الأحد 29 تموز (يوليو) 2012

تجنيد المتدينين الصهاينة

الأحد 29 تموز (يوليو) 2012 par د. فايز رشيد

يشكل تجنيد المتدينين خلافاً كبيراً داخل الكيان الصهيوني، فقسم مع التجنيد والآخر ضده. أيضاً هذا الموضوع هو معرض خلاف داخل الائتلاف الحكومي الحالي، فبعد انسحاب حزب «كاديما» بزعامة شاؤول موفاز من الحكومة بسبب هذه القضية، تراجعت قوة نتنياهو، حيث إن ائتلافه كان يحظى بـ 94 مقعداً في «الكنيست»، وأصبح الآن مدعوماً بـ 66 نائباً فقط. صحيح أن الرقم الأخير هو أغلبية أيضاً، لكن حجم الائتلاف الأكبر في تاريخ «إسرائيل» الذي طالما تفاخر به نتنياهو، ذهب الى غير رجعة. سبب انسحاب «كاديما» هو الاختلاف مع نتنياهو على تجنيد الشباب المتدينين اليهود (الحريديم) في الخدمة العسكرية للجيش، في ما يعرف بقانون «تال». «كاديما» مع التجنيد ونتنياهو بسبب الضغوط عليه يقف ضد ذلك. القانون لا يزال يشكل عائقاً أمام استمرار الحليف الأبرز لائتلاف نتنياهو الحالي: «حزب إسرائيل بيتنا» بزعامة الفاشي ليبرمان في الحكومة. فمعروف أن الأخير هو مع القانون (أي تجنيد المتدينين، وأيضاً تجنيد الشباب العرب في الخدمة المدنية. أهلنا في منطقة 48 رفضوا ذلك بشدة)، لكن رئيس الوزراء ضد هذا القانون ليس بسبب قناعات شخصية وإنما بسبب ضغط الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة التي تدعو إلى عدم التجنيد. إمعاناً في الإغراق بالاستجابة للأحزاب الدينية، قام نتنياهو بحل (لجنة بلاسنر) التي جرى تشكيلها في وقت سابق، وبذلك قطع الطريق على هذا القانون.

من ناحية ثانية: فإنه وبسبب ضغوط الأحزاب المعنية المشاركة في الحكومة التي تقف ضد تجنيد الشباب المنتمين إليها، تزداد الأزمات الاقتصادية - الاجتماعية في «إسرائيل». اثنان حرقا نفسيهما مؤخراً، وعديدون آخرون (14) حاولوا حرق أنفسهم. الظاهرة هذه تحدث للمرة الأولى في الكيان. هذا الرقم هو أيضاً دليل على عمق الأزمة، فمعروف أنه وقبل عام (في مثل هذه الأيام) قامت أكبر تظاهرات في تاريخ «إسرائيل»، احتجاجاً على ارتفاع أسعار البيوت وغلاء استئجارها، وأيضاً احتجاجاً على سوء الأحوال المعيشية وترديها في الدولة الصهيونية. الأسبوع الفائت وفي ذكرى احتجاجات العام الماضي (شارك في أكبرها قبل عام نحو 250 ألف شخص) قامت مظاهرة في «تل أبيب»، وأخرى في حيفا ومظاهرات في بعض المدن أيضاً، وقوام كل منها نحو بضعة آلاف من «الإسرائيليين». موضوع «حرق «الإسرائيليين» لأنفسهم» أثار ولا يزال عاصفة من الانتقادات اللاذعة لنتنياهو شخصياً ولسياساته الاقتصادية المنحازة دوماً للأحزاب الدينية وللأغنياء على حساب الفقراء والطبقة الوسطى.

وفقاً للعديد من المراقبين، فإن الحكومة الحالية غير مؤهلة ولا قادرة على إيجاد الحلول للتحديات الاقتصادية التي تواجه دولة الكيان الصهيوني. أحد أسباب ذلك أن نتنياهو وفي سبيل إنجاح ائتلافه الحكومي الحالي كان مضطراً للاستجابة لاشتراطات الأحزاب الدينية واليمينية، التي ابتزت ولا تزال الحكومة «الإسرائيلية» الحالية، في تقديم المساعدات المالية الكبيرة لمشاريعها ومدارسها الدينية. وفقاً للخبراء الاقتصاديين أيضاً، فإن هذه الأموال جرى اقتطاعها من حسابات أشكال الضمان المختلفة ل «الإسرائيليين»، مما خلق إشكالات كبيرة لهم. الأمر الذي أدى الى تفاقم الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية.

من ناحية أخرى، فإن تجنيد المتدينين في الجيش، يشكل قناعة راسخة لنتنياهو والليكود بسبب أن هؤلاء من أشد المتطرفين الصهاينة ولاء لمقولات مثل: دولة «إسرائيل» الكبرى، وبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبخاصة في الضفة الغربية، فهي في عرفهم كما كل الصهاينة (يهودا والسامرة) وهم الأشد في معاداة الفلسطينيين والعرب، ولذلك فإن تجنيدهم في الجيش سيشكل مزيداً من تحصينه سواء، من حيث تعزيز دوره في الحياة السياسية في «إسرائيل» أو في النهج الاستراتيجي للجيش، تحديداً في تعزيز مبدأ توجيه الضربات الاستباقية لكل أعداء «إسرائيل» من العرب والمسلمين وغيرهم. لكل ذلك فإن تجنيد المتدينين يشكل خطاً وإيماناً استراتيجياً لنتنياهو وحزبه «الليكود» غير أنه من ناحية تكتيكية بحتة كان مضطراً للاستجابة لشروط الأحزاب الدينية ومنها عدم تجنيد شبابهم.

للعلم، وبالرغم من أن التجنيد في الجيش لمدة سنتين (أي ما يعرف بالخدمة المدنية) هو طريق لنيل الكثير من الامتيازات في الدولة الصهيونية، لكن الشباب المتدينين ينالون بانتمائهم للأحزاب الدينية ما يفوق تلك الامتيازات المعنية.

لقد تحدثت إحصاءات «إسرائيلية» كثيرة أجراها «معهد داحف» وكل من جريدتي «هآرتس» و«يديعوت أحرونوت» في أوقات سابقة عن أنه في العام 1920 فإن نسبة اليمين «الإسرائيلي» ستزيد على 65% بين اليهود في «إسرائيل».

الرقم الأخير يعني أشياء كثيرة، لعل أبرزها أن «إسرائيل» ومع مرور السنوات عليها ستغرق في الإيغال نحو اليمينية والفاشية، وأن من يراهن على إمكان قيام سلام مع الدولة الصهيونية هو واهم ليس إلا، فنحن سنعاني المزيد من الصلف والعنجهية والفاشية والعنصرية الصهيونية كلما امتد الزمن بـ«إسرائيل». سنعاني أيضاً المزيد من التنكر الصهيوني للحقوق الوطنية الفلسطينية وللأخرى العربية. سيبرز الى الواجهة أيضاً شعار: دولة «إسرائيل» الكبرى. لن يكون بعيداً اليوم الذي سيجري فيه تجنيد المتدينين الصهاينة



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2165454

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165454 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010