السبت 14 تموز (يوليو) 2012

«إسرائيل» ومشروع «دولة غزة»

السبت 14 تموز (يوليو) 2012 par مأمون الحسيني

لم تكن المبالغة في الاحتفالات التي شهدها قطاع غزة، إثر إعلان فوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية التي حلمت بها جماعة «الإخوان المسلمين» منذ أكثر من ثمانية عقود، سوى الوجه الآخر لأمنيات وتطلعات فلسطينية ثلاثية الأبعاد: رغبة أبناء القطاع في رفع الحصار الخانق المفروض عليهم منذ نحو سبع سنوات، وفتح معبر رفح، وهو أمر ممكن الحدوث في المستقبل القريب، وارتفاع منسوب الوهم المقيم لدى «أصحاب الجمل الثورية» الجدد عن إمكان تصحيح مسار التاريخ، بضربة واحدة، وكنس نتائجه المتراكمة منذ نحو أربعين عاماً، وهزيمة برنامج التطبيع مع العدو الصهيوني وما إلى ذلك من أحلام وردية لها علاقة بواقع «فقر الحال» السياسي الذي يعانيه هذا البعض؛ واقتناص الفرصة، من قبل بعض آخر، لاستبدال عملية المصالحة الفلسطينية التي وضعت في الثلاجة والشروع في مشروع آخر يسمى «الحل الإقليمي للقضية الفلسطينية».

ومع أن ثمة إجماعاً على اعتبار المرحلة المقبلة بمنزلة «فترة انتقالية» ستكون متخمة بالتحديات، سواء على الصعيد المصري الداخلي المحشور ما بين مطرقة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتفاقمة، وسندان صراع الصلاحيات الدستورية وشكل وطبيعة النظام السياسي والدولة، تحت وابل من القصف السياسي والإعلامي والأيديولوجي، أو على صعيد العلاقات الإقليمية والدولية، وموقع مصر في الخريطة السياسية التي ترتسم في منطقة «الشرق الأوسط»، وهو ما يمنح أوراقاً إضافية للرأي القائل إن «الإخوان» في مصر الذين أكدوا على لسان الرئيس مرسي مراراً وتكراراً، الالتزام بالمعاهدات الدولية، سيتَبعون نموذجاً مشابهاً لحركة «النهضة» في تونس، أي التركيز على الشؤون الداخلية المصرية والابتعاد عن المغامرات الخارجية، لا سيما مع حاجة مرسي وحكومته إلى التعاون مع الأمريكيين والأوروبيين في معالجة الاقتصاد المصري واستقطاب الاستثمارات، إلا أن السجال المرجح أن ترتفع حدّة وتيرته في الفترة القريبة المقبلة، مازال يدور على مسألة فتح معبر رفح ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، التي كان الرئيس مرسي قد أعلن، خلال حملته الانتخابية، بأنها ستكون من أبرز وأول القضايا والقرارات التي ستتخذها مصر في عهدها الجديد.

الجوهري في هذا السجال الذي تفرضه الهستيريا السياسية والإعلامية «الإسرائيلية» التي تعمل على تصوير شبه جزيرة سيناء أنها بؤرة صراع أمني شديد قابلة للانفجار، وتستدعي نشر المزيد من الأسلحة والقوات، وإعادة استحضار الكلام المرسل عن «الخريف الإسلامي» و«الكابوس» و«اهتزاز الاستقرار الإقليمي»، لا بل ورسم السيناريوهات المتعلقة بـ«الحرب المقبلة» بين الجانبين، من نمط الدراسة التي نشرها الباحث والخبير «الإسرائيلي» في كلية القيادة والأركان التابعة لوزارة الحرب «الإسرائيلية» إيهود عيلام في العدد الأخير من دورية «إسرائيل ديفنس». هذا الجوهري لا يتعلق فقط بقدرة القيادة المصرية الجديدة على إجراء فصل سياسي وميداني ما بين قضيتي رفع الحصار عن غزة، و«المقايضة» التي تثيرها بعض الأوساط عن إمكانية تغاضي الولايات المتحدة و«إسرائيل» واللجنة الرباعية عن التسهيلات المصرية لقطاع غزة، في مقابل أن تكون «اتفاقية كامب ديفيد» في حصانة من أي تغيير في المستقبل، وإنما يتصل كذلك بالقدرة على التصدي لمساعي «تل أبيب» الهادفة إلى تحويل مسألة رفع الحصار عن غزة، التي أعلن مصدر «إسرائيلي» أنها لا تثير قلق حكومته، إلى بوابة لترجمة المحاولات المستميتة لربط قطاع غزة، جغرافياً وديموغرافياً واقتصادياً وسياسياً، بمصر ونظامها الجديد الذي سيكون بحاجة إلى مساعدة أمريكية مشروطة برزمة من المطالب «الإسرائيلية»، وبخاصة تلك القضايا المتعلقة بتسرب الأسلحة والعتاد إلى غزة، والأمن في سيناء.

