الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012

إدارة أوباما وانتهاك القانون الدولي

الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012

لا تزال إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تواجه حملة انتقادات وضغوط متعاظمة لحملها على الالتزام بالقانون الدولي، ووقف عمليات «القتل المحدد الأهداف» التي تشنها باستخدام طائرات بلا طيار في إطار ما يعرف باسم «الحرب على الإرهاب». وهذه العمليات العسكرية تتركز أساساً في منطقة الحدود بين أفغانستان وباكستان، ولكنها تشمل أيضاً بلدان أخرى مثل اليمن والصومال. ومع أن هذه العمليات تستهدف «إرهابيين»، إلا أنها تسفر عن مقتل العديد من المدنيين.

في أواخر يونيو/حزيران، تقدم الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية وصحيفة «نيويورك تايمز» بدعوى أمام القضاء طلبا فيها الحصول على وثائق تتعلق بغارات هذه الطائرات. وهما يريدان معرفة الأساس القانوني الذي تستند إليه واشنطن لشن هذه الغارات.

وقال رئيس الاتحاد جميل جعفر إن «من حق الجمهور معرفة السلطة القانونية التي تستند إليها الإدارة».

وردت الإدارة الأمريكية بتأكيد رفضها الكشف عن هذه الوثائق، وتصميمها على الاحتفاظ بسريتها وتصنيفها. وقال مسؤول في البيت الأبيض «إن مجرد الحديث عن عدد الوثائق ومضمونها سيكشف معلومات يمكن أن تضر بمكافحة الحكومة للإرهاب».

وقدم محامو الحكومة الأمريكية إلى المحكمة المعنية في نيويورك نقضاً طلبوا فيه من القضاء رفض الدعوى، وعدم اجبار واشنطن على كشف الجوانب السرية لهجمات الطائرات بلا طيار.

إضافة إلى الضغوط الداخلية، تواجه واشنطن تحركات دولية. وهكذا دعا مقرر الأمم المتحدة الخاص لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بين ايمرسون الولايات المتحدة إلى أن تثبت أن الهجمات التي تنفذها الطائرات بلا طيار قانونية، محذراً من أن الأمم المتحدة قد تضطر إلى التحقيق في هذه الهجمات إذا لم تقم واشنطن بأي تحرك.

وقال ايمرسون إنه إذا لم تضع الولايات المتحدة آليات للتحقيق في هجمات بطائرات بلا طيار «فستكون التوصية هي أن تفعل الأمم المتحدة ذلك»، وأضاف: «سيتم التحقيق في كل هجوم، يجب أن تعطي جهة ما الضحايا حقهم». وأعرب ايمرسون عن قلق المجتمع الدولي بشأن اللجوء إلى القتل المحدد الأهداف.

وأشار ايمرسون إلى أن 42 دولة على الأقل تستخدم الآن تكنولوجيا الطائرات بلا طيار، وقال إن «هذا يعد دليلاً واضحاً على ضرورة ضمان وجود الأدوات القانونية الدولية لمنع أية انتهاكات في المستقبل».

والقانون الدولي يحظر عمليات القتل المحدد الأهداف في النزاعات المسلحة، ومن حيث المبدأ، يمكن فقط اللجوء إليها بشرط وجود دليل قوي على تهديد جدي ووشيك في وضع نزاع، وحيث لا يتوافر أي حل آخر.

وفي نهاية يونيو/حزيران، أصدر المقرر الخاص للأمم المتحدة لشؤون القتل خارج إطار القضاء كريستوف هاينس تقريراً استنكر فيه إفلات الولايات المتحدة من العقاب بسبب أعمال القتل التي ترتكبها باستخدام الطائرات بلا طيار، وقال إن «الكشف عن أعمال القتل هذه ضروري من أجل ضمان المحاسبة، والعدالة، وتقديم التعويض للضحايا أو عائلاتهم».

