختام زيارة وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، لـ«إسرائيل»، بأن نتنياهو «يصر» على توجيه مثل هذه الضربة. وواضح ان هناك، في مكتب رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، من بادر الى تسريب مثل هذا الخبر الى وسائل الإعلام. وقد جرى الربط بين هذا التسريب المقصود والزيارة المرتقبة لوزير الدفاع الأميركي لـ«إسرائيل»، الأسبوع المقبل!

وما يفسّر التسريبات لوسائل الإعلام «الإسرائيلية»، في كل ما يتعلق بالموضوع الإيراني، منذ أشهر عديدة، هو محاولة حكومة نتنياهو ـ باراك ـ ليبرمان الحصول على «إجماع قومي»، داخل المجتمع «الإسرائيلي» الصهيوني، تحت شعار «إيران أولاً»، لشن عدوان عسكري على إيران، ما دفع النخبة «الإسرائيلية»، الأمنية والاستخبارية والسياسية والإعلامية، الى فتح نقاش غير مسبوق، حيث جرى تداول إمكانيات الهجوم، وبالتالي إسقاطاته وانعكاساته على «إسرائيل» نفسها، وذلك بشكل علني ومكشوف من خلال وسائل الإعلام، وهي خطوة مستغربة، لم يعتد عليها المجتمع «الإسرائيلي» في السابق. وقد ذهب المحلل السياسي في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم بارنيع، الى التأكيد، في هذا المجال، ان حكومة اليمين «الإسرائيلية» أرادت، بهذه الخطوة، تشكيل رأي عام «إسرائيلي» داخلي داعم لإمكانيات «الضربة العسكرية»، وهو الدرس الذي تعلمته «إسرائيل» من حرب لبنان الأولى، حيث قام وزير الحربية «الإسرائيلي» السابق، ارئيل شارون، في حينه، بالمبادرة والدفع نحو الحرب من دون ان يضمن الإجماع «الإسرائيلي» الداخلي حولها، وبالتالي لا تريد أية حكومة «إسرائيلية» ان تعيد تجربة شارون في أية حرب مقبلة!

وبالمقابل، فإن هذه «التسريبات الإعلامية» كشفت جدلاً كبيرًا في «إسرائيل»، وهو جدل مستمر، ومن نوع آخر، وصل الى رئيس شعبة الاستخبارات السابق، أهرون فركش، الذي كان أشار الى ان «إسرائيل» غير قادرة على مواجهة التهديد الإيراني بقواها الذاتية، وانها في حاجة ماسة الى مساعدة الولايات المتحدة. وأضاف فركش انه إذا وجهت ضربة عسكرية أميركية الى إيران، فعلى «إسرائيل» ان تكون مشاركة ليس أكثر، داعيًا الجانب «الإسرائيلي» الى «القليل من التواضع». وقد ترافق تصريح فركش مع تأكيدات من أوساط أخرى، سياسية وعسكرية، مثل وزير الشؤون الاستخبارية في حكومة نتنياهو، دان مريدور، ورئيس هيئة الأركان السابق، أمنون ليفكين شاحك وغيرهما، تحذر من خطر الإحساس الهائل بالغرور الذي تعرقله حقائق عدم تحقيق الانتصار المقنع في الحروب على غرار حرب الاستنزاف و«حرب أكتوبر» وحربي لبنان الأولى والثانية، ومن خطر اتخاذ قرارات متهورة في ظل قيادات لا تتمتع بالكفاءة المطلوبة. وفي هذا الصدد كتب الصحافي أوري مسغاف ان ««إسرائيل» ليست جاهزة لمواجهة كارثة»!

لكن «إسرائيل» بنيامين نتنياهو هي «إسرائيل» إيهود باراك: «الثنائي الخطر»! لذلك نجد ان موقف «إسرائيل» لم يتغيّر منذ كانون الأول عام (2011). فقد قال وزير الحربية «الإسرائيلي»، إيهود باراك ـ في مقابلة إذاعية مع راديو الجيش (8/11/2011) - ان «إسرائيل» الرسمية ما زالت توصي دول العالم بعدم استبعاد أي خيار في تعاملها مع الملف النووي الإيراني. وقال باراك، في المقابلة ذاتها، ان العالم يقف حالياً أمام فرصة أخيرة لفرض عقوبات قاتلة وصارمة على إيران (انتهى الاقتباس). وبطبيعة الحال فإن عبارة «الفرصة الأخيرة» تعني، لكل مراقب للاستراتيجيات الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية»، إعطاء «إسرائيل» دول العالم «فرصة أخيرة» للتعامل مع الملف النووي الإيراني عن طريق فرض العقوبات قبل إمكانية الخروج الى ضربة عسكرية «إسرائيلية» من المحتمل أن توجهها «إسرائيل» الى إيران.

وفي سياق الاندفاع «الإسرائيلي» المتحمّس، الذي بات لا يخفي تحرير نفسه من أية فرملة، نشير، هنا، الى ما نُشر في «إسرائيل» عن وجود اتفاق في الخفاء بين رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، بنيامين نتنياهو ووزير الحربية، إيهود باراك، بشأن اللجوء إلى ما يسمى بـ«سلاح يوم القيامة» أو إلى «خيار شمشون» («عليّ وعلى أعدائي»)، من خلال استعمال أسلحة الدمار الشامل في الترسانة «الإسرائيلية» اذا استدعت المواجهة مع إيران ذلك!

