الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012

«حزب الله» في زمن الفتنة

الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012 par د. حبيب فيَّاض

لا يحتاج الأمر الى تنظير للاستدلال على ان المقاومة مستهدفة الى حد يجعلها دوماً بنداً أول على جدول أعمال خصومها. ثمة أكثر من حراك مضطرب في المنطقة يتقاطع عند النيل من المقاومة والموقف من القضية الفلسطينية: ارتفاع منسوب التوتر في لبنان، استعار الأزمة في سوريا، شدة الحصار على إيران. كل ذلك يؤشر في العمق، ومهما تعددت العناوين الظاهرة، الى أن خصوم المقاومة يخوضون ضدها، هي وحلفاءها، حرباً ضارية بعيداً عن الأدوات التقليدية في المواجهة.

انتقلت المقاومة في مواجهة العدو «الإسرائيلي» من «القدرة الدفاعية» الى القدرة على «التوازن الاستراتيجي» معه. فالمقاومة، في أي حرب مقبلة مع «إسرائيل»، قادرة على الارتقاء بالمواجهة من موقع صد العدوان الى التوازن العسكري. هذا على الأقل ما يفهم من كلام الأمين العام لـ«حزب الله» الذي أكد، في أكثر من مرة ،ان مقابل كل مبنى يُدمر في الضاحية الجنوبية ستدمر مبان في «تل ابيب». لا ريب ان المعادلة هذه باتت، في حسابات «الإسرائيليين»، امراً واقعاً يجعلهم اقرب الى انسداد الأفق في التعامل عسكرياً مع المقاومة وحزبها. الواقع هذا خلق حافزاً جدياً لدى «إسرائيل» وحلفائها للدفع باتجاه الفتنة بديلاً من المواجهه التقليدية. الأمر يعني، ببساطة وبعيداً عن تعقيدات التحليل، ان هناك محاولة لاستدراج المقاومة الى معركة تخرج فيها من مكامن قوتها الى اماكن ضعفها.

ما تقدم لا يعني بالضرورة ان الفتنة صناعة «إسرائيلية» بالكامل، كما لا يعني ان الفتنة صارت قدراً محتوماً او تحصيلاً حاصلا. غير ان مسار الاحداث يخدم مساعي وتطلعات الساعين اليها ويجعل موقف الهاربين منها اكثر صعوبة: اغتيال الرئيس الحريري العام 2005، اتهام «حزب الله» بعد ذلك بالوقوف وراء الاغتيال من قبل المحكمة الدولية، أحداث «7 أيار»، الاشتباكات المتكررة في الشمال... ذلك بالتوازي مع حملة متواصلة من التحريض الاعلامي والسياسي. كل هذا المسار كان ينقصه مثل الظاهرة «الأسيرية» لتتجاوز الخطوط الحمراء في التحريض مذهبياً ولتكون الشرارة التي تشعل فتيل الفتنة. هذا من دون إغفال المشهد بخلفيته الإقليمية حيث شكل اصطفاف المحور التركي ـ الخليجي مقابل إيران وسوريا والعراق بالإضافة الى «حزب الله» زخماً إضافياً في توفير غطاء إقليمي للانقسام المذهبي اللبناني، كما شكل خروج «حماس» من سوريا واقترابها من هذا المحور، عاملاً مساعداً في تظهير الانقسام الإقليمي على خلفية مذهبية.

ولعل خطورة ما يحصل تكمن في محورة الانقسام اللبناني على خلفية المقاومة وسلاحها. وبالتالي فإن العمل على رفع شعار السلاح للجميع او لا سلاح مع أحد يُراد به جعل الاستقرار في لبنان متوقفاً على سلاح المقاومة. مقابل ذلك، يعتمد «حزب الله» في التعامل مع الفتنة على سياسة الابتعاد عنها وليس مواجهتها. كما يمارس ضبط النفس و«التطنيش» والتحمل والصمت ازاء اي خطاب تصعيدي. الاستراتيجية هذه قد تجدي مرحلياً لكنها قد لا تنفع مع إصرار بعض أصحاب الشأن من الفريق الآخر على الذهاب بالمسار الفتنوي الى النهاية. خاصة في ظل ما يتصوره خصوم الحزب من ان الفتنة خاصرته الرخوة وأن إحجامه عنها يوازي انخراطه فيها. ذلك ما دام حراكهم يفضي، وفق حساباتهم، الى إحدى نتيجتين: إما إحراج الحزب أو إخراجه.

في هذا الخضم، قد يتعين على «حزب الله» اتباع سياسات أخرى في مواجهة مشروع الفتنة، سياسات تقوم على ردع الحاملين للوائها من دون الانخراط فيها، وعلى لجم أدواتها منعاً للوصول اليها. قال السيد نصر الله في احتفال الوعد الأجمل في أيار الماضي «نحن صامتون ليس لضعف منا، بل حرصاً منا على البلد... في السابع من أيار فقأنا عين الفتنة وحفظنا المقاومة وقدمنا الشهداء من أجل ان نقطع الطريق على الفتنة..».

فهل يبقى الحزب صامتاً أم يضطر الى قطع الطريق على الفتنة مرة أخرى؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010