وجاء في تقرير هاينس أنه «يجب على الحكومة الأمريكية أن توضح الاجراءات المتبعة للتأكد من أن القتل المحدد الأهداف يبقى في إطار القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان، والإجراءات أو الاستراتيجيات المتبعة لمنع وقوع خسائر بشرية، وكذلك التدابير المتبعة لإجراء تحقيقات سريعة، وشاملة، ومستقلة في الانتهاكات المزعومة».

واستشهد هاينس بأرقام نشرتها اللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان (وهي منظمة مستقلة) وأفادت أن آلاف الأشخاص قتلوا في 300 غارة شنتها طائرات بلا طيار في باكستان وحدها منذ العام 2004. وتظهر أرقام اللجنة، وكذلك تقارير مكتب صحافة التحقيقات (منظمة صحافية بريطانية مستقلة) ومؤسسة أمريكا الجديدة (مركز أبحاث مستقل)، أن نحو 20% من أولئك القتلى كانوا مدنيين.

وقال هاينس في تقريره إن القانون الدولي لحقوق الإنسان يلزم الدول بأن تبذل كل جهد من أجل اعتقال المشتبه بهم بما ينسجم مع «مبادئ الضرورة والتناسب في استخدام القوة»، مضيفاً أن الولايات المتحدة أخفقت في الاستجابة لدواعي قلق سلفه فيليب آلستون.

وقال: «المقرر الخاص يطلب مرة أخرى من الحكومة (الأمريكية) أن توضح القواعد التي تعتبر أنها تحكم القتل المحدد الأهداف .. ويكرر توصية سلفه بأن تحدد الحكومة أسس قراراتها لقتل وليس أسر «أهداف بشرية»، وتوضح ما إذا كانت الدولة التي تجري أعمال القتل في أراضيها قد اعطت موافقتها».

وعلقت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي بالقول إنه «ليس واضحاً ما إذا كان جميع الأشخاص الذين استهدفوا (بضربات الطائرات بلا طيار) مقاتلين أو شركاء مباشرين في أعمال قتالية».

يشار إلى أن إدارة أوباما حددت سلطتها لقتل أشخاص يشتبه بأنهم إرهابيون بصورة فضفاضة تتجاوز ما يسمح به القانون الدولي. وقد صرح مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان حديثاً بأن الولايات المتحدة لها الحق في قتل جميع أعضاء «القاعدة»، وطالبان، و«القوات الشريكة»، بمعزل عما إذا كانوا قد شاركوا فعلياً في عمليات عدائية ضد الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن المسؤولين الأمريكيين يدرسون ما إذا كان جميع الذكور في عمر الخدمة العسكرية الذين يتواجدون في منطقة مستهدفة بضربة جوية هم «مقاتلون»، ويجوز بالتالي استهدافهم بالقتل.

[bleu]بين الماضي والحاضر[/bleu]

من بين أبرز الشخصيات الأمريكية التي انتقدت القتل المحدد الأهداف الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي كتب مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «سجل قاس وشاذ» قال فيه:

الولايات المتحدة أخذت تتخلى عن دورها كنصير عالمي لحقوق الإنسان. والتقارير التي كشفت أن مسؤولين كباراً يحددون أشخاصاً لاغتيالهم في الخارج، وبينهم مواطنون أمريكيون، ليست سوى أحدث أدلة مقلقة على المدى الذي بلغته دولتنا في انتهاك حقوق الإنسان. وهذا الاتجاه بدأ عقب الهجمات الإرهابية يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، وقد حظي بقبول الحزبين وتأييد السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومن دون اعتراض من الرأي العام، ونتيجة لذلك، لم يعد بلدنا مؤهلاً أخلاقياً للتعبير عن رأيه في هذه المسائل الخطرة الشأن.

