السبت 28 تموز (يوليو) 2012

القدس وما تحت الرماد

السبت 28 تموز (يوليو) 2012 par أمجد عرار

ثمة رسائل ودلالات وامتدادات متعدّدة تكمن في الإعلان الذي عرضه التلفزيون «الإسرائيلي» ترويجاً لبناء «الهيكل اليهودي» المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى في حال وصول المخطّطات المتدحرجة إلى خاتمتها المتمثّلة بتدمير المسجد. فهذا الإعلان يأتي بالتزامن والتواصل مع عمليات اقتحام وتدنيس متكرّرة وشبه يومية للمسجد الأقصى تقوم بها جماعات استيطانية ودينية، تدعي السلطات «الإسرائيلية» أنها تحاول منعها، فيما هي توفّر لها الحماية العسكرية والغطاء السياسي. وشهدت الفترة الأخيرة مشاركة مباشرة من جانب ضباط وجنود من جيش الاحتلال وأعضاء «كنيست» في هذه الحملة التدنيسية الممنهجة التي يهدف الصهاينة من تكرارها لتحويلها إلى حالة يومية تأخذ منحى روتينياً لدى الفلسطينيين، مثلما هي لدى العرب والمسلمين، ولكي يتم تتويجها بقرار «إسرائيلي» يقضي بتقسيم الحرم القدسي بين المسلمين واليهود، على غرار ما فعل الاحتلال في المسجد الإبراهيمي في الخليل بعد المجزرة التي نفذها الإرهابي باروخ غولدشتاين في 25 فبراير/ شباط 1994.

هناك رسالة أكثر وضوحاً ينطوي عليها محتوى الإعلان الذي يدعو صراحة لبناء الهيكل المزعوم، ويعبئ الأطفال اليهود بهذا الهدف، حيث يظهر فيه طفلان يبنيان مجسّماً لـ«الهيكل» بالرمل على شاطئ البحر، بالتزامن مع انهماك والد الطفلين بقراءة خبر في الجريدة عن الرئيس المصري محمد مرسي، في أوضح رسالة من «إسرائيل» حتى الآن لمصر والعرب بأنها غير مكترثة بفوز مرسي كمرشّح للإخوان المسلمين بالرئاسة في مصر، وأن هذا المتغيّر السياسي لن يعطّل مخطّط هدم المسجد الأقصى وبناء «الهيكل». وكان التعبير الأوضح عن هذه الرسالة هو إلقاء الجريدة التي تظهر فيها صورة الرئيس المصري، بشكل مهين على الأرض.

عندما تلتقي التعبئة الأيديولوجية التحريضية والاقتحامات اليومية والحفريات المتواصلة ليلاً نهاراً تحت المسجد الأقصى وعموم البلدة القديمة في القدس، وبعد أيام من تصريح «إسرائيلي» يعتبر الحرم القدسي جزءاً لا يتجزأ من «إسرائيل» ويسري عليه قانون البناء «الإسرائيلي»، نكون أمام عمل متراكم تصاعدياً يرمي لإيصال المخطط إلى لحظة تغيّر نوعي تتمثّل بهدم المسجد الأقصى الذي بات معلّقاً في الهواء، وتكفي هزة أرضية خفيفة أو اختراق طائرة لحاجز الصوت لكي ينهار، ويظهر الأمر كما لو أنه حادث طبيعي.

«إسرائيل»، وهي تمارس دورها المحكوم بالأيديولوجيا العنصرية والاستعمارية، لا تتوقّف عن إرسال الرسائل وترفع درجات تصعيدها يوماً بعد يوم، بلغ بها الصلف والعنجهية وانعدام الأخلاق، حد اقتحام المسجد الأقصى أثناء الصلاة واعتقال الإمام فيما كان ساجداً، وتفريق القليل من المصلين والمعتكفين الذين تمكنوا من الوصول للمسجد الأقصى في ظل حصار مشدد يفرضه الاحتلال على مدينة القدس.

وعودة على بدء، وحيث كثرت التعليقات العربية على الإعلان «الإسرائيلي»، فإن التركيز على التصرف العنصري واللا أخلاقي الذي يحتويه بحق الرئيس المصري قد طغى على رسالة بناء «الهيكل»، الواردة في الإعلان وهي جوهره وأساسه.

إن أي محاولة «إسرائيلية» للإساءة لأي من رموزنا العربية، لا تنتقص من قيمة هذه الرموز، بل إن الإساءة من العدو هي شهادة شرف، والعكس أيضاً صحيح، ولذلك لا ينبغي لأحد أن ينام الليل إذا مدحته «إسرائيل»، بل عليه أن يبحث عما فعله بحق نفسه وشعبه وأمته لكي يأتيه المديح من كيان استيطاني عنصري. لكن الأهم من الأشخاص أياً كانت مواقعهم، هو مقدّسات الأمة وثوابتها التي تتعرض لأخطر حملة تهويد وتدمير منذ انطلقت الشرارة الأولى للصراع العربي «الإسرائيلي». القدس باختزالها معركة الحرية لفلسطين تشكّل الاختبار الحقيقي للأمتين العربية والإسلامية. وإذ كان الصهاينة يستغلون غيابها من أجندات النظام الرسمي العربي والإسلامي وشارعه، فإنهم سيكتشفون أنهم لا يرون ما تحت الرماد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165485

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165485 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010