الأحد 29 تموز (يوليو) 2012

العراقيب للمرة الأربعين

الأحد 29 تموز (يوليو) 2012 par أمجد عرار

لم يحدث في التاريخ منذ أول الصراعات البشرية أن هدمت قوة غاشمة متجبّرة مساكن خصومها أربعين مرّة، لكن «إسرائيل» فعلت ذلك إذ هدمت قرية العراقيب في النقب الفلسطيني المحتل عام 48 أربعين مرة خلال سنتين، آخر عمليات الهدم هذه كانت قبل بضعة أيام، علماً أن المرّة الحادية والأربعين ليست سوى مسألة وقت. شيخ القرية البدوية صياح الطوري، شأنه شأن أبناء قريته، قال بثقة وتحدّ إن أهالي القرية يصرّون على البقاء وبناء بيوتهم من جديد مهما تمادى الصهاينة في طغيانهم. وفيما كانت إعادة البناء بدأت فور مغادرة المحتلين، كان عمدة القرية يرسل رسالته للطغاة عبر الصحافيين مقسما بالصمود والتشبث بالأرض حتى الرمق الأخير. ولعل وجود حفيديه محمد وفؤاد بجانبه زاده إصراراً وجعله حريصاً على حقنهما وكل أترابهما بلقاح المنعة والصمود في الأرض، وقال بما يشبه وصية الجد للحفيد «هنا باقون مهما كلّف ذلك من تضحيات». المئات من الفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ النكبة ومن ورث روحهم الوطنية، لم يتركوا أبناء العراقيب وحدهم، وهرعوا مثلما يفعلون كل مرة للمشاركة في إعادة بناء ما يهدمه الاحتلال.

منذ اغتصابها فلسطين، وضعت «إسرائيل» نصب عينيها تهجير من بقي من الفلسطينيين الذين لم ترتجف جفونهم من المجازر، وواصلوا صمودهم الأسطوري رغم كل السياسات والإجراءات والقوانين العنصرية التي حوّلت حياتهم إلى ما يشبه الجحيم. وكان نصيب أبناء النقب من هذه القوانين والسياسات كبيراً، إذ إن الكيان أنشأ في منطقة النقب مفاعل «ديمونا» النووي، وهي أيضاً منطقة تدريبات لجيشه ويريدها خالية من الفلسطينيين الذين يتعامل معهم باعتبارهم «طابوراً خامساً»، رغم أن قوانينه تعتبرهم، نظرياً، مواطنين «إسرائيليين».

ومثل العراقيب التي أدمن المحتلون هدمها تعيش خمس وأربعون قرية في النقب بلا كهرباء ولا ماء، ذلك أن قانون شريعة الغاب «الإسرائيلي» لا يعترف بهذه القرى، مع العلم أن الهدف الحقيقي هو تضييق سبل العيش في سياق سياسة تطهير عرقي ترمي لدفع أكثر من مائة وسبعين ألف فلسطيني يقطنون في هذه القرى، قبل وعد بلفور وقبل مؤتمر بازل الصهيوني، للرحيل عنها . كل ذلك يجري في ظل صمت مطبق من جانب منافقي العالم الذي يصر قادته على تسميته زوراً وبهتاناً «العالم الحر». هدت العراقيب للمرّة الأربعين، وقد تهدم للمرّة الألف ولا تستحق اجتماعاً عربياً أو إسلامياً ولو على مستوى الطباخين. «إسرائيل» قرّرت هدم ثماني قرى قرب مدينة الخليل لكي تقيم مكانها معسكراً لجيشها، وقبل بضع سنوات هدمت عشرات المنازل والمحال التجارية في قرية نزلة عيسى القريبة من طولكرم، لأن جدار النهب العنصري جعلها في جانبه الغربي. أما الهدم في القدس وضواحيها، فهو مستمر على نحو شبه يومي، حيث يعيش أبناء أحياء مقدسية كاملة على هاجس الهدم في أية لحظة. وهذا ينطبق على كل ما بقي فلسطينياً في مدينة القدس التي تتقافز على صفيح ملتهب من التهويد، إذ تشعر «إسرائيل» أنها لو هدمت كل منازل القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، فلن يصدر عن العرب والمسلمين أكثر من بيان «يعرب عن الأسف والقلق». لكن هذا الواقع المؤسف الذي اعتاد عليه الفلسطينيون، لن يدفعهم للاستسلام، لأنهم يدركون أنه لا خيار أمامهم سوى واحد من اثنين، إما عظماء فوق أرضهم أو عظام تحتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165842

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165842 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010