وبلدنا ارتكب أخطاء في الماضي، إلا أن انتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع خلال العقد الأخير كان تغيراً دراماتيكياً عن الماضي. وفي العام 1948، اضطلعت الولايات المتحدة بدور قيادي في تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره «أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم». وقد كان ذلك التزاماً واضحاً وجريئاً بأن القوة لن تستخدم بعد الآن كغطاء لقمع أو إيذاء الناس. والإعلان أرسى حقوقاً متساوية للناس في الحياة، والحرية، والأمن الشخصي، كما أرسى حماية قانونية من التعذيب، والاعتقال التعسفي، والنفي القسري.

وقد اعتمد نشطاء حقوق الإنسان، والمجتمع الدولي عموماً، على هذا الإعلان من أجل إحلال ديمقراطيات محل الديكتاتوريات في العالم، وإعلاء حكم القانون في الشؤون الداخلية والدولية. وأنه لأمر مقلق أن سياسات حكومتنا لمكافحة الإرهاب لا تعزز هذه المبادئ، بل هي تنتهك الآن عشرة على الأقل من البنود الثلاثين للإعلان، بما فيها حظر «المعاملة أو المعاقبة القاسية، وغير الإنسانية، والمهينة».

وقد تم حديثاً إقرار تشريع يمنح الرئيس حقاً قانونياً لاعتقال أشخاص إلى أجل غير مسمى بناء على شبهة الانتماء إلى منظمات إرهابية أو «قوى شريكة»، وهذه سلطة عريضة ومبهمة يمكن إساءة استغلالها من دون رقابة المحاكم أو الكونغرس (علماً بأن تنفيذ هذا القانون معلق حالياً بقرار من قاض اتحادي). وهذا القانون ينتهك الحق في حرية التعبير، وحق افتراض البراءة إلى أن يثبت الجرم، وهما حقان منصوص عليهما في الإعلان.

ونتيجة لقرار اعتباطي يعتبر أن أي رجل تقتله الطائرات بلا طيار هو عدو إرهابي، فإن مقتل نساء وأطفال أبرياء في الجوار مقبول كأمر يتعذر اجتنابه. وبعد أكثر من 30 ضربة جوية دمرت خلالها منازل مدنيين هذا العام في افغانستان، طلب الرئيس حامد قرضاي وقف مثل هذه الهجمات، ولكن هذه الممارسة مستمرة في مناطق من باكستان والصومال واليمن ليست ضمن أية منطقة حرب. ونحن لا نعرف كم من مئات المدنيين الأبرياء قتلوا في هذه الغارات التي تصادق على كل منها السلطات العليا في واشنطن. وهذا أمر ما كان يمكن تصوره في زمن مضى.

ومن الواضح أن هذه السياسات تؤثر في السياسة الخارجية الأمريكية، ويؤكد مسؤولون عسكريون واستخباراتيون كبار، وكذلك المدافعون عن حقوق الإنسان في المناطق المستهدفة، أن هذا التصعيد الكبير في هجمات الطائرات بلا طيار قد جعل عائلات منكوبة تتحول إلى تأييد منظمات إرهابية، وأثار عداء سكان مدنيين ضدنا، واتاح لحكومات قمعية أن تتذرع بمثل هذه الأعمال لكي تبرر ممارساتها الاستبدادية.

وفي وقت تكتسح ثورات شعبية العالم اليوم، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم، لا أن تضعف، قواعد القانون الأساسية ومبادئ العدالة التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وبصفتنا مواطنين معنيين، يجب علينا أن نقنع واشنطن بأن تعكس مسارها وتستعيد قيادتها الأخلاقية وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان الدولية التي تبنيناها رسمياً، وتعلقنا بها على مدى السنين.

[bleu]معارضة عالمية[/bleu]

في موقع «صالون»، عرض الحقوقي والكاتب الأمريكي الليبرالي غلين غرينوالد نتائج استطلاع عالمي للرأي العام بشأن عمليات الطائرات بلا طيار الأمريكية.

