السبت 28 تموز (يوليو) 2012

تحريك ملف الأسلحة الكيماوية ضد سوريا: خلفيات وأهداف

السبت 28 تموز (يوليو) 2012 par د. أمين محمد حطيط

مباشرة بعد نجاح سوريا في احتواء الحلقة الأخطر حتى الآن من الهجوم العدواني الذي تتعرض له منذ 17 شهراً، وهي الحلقة التي أطلق عليها المعتدي اسم «بركان دمشق...زلزال سوريا»، زجت جبهة العدوان ملف الأسلحة الكيماوية في الصراع، واختلقت فرضيات وبنت عليها من اجل متابعة الضغط على سوريا وحلفائها وتهيئة الظروف المناسبة لأميركا لتحقيق أهدافها من العدوان.

وقد روجت هذه الجبهة عامة وأميركا و«إسرائيل» بشكل خاص أموراً اختلقتها من اجل تحضير البيئة تلك، سواء من خلال وضع السيناريوهات وتحديد المخاطر، او من حيث التداعيات ووجوب التدخل، ما يطرح الأسئلة حول احتمال نجاح أميركا في لعب ورقة الأسلحة الكيماوية وصولاً الى تحقيق الغرض المنشود.

أ- قبل الإجابة على هذه الأسئلة لابد من التذكير بان الأسلحة الكيماوية تعني بشكل عام المواد التي تعد وتصنع للفتك العشوائي بالبشر والبيئة، والتي تصيب الإنسان وتحدث الأضرار فيه عن طريق الجهاز التنفسي كالغازات السامة، او التأثير على الجلد كالمواد المتسببة بالحروق او المؤثرة على الجهاز الهضمي او الجهاز العصبي والتي تقود الى الموت او الإعياء والشلل او التخدير وفقدان الوعي بشكل دائم او مؤقت.

وتؤثر الأسلحة الكيماوية في كثير من الأحيان على البيئة ومكوناتها الطبيعية خاصة النباتات والماء.

ولهذا السبب عُدت هذه الأسلحة احد أنواع سلاح الدمار الشامل الثلاثة (النووي، الجرثومي، الكيماوي N.B.C)، السلاح الذي يتعدى بتأثيره الهدف المستعمل ضده في حدوده ومكانه وزمانه ليتراخى التأثير ويمتد لفترات زمنية قد تطول وتقصر وفقاً لنوع المادة المستعملة، وهو بذلك يشكل سلاحاً قد يتسبب بالإبادة الجماعية وهي الجريمة المحرمة دولياً والمعاقب عليها وفقاً لقواعد القانوني الدولي الجزائي. ولهذا نجد ان استعمال هذا السلاح مقيد بقواعد صارمة تفرضها الجيوش على نفسها ذاتياً كما تنص عليها قواعد القانون الدولي الإنساني وقانون الحرب.

وان أهم ما يسجل هنا لجهة الاستعمال هو الامتناع التلقائي لمالك السلاح عن استعماله في أرضه وحصر الاستعمال على ارض الخصم في حدود ضيقة تفرضها حالة الضرورة والتناسب وهما من قواعد قانون الحرب، وكذلك نجد ان للمستعمل أيضاً نوع من خصوصية وقوة تمكنه، من التفلت من الملاحقة فيما لو استعملها ضد عدو او هدف لم يوجب واقعه اللجوء إليها.

ولهذا نرى ان قلة من الدول لجأت الى استعمال الأسلحة الكيماوية في نزاعاتها وحروبها ولم يسجل في منطقة «الشرق الأوسط» إلا لجوء «إسرائيل» الى ذلك التي استعملتها ضد لبنان وغزة، وعراق - صدام حسين الذي استعملها ضد إيران وضد مدينة حلبجة العراقية بعلم ورعاية من الجهات الغربية التي زودته بها وكانت تشجعه على فعله، ولم تحرك تلك الدول ساكناً في البدء داخل مجلس الأمن او خارجه رفضاً لذلك خاصة ضد «إسرائيل».

ب- والآن ورغم ان سوريا أعلنت وبكل وضوح أنها ليست بصدد اللجوء الى الأسلحة الكيماوية في سياق معركتها الدفاعية عن كيانها وسيادتها ووحدة أراضيها المستهدفة من قبل جبهة العدوان عليها، وأنها ملتزمة بالامتناع التلقائي عن ذلك لسببين أولهما رفض مطلق لاستعمال هذا السلاح على الأرض السورية وفقاً لما يفرض المنطق والحرص على الذات، فلا يمكن للمرء ان يجلد نفسه ويؤذيها تحت عنوان الرد على خصم تحرك على أرضه، والثاني وهو لا يقل أهمية عن الأول ويتعلق بالوضع الميداني والقدرات العسكرية السورية الدفاعية، حيث ان سوريا لا زالت هي المسيطرة بشكل عام على إقليمها رغم وجود حالات متناثرة اهتزت فيها تلك السيطرة ولكنها حالات ليست مستعصية على السلاح التقليدي في كل الأحوال وقد أظهرت معركة دمشق الأخيرة التي أعقبت الجريمة الإرهابية الكبرى التي نالت من قادة كبار في خلية الأزمة السورية، أظهرت هذه المعركة المستوى والقدرات العالية للقوات المسلحة السورية التي تمكنت من صد هجوم قام به أكثر من 12 الف مسلح وتطهير أكثر من 9 أحياء دخل الإرهاب إليها، معركة أذهلت الغرب وحملته على تحريك ورقة الأسلحة الكيماوية في وجه سوريا.