وللتذكير، فإن ملف توطين اللاجئين الفلسطينيين في غزة وسيناء وضع في العام 1951، أي خلال فترة حكم الملك فاروق، وأعاد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق مناحيم بيغن أحياءه وعرضه على الرئيس السادات، بذريعة أن سيناء أرض فلسطينية قام العثمانيون عام 1906 بسلخها عن فلسطين. وحسب الأستاذ محمد حسنين هيكل، فإن السادات وافق مبدئياً على هذا الطرح وارتضى مد حدود غزة إلى العريش لإقامة كيان فلسطيني يمتد نحو 70 كيلومتراً داخل سيناء، وحاول إقناع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بقبول هذا المخطط، غير أن الأخير، وبضغط من القيادة الفلسطينية حينذاك، رفض الفكرة جملة وتفصيلاً.

واليوم، وتحت وطأة المتغيرات العاصفة في المنطقة، واستناداً إلى استعداد الرئيس مرسي فتح الحدود مع قطاع غزة بهدف فك الحصار المفروض على الفلسطينيين، وربطاً بعملية الانسحاب «الإسرائيلي» الأحادي الجانب وفك الارتباط مع غزة التي نفذها رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق أرييل شارون، والتي يستند جوهرها إلى تصدير وإلحاق غزة بمصر، وإلحاق المناطق ذات الكثافة السكانية من الضفة الغربية بالأردن، وتالياً، تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية عربية - عربية لا علاقة لـ«إسرائيل» بها، يعود مشروع «دولة غزة» إلى تصدّر جدول أعمال الأجندة «الإسرائيلية» التي يقدّر اللواء الدكتور كامل أبو عيسى مدير «المركز الاستراتيجي للسياسات الفلسطينية» أنها تتضمن التخطيط لشن حرب خاطفة بهدف تدمير القدرات الدفاعية والهجومية للجيش المصري، وإعادة احتلال أجزاء واسعة من سيناء، إضافة إلى تهجير مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى شمال سيناء بهدف فرض المخطط «الإسرائيلي» على الأرض.

غير أن مشروعية تسليط الضوء على هذا التوجه «الإسرائيلي» الساعي إلى تصفية القضية الفلسطينية، لا تستند إلى بعض المعطيات والتقديرات التي سبق تناولها فقط، وإنما يؤكدها، وبلسان فصيح، الجنرال غيورا إيلاند المستشار السابق للأمن القومي في «إسرائيل»، الذي سبق أن قام بعرض مخطط «دولة غزة» على إدارة البيت الأبيض التي طالبت بالتريث حتى يتم إنضاج الظروف الملائمة إقليمياً. ففي مقال نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية يوم 27-6 الماضي، اعتبر إيلاند أنه «يجب أن تقوم السياسة «الإسرائيلية» على إدراك أن غزة دولة بالفعل من جميع الجوانب، إذ إن لها حدوداً جغرافية واضحة، وفيها سلطة مستقرة انتخبت بطريقة ديمقراطية، ولها سياسة خارجية مستقلة». وهو ما يفرض، حسب إيلاند، استناد هذه السياسة، في شأن غزة، إلى خمسة مبادئ هي:

- أن تعترف «إسرائيل» فعلياً بأن غزة دولة كاملة.

- أن غزة غير خاضعة للاحتلال، والحدود بين غزة ومصر (محور فيلادلفيا) مفتوحة تماماً.

- تتحمل دولة غزة المسؤولية عن كل نشاط معادٍ يخرج منها موجهاً ضد «إسرائيل».

- ستزيد «إسرائيل»، ما بقي الهدوء مُحافظاً عليه، مقدار الحركة في المعابر، وتوافق بصورة معتدلة على تنقل الناس بين غزة والضفة، وسيفضي كل إطلاق نار على «إسرائيل» إلى وقف فوري للتزويد بالمعدات والوقود والكهرباء وما أشبه.

- في كل حالة إطلاق نار من غزة سترد «إسرائيل» على دولة غزة، وسيشمل ذلك تدمير أهداف للسلطة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 54 / 2166082

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2166082 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010