كثيرة هي النصوص «الإسرائيلية» التي تؤكد، تكرارًا، الفكرة ذاتها. لكن التدريبات والمناورات العسكرية التي يجريها الجيش «الإسرائيلي» تشير بوضوح الى أن توجيه ضربة عسكرية «إسرائيلية» الى ايران يبقى، على أقل تقدير، الاحتمال الأقوى الذي لم تسقطه «إسرائيل» من حساباتها، خاصة أنها لا تعتقد ان العقوبات الدولية من شأنها أن توقف البرنامج النووي الايراني، في حين ان هناك إجماعًا «اسرائيليًا» صهيونيًا على أن امتلاك ايران السلاح النووي هو «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه «اسرائيليًا»، وبالتالي فإن الاختلافات في «إسرائيل» هي على الطريقة والتوقيت والتقديرات المتعلقة بإيران وليس على ضرورة توجيه ضربة عسكرية لها، أو عدم توجيه، في وقت من الأوقات.

وما يشير الى هذا الاتجاه قيام سلاح الجو «الاسرائيلي»، في الأشهر الأخيرة، بتمرينات كبيرة حاكت فيها تنفيذ غارات جوية ضد إيران. وتم خلال هذه التمرينات تشغيل منظومة الدفاع الجوي، منها بطاريات صواريخ «الباتريوت»، و«حيتس»، وجهاز «القبة الحديدية» وذلك للتعامل مع احتمال ان يقوم حلفاء إيران في «الشرق الأوسط»، سوريا و«حزب الله» بالأساس، بقصف العمق «الإسرائيلي» ردًا على هجوم «إسرائيلي» على إيران. كما تدربت قوات سلاح الجو «الإسرائيلي» على الحماية من هجمات إيرانية بصواريخ من طراز «شهاب»، بينما الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» شهدت في الفترة الأخيرة العديد من التمرينات لفحص جاهزية «إسرائيل» ومدى قدرتها (وكيفية تعاطيها) مع احتمال سقوط صواريخ في مدنها بكميات كبيرة، كان آخرها التمرين الذي جرى في مدينة حيفا، يوم الخميس (19/7/2012).

هذا الحراك «الإسرائيلي» الرسمي نحو إيران يجري ضمن وجهة نظر مناقضة، عبّر عنها الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العامة «الإسرائيلية» (الموساد)، مئير داغان، ومفادها أن «الحروب باتت باهظة التكلفة بالنسبة لـ«إسرائيل»، وانها صارت أصعب حسمًا». وفي هذا الكلام مؤشر لعمق الصراع الدائر في «إسرائيل»، وبالتالي الخوض في سؤال: ماذا يعني بالنسبة لـ«إسرائيل» ان المواجهة ـ أية مواجهة قادمة - ستقع في الجبهة الداخلية وليس على الحدود، وهل سيؤدي ذلك الى «انعطافة» في نظرية الأمن القومي «الإسرائيلي» (حرب الخليج وحرب لبنان الثانية شلّتا «إسرائيل» على الرغم من انه لم يطلق باتجاهها صواريخ بكميات كبيرة، كما يتوقع «الإسرائيليون» في الحرب مع إيران، وقد شعر «الإسرائيليون»، في حينه، انه ليس بمقدور الجيش حمايتهم. وماذا يعني بالنسبة لـ«إسرائيل» نجاح إيران في تشكيل قدرة ردعية في مواجهة «إسرائيل»؟ وكيف تتعاطى «إسرائيل» مع المتغيرات والتبدلات المحتملة في سياق أية مواجهة عسكرية مرتقبة بين «إسرائيل» وإيران.

هذه أسئلة قد تحمل الأشهر القليلة القادمة الجواب عنها. لكن، عندما يعتبر الرئيس السابق لجهاز الأمن العام «الشاباك» في «إسرائيل»، يوفيل ديسكن، ان نتنياهو، وباراك، «غير جديرين بقيادة «إسرائيل»» (يديعوت أحرونوت ـ 29/4/2012)، وحين يعتبر الرئيس السابق لجهاز «الموساد»، مئير دغان، ان «الثنائي نتنياهو وباراك خطر على «إسرائيل»»، فإن شيئًا ما قد حدث في «إسرائيل». فالرجلان هما من أكثر الشخصيات العارفة في «إسرائيل» خلفية ما كانا يشغلانه من منصب حسّاس كانت كل القنوات المعلوماتية مفتوحة أمامه، يضاف الى ذلك التحذير الذي أطلقه داغان، في التصريح ذاته، من ما وصفه بـ«مغامرة عسكرية «إسرائيلية» ضد إيران»، مشيرًا الى أنه وغيره من قادة الأجهزة الأمنية والاستخبارية «الإسرائيلية» كانوا يلجمون الثنائي نتياهو وباراك وانه يتخوّف من أن أحدًا، الآن، ليس بمقدوره لجم الرجلين.

وفي هذا التصريح الأخير ـ اللجم ـ قد تكمن الحكاية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2177832

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2177832 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40