ما يطرح السؤال عن الأهداف التي ترمي إليها أميركا من هذا التحريك.

ج- لقد ساقت أميركا ومعها «إسرائيل» في معرض الحديث عن الأسلحة الكيماوية في سوريا عدة مخاوف، تمكنها - وفقاً لتصورها - او تجيز لها ان تبادر للمعالجة بطريق يتخطى العقبات التي تشكلت وواجهت التحرك الأميركي في مجلس الأمن ومن هذه المخاوف:

1) الادعاء بان سوريا سلمت او هي بصدد نقل جزء من مخزون الأسلحة الكيماوية الى «حزب الله»، ما يعني تغييراً في واقع الصراع بين «إسرائيل» والمقاومة الإسلامية، يجيز لـ«إسرائيل» ان تتحرك لمنع اختلال التوازن الردعي.

وهنا لابد من الإشارة الى سخافة هذا الادعاء ووهنه، لأن «إسرائيل» هي المالكة لأكبر مخزون في «الشرق الأوسط» من سلاح الدمار الشامل بفروعه الثلاثة، وهي التي استعملت هذا السلاح سابقاً ضد لبنان، وفي المنطق لا نجد ان لـ«حزب الله» مصلحة او فائدة من المبادرة الى استعمال السلاح هذا ضد من يملك قدرات فائقة في مجاله، كما ان الظروف الموضوعية فضلاً عن العملانية والتجهيزية والواقع والانتشار الديمغرافي في لبنان كلها تقود الى إسقاط هذا الادعاء بدون مناقشة كبيرة.

2) الادعاء بان سوريا ستلجأ الى استعمال الأسلحة الكيماوية في حربها الدفاعية التي تخوضها، وهنا وبالإضافة الى ما ذكرناه عن واقع الامتناع التلقائي لسوريا عن القيام بذلك، وعن عدم الحاجة إليه أصلاً، فإننا نشير الى مسألة أخرى قد تكون حاسمة عند العقلاء، وهي ان الشعب السوري لم ينتفض او يتمرد ضد حكومته بل ان هذا الشعب يعاقب الآن من قبل الإرهاب الأميركي وبالسلاح «الإسرائيلي» والأطلسي وبأموال النفط العربي، يعاقب لأنه لازال متمسك بنظام مقاوم حضن ويحضن المقاومة، وان استمرار النظام السوري ومناعته عائدة بشكل أساسي الى الدعم الشعبي وهو يحظى بأكثرية عالية من تأييد الشعب، ولا يوجد منطقة في سوريا انتفضت او تحركت غالبيتها ضد الحكومة، فكيف يعاقب النظام او يلجأ الى الإضرار بمن والاه ومن يستمر في دعمه.

د- تأسيساً على ما تقدم نرى بأن أميركا حركت ملف الأسلحة الكيماوية في سوريا لتحقيق واحد او أكثر مما يلي من أهداف :

1) تحضير البيئة الدولية لتقبل فكرة استعمال الأسلحة الكيماوية واستعداد النظام لهذا الأمر، ثم تزويد الإرهابيين ببعض من هذه المواد لاستعمالها في منطقة او أكثر في سوريا ثم إتهام النظام بذلك، في سلوك يشيه ما تم سابقاً في مجال المجازر التي كانت تنفذها المجموعات الإرهابية ثم تلصقها أميركا بالحكومة السورية لتتخذ الأمر أداة ضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار يخدم المصلحة الأميركية في العدوان.

2) تحضير البيئة الدولية أمام عمل عسكري خاطف تقوم به «إسرائيل» او غيرها من دول الإقليم لتدمير مخازن الأسلحة الكيماوية - ان وجدت - في سوريا ثم تبرير العدوان على أساس انه عمل استباقي في معرض الدفاع عن المنطقة وتخليصها من خطر هذا السلاح، ولذلك نشهد الآن المواقف في كل من الأردن وتركيا و«إسرائيل» التي تتحدث عن الاستعدادات لمواجهة الخطر المزعوم باستعمال سوريا للأسلحة الكيماوية.

3) الضغط على الأمم المتحدة (مجلس الأمن، او على الجمعية العامة حيث لا فيتو يعرقل قراراً او توصية) من أجل تصعيد اللهجة ضد الحكومة السورية وصولاً إذا أمكن الى إدراج الملف السوري تحت الفصل السابع وهو الهدف الذي تسعى إليه أميركا منذ بدء العدوان لأن الفصل السابع هو الأداة الأميركية ضد أي دولة لا تنصاع لإرادتها. ولأجل ذلك تتحرك السعودية اليوم وبتوجيه أميركي لإعداد مشروع قرار - توصية تصدر من الجمعية العمومية للأمم المتحدة ضد سوريا قد يستند إليها للتوجه الى مجلس الأمن او للقيام بعمل ما من غير قرار من المجلس.

ان اميركا التي عجزت حتى الآن في كل حلقات عدوانها الإرهابي على سوريا، العدوان الذي لم يوفر وسيلة مهما كانت لا أخلاقية وكاذبة إلا واستعملها، ستستمر في عملها الكيدي لأنها لم تيأس كما أنها لا تتقبل حتى الآن فكرة الإخفاق او الهزيمة المدوية في سوريا، وفي المقابل نجد ان الصلابة والوعي في جبهة الدفاع عن سوريا، في داخلها وإقليمياً ودولياً تملك من القدرات ما يعطل هذه الورقة أيضاً كما أجهضت مكائد سابقة، وسدت الطرق والمسالك العدوانية الأميركية الأخرى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2166062

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2166062 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010