السبت 28 تموز (يوليو) 2012

«هولوكوست» ذاتي

السبت 28 تموز (يوليو) 2012 par خيري منصور

أحرق أربعة من اليهود داخل الدولة العبرية أنفسهم في أقلّ من شهر، وتلك ظاهرة بدأت منذ زمنٍ لكن التعبير عَنْها على نحو مباشر بدأ مؤخراً، لأن رائحة الفَحْم البشَريّ لا تُحجب. وآخر ما نشر في الصحف العبرية عن هذه الظاهرة مقالة بعنوان: «يموتون ونتنياهو منشغل بائتلافه»، لسيما كدمون في صحيفة «يديعوت أحرونوت».

لقد تحدث الإعلام الصهيوني ودوائره في الغرب بإسهاب عن «الهولوكوست»، والمحرقة النازية لليهود، وظلت هذه الأطروحة مَجالَ سجالٍ بين مثقفين أوروبيين ومنهم يهود أيضاً، وبالطبع كان ذلك «الهولوكوست» مَنْسوباً إلى النازية، لكن هذا «الهُولوكوست» الجديد ذاتيّ بامتياز وَيُمارِسُهُ يهود ضد أنفسهم، لأن بعضهم، كما يصف نَفْسَهُ، أصْبَح من يَهود اليهود، بعد أن تشكلت الدولة تحت شعار ديمقراطي واسْتِقطاب شامل ليهود ما يسمى «الدياسبورا»، وإن كان من المثقفين اليهود أنفسهم من يرى عكس ذلك تماماً ومنهم يوري أفنيري الذي لا يَكُفّ عن السخرية من الديمقراطية ذات البعد الواحد واللون الواحد، وكذلك شلومو ساند في كتابه الأخير الذي أثار ردود أفعال عنيفة في الأوساط اليهودية وهو بعنوان: «اختراع الشعب اليهودي».

ظاهرة حَرْق الذات ليست طارئة لكن ما جعلها تصعد إلى السّطح ليس سُحُب الدخان أو ما تبقى من رماد بشري فقط، بل تكرارها على نحو لافت، تماماً كظاهرتي الانتحار والتهرّب من التجنيد الإجباري.

بالطبع سيبدو الأمر في ذُرْوَة التبسيط إذا قال البعض إنّ الريح حملت عدوى حرق الذات من رماد التونسي بوعزيزي، فالأسباب مختلفة، وهذا ما وقع فيه بعض المحللين العرب عندما فسروا التظاهرات في «تل أبيب» على أنها صدى للحراك العربي، فهناك يتظاهرون لتحسين شروط حياتهم وبالتالي لبقائهم، فالمستوطن لا يتظاهر ضد نفسه أو المستوطنة التي يعيش تحت سَقْفها وَيْحملِ السلاح لحمايتها لإدراكه بأنها أرض مَسْروقة.

ما حدث بالفعل منذ ربع قرن على الأقل هو إدراك اليهود الذين صُورَتْ لهم الهجرة إلى أرض الميعاد على أنها العودة إلى الفردوس المفقود للخديعة، إذ سرعان ما اكتشفوا الَوْهم، ونفوذ «الأشكيناز» أو اليهود الغربيّين على كل الفئات الأخرى من اليهود، وخصوصاً «السفارديم» أو (الشرقيين) وأخيراً «الفلاشا».

وما ينشر من نصوص أدبية للتعبير عن هذه الأوضاع يَصْلح وثائِق وجدانية، يمكن من خلالها قراءة المشهد من داخله وعمقه وبالتالي تَخَطي الشّعارات الجاهزة والتسْويق الإعلامي لأُطروحات مَطْعون في صِدْقيتها مَيْدانياً.

بعد اجتياح لبنان العام 1982 ظهرت بثور هذه الظواهر على الجلد، ولم يعد بالإمكان التكتم عليها، فما كتبه المُجَنّدون عن زملائهم العائدين في توابيت، كان بمرتبة أحزان مَوْضعيّة، لكن سرعان ما انتشرت تلك الأوجاع لتشمل الذاكرة التي أصبحت تعج بالأشباح.

هذا «الهولوكوست» المُصغر والجديد تضافرت عوامل عدة على تحوله من حالات فردية متباعدة وتخضع للنسب التقليدية للانتحار، كما يحددها علماء النفس، إلى ظاهرة، فالتكرار هو ما يُشْعر المؤسسة العسكرية في «تل أبيب» بالفزع، لأن هذا التكرار المتصاعد عندما شمل التجنيد الإجباري وفرار الشباب اليهود منه متحملين النتائج، أثار سؤالاً لم يكن مطروحاً من قبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165340

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165340 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010