الاثنين 30 تموز (يوليو) 2012

ديمقراطية الفوضى الخلاقة

الاثنين 30 تموز (يوليو) 2012 par أمجد عرار

وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس عادت للحديث مجدداً عن المصطلح المحبب إلى قلبها، «الشرق الأوسط»، وهذه المرّة من بوابة دعوة الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها و«مساعداتها» لإنشاء مؤسسات ديمقراطية شاملة في «الشرق الأوسط». ولأنها لا تحمل أية صفة رسمية، فإن رايس أطلقت دعوتها هذه على متن مقال نشرته لها صحيفة «فايننشال تايمز»، وتحدّثت فيه عن دول «الشرق الأوسط» كمن يتعامل مع أطفال قاصرين محتاجين لمن يفعل لهم الآخرون كذا وكذا، وترى أن ما يجب أن تقوم به دول هذا الشرق باعتباره «خيارات أمريكية فورية ولازمة». أما عن الدافع وراء هذه السياسة وهذه الخيارات الفورية، فهو بنظر رايس أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقف جانباً وتترك القوى الإقليمية تضع أجندات خاصة في المنطقة. حسناً، لكن لماذا يجب أن تكون للولايات المتحدة أجندات خاصة على حساب شعوب المنطقة.

عندما يذكر اسم رايس تحضر على الفور صورتها وهي تحظى باستقبال «مميز» في لبنان عندما كانت «إسرائيل» ترتكب المجازر وتدك المنازل والجسور وتسوي حارات كاملة بالأرض. جاءت حينها لتشبّه مشاهد القتل والدمار بأطهر عملية يمكن ان تحدث على وجه الأرض، وهي المخاض. كان تدمير لبنان بنظرها مخاضاً لـ«شرق أوسط جديد».

أية ديمقراطية تريدها رايس لشعوب المنطقة؟. قبل أن تدعو بلدها لإنشاء الديمقراطية ومؤسساتها في هذه الدولة أو تلك، عليها أن تنتبه إلى أن أول أبجديات الديمقراطية أن تتصرّف الولايات المتحدة وفقاً لرغبة الشعوب التي تعرف رايس وسواها من رموز اليمين الأمريكي المتصهين، أن أي استطلاع موضوعي يجرى في أوساط شعوب المنطقة، سيطرح على مسامع الشعب الأمريكي نتائج تخبره بأن الأغلبية الساحقة لهذه الشعوب معادية لسياسات الولايات المتحدة التي لا يجمعها مع الديمقراطية أي رابط حين يتعلّق الأمر بمعادلة فيها «إسرائيل» وأخواتها التي ترفع وتيرة التصعيد والتهويد كل يوم، وتنصب على العالم بإيهامه أن عملية سلام تجري بين منظمة التحرير الفلسطينية و«إسرائيل».

ستكون شعوب المنطقة ممتنة لرايس إن هي قدمت لها جردة حساب بإنجازاتها على صعيد الديمقراطية في المنطقة، وعلى صعيد عملية التسوية. فهي أكثر وزير خارجية امريكي وغير أمريكي زار المنطقة في فترة قياسية، فهي «شرّفتنا» بخمس عشرة زيارة في خمسة عشر شهراً الأخيرة في ولايتها، ولعبت بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» لعبة المكوك، أما النسيج فكان عنكبوتياً، ذلك بأن إدارة تتبنى نظرية «الفوضى الخلاقة» لا يمكنها أن تنشئ ما هو عكس الفوضى.

الديمقراطية التي تقصدها رايس وحكومات بلادها المتعاقبة، هي تلك التي تضمن تمكين «إسرائيل» من انتزاع الاعتراف العربي والدولي بها كـ«دولة يهودية»، ما دامت دول المنطقة تتشكّل على أساس ديني. وهي الديمقراطية التي تضمن تفوّق «إسرائيل» العسكري على كل دول المنطقة مجتمعة، وهي التي تعني حماية «إسرائيل» بالفيتو في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، وتعني أيضاً عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الديمقراطية الفلسطينية.

إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر نفسها ديمقراطية، فهذا شأنها، مع احتفاظ الناس في أمريكا وغيرها بحق الاختلاف مع هذا التشخيص واعتباره مضللاً ويجافي الحقيقة، لكنه ليس من شأن أحد أن يتجاوز حدود الانتقاد، مثلما لا يحق لأي دولة أن تفرض ثوبها الديمقراطي على جسد العالم كله. أمريكا لها ظروفها التي بناء عليها تصوغ مبادئ الديمقراطية، وللآخرين ظروفهم التي ينبغي احترامها أيضاً، حتى لا يصبح العالم رهيناً لقوى تنادي بالديمقراطية وتمارس نقيضها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178074

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178074 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40