الثلاثاء 24 تموز (يوليو) 2012

ستون عاماً على ثورة ناصر: بين ثورتين

الثلاثاء 24 تموز (يوليو) 2012 par أمجد عرار

حدّثنا لاجئ يقيم في مخيم الأمعري المتدفئ تحت إبط رام الله، أن جدّه الذي تجاوز عتبة المئة سنة من عمره، كان متيّماً بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وأنه كان ينقطع عن أي شيء إذا تزامن مع خطاب للزعيم، شأنه في ذلك شأن كل الشارع الفلسطيني والعربي الذي كانت تنتابه حالة تشبه حظر التجوّل حين كان يعلن عن خطاب مرتقب للرئيس. وككل مرّة، أخبر الرجل زوجته أنه سيذهب إلى السوق لشراء بطاريات جديدة للراديو، ولم يدع «الختيارة» تكمل ملاحظتها بأن البطاريات ما زالت بشحنة كافية، فقاطعها بالإعراب عن الخشية أن تضعف أثناء الخطاب فتحل المصيبة. لم يكن للزوجة أن تناقش في أمر أكبر من النقاش، وذهب العجوز لشراء البطاريات فعاد يحمل راديو جديداً. لم تستطع «الختيارة» كبت احتجاجها على شراء شيء يضاف إلى ما هو موجود وصالح، فرد العجوز بهدوء: الإنسان قد يموت وهو واقف على ساقيه، ومن الممكن للراديو أن يتعرض للعطل أثناء الخطاب.

هكذا نتذكّر ثورة 23 يوليو وقائدها، إذ تمر ذكراها السنوية الستون هذه الأيام ومصر التي أحبّها الزعيم الخالد وأحبّته، تعيش مخاضاً ثورياً جديداً انطلق في 25 يناير من العام الماضي.

في حضرة 23 يوليو، نجد أن إنجازاتها أكبر من أن تلخّص بمقالة أو بيان أو خطاب، فمازال بعض هذه الإنجازات ماثلاً أمام أنظار أبناء مصر والأمة والعالم، فتلك الثورة أنهت الحكم الملكي وأسّست الجمهورية الأولى، وأمّمت قناة السويس، وحققّت الجلاء بعد أكثر من سبعين عاماً من الاحتلال، وأنشات حركة قومية عربية جعلت محورها النضال لتحرير فلسطين ومواجهة «إسرائيل» والاستعمار وأحلافه.

ثورة يوليو أسست للعدالة الاجتماعية ولتلبية حقوق الطبقات الشعبية، وقضت على الإقطاع وأممت التجارة والصناعة، وخفّفت الفروق الطبقية، وأنصفت العمال والفلاحين، كما شملت إنجازاتها حقول الثقافة والفن والتعليم والبحث العلمي والاقتصاد.

ولا ننسى أن مفاعيل الثورة تجاوزت حدود مصر، حيث ازدهرت في عهدها حركات التحرر العربية وبلغ الوجدان العربي المشترك أوجه. وهي وقفت إلى جانب ثورات التحرر العربية الأصيلة، وحاولت إنجاز تجارب وحدوية يمكن البناء على إيجابياتها وأخذ العبرة من سلبياتها في المعركة القومية.

وضعت الثورة مصر في موقع متقدّم في صناعة السياسة الدولية عندما أسس زعيمها عبدالناصر مع رئيسي يوغوسلافيا والهند، حركة عدم الانحياز التي شكّلت لعقود أحد موازين ضبط الصراع بين القطبين الدوليين المتصارعين.

من اللافت، في هذه المناسبة، أن الرئيس المصري محمد مرسي أحسن قولاً حين ربط بين أهداف ثورتي 23 يوليو و25 يناير، وحين عَد الثانية امتداداً للأولى التي لخّصت أهدافها «رغبة الشعب المصري في تأسيس حياة ديمقراطية سليمة واستقلال القرار الوطني ودعم العدالة الاجتماعية». ولعل في هذا الكلام أبلغ رد على المحاولات المشبوهة الرامية إلى تجويف ثورة يوليو وتصويرها بأسلوب من يلتف للنظر إلى الوجه المظلم من القمر، أو كمن لا يرى سوى النصف الفارغ من الكأس. لقد كانت ثورة مشرقة بكل ملامح الإشراق، ولا يخفّف من إشراقها تعثّر هنا أو إخفاق هناك، وقدّمت للبشرية قائداً يفاخر كل المصريين بشجاعته ونظافة يده وحسن مقاصده عندما كان يخطئ أو يصيب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2177955

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2177955 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40