ورأى الكاتب أن عمليات هذه الطائرات، وكذلك الأشكال الأخرى للتدخلات العسكرية الأمريكية في العالم الإسلامي، يمكن أن تزعزع الاستقرار السياسي في هذه المنطقة من جهة، وتزيد احتمال وقوع هجوم إرهابي آخر داخل أراضي أمريكا من الجهة الأخرى.

والاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، وقد وجد أنه «في البلدان الإسلامية، لا تزال الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب تلقى معارضة شعبية على نطاق واسع». وخارج العالم الإسلامي، «توجد في جميع البلدان تقريباً معارضة واسعة لعنصر أساسي في سياسة إدارة أوباما لمكافحة الإرهاب، وهو استخدام الطائرات بلا طيار».

وفي 17 من أصل 20 بلداً شملها الاستطلاع، «عارض أكثر من نصف الذين استطلعت آراؤهم هجمات الطائرات بلا طيار الأمريكية». وكما هي الحال عادة في مثل هذه الاستطلاعات، فإن «الأمريكيين هم الناشزون في هذه المسألة، حيث يؤيد 62% منهم حملة الطائرات بلا طيار». ولكن في كل بلد شمله الاستطلاع - باستثناء الهند التي تؤيد تلقائياً أية هجمات على باكستان - تبين أن نسبة الذين يعارضون ضربات الطائرات بلا طيار تزيد عن نسبة المؤيدين، وذلك بفارق كبير في معظم الحالات.

وفي الواقع، وجد الاستطلاع أن سياسة استخدام الطائرات بلا طيار «تلقى معارضة شعبية في معظم البلدان الإسلامية، وكذلك في أوروبا ومناطق أخرى». وهكذا، فإن ثلاثة على الأقل من بين كل اربعة أشخاص يعارضون هذه السياسة: 90% في اليونان، و89% في مصر، و85% في الأردن، و81% في تركيا، و76% في إسبانيا والبرازيل، و75% في اليابان.

[bleu]تجسس في الداخل[/bleu]

استخدام الطائرات بلا طيار لم يعد يقتصر على بلدان أجنبية، بل بات يشمل الولايات المتحدة ذاتها، لأغراض المراقبة والتجسس. وفي يناير/ كانون الثاني، أقر الكونغرس الأمريكي قانوناً يخول إدارة الطيران الاتحادية سلطة استخدام آلاف من الطائرات بلا طيار، في مهمات تتركز أساساً على التجسس، ووقع أوباما القانون في 14 فبراير/ شباط. ومنذ ذلك الحين، تحلق مئات من هذه الطائرات في أجواء الولايات المتحدة.

وبطبيعة الحال، أثار ذلك الكثير من الانتقادات والاحتجاجات، خصوصاً بسبب انتهاك الحياة الخاصة للأمريكيين، ومن بين المنتقدين السيناتور الجمهوري رون بول الذي خاض في الأشهر الماضية محاولة غير ناجحة للفوز بترشيح حزبه للرئاسة والذي كتب مقالاً حول الموضوع في موقع شبكة «سي .إن .إن» قال فيه.

عندما يتولى كل مسؤول حكومي منصبه، يتعين عليه إن يؤدي قسماً بأن يحترم الدستور ويتقيد به. وللأسف، إدارة أوباما لا تحترم الدستور ولا تتقيد به، بل إنها تنتهكه بصورة متواصلة.

وأحدث انتهاك للإدارة يتعلق باستخدام الطائرات بلا طيار داخل البلد. ويفترض أن هذه الطائرات الصغيرة تستخدم كأداة لمكافحة الجريمة. ولكن هل المراقبة الدائمة وغير المبررة هي الحل؟

لقد أصدر وزير سلاح الجو في إدارة الرئيس أوباما مذكرة قال فيها إن الغاية من استخدام هذه الطائرات هي «الحصول على معلومات استخباراتية .. وحماية الحقوق الفردية التي يضمنها دستور الولايات المتحدة».

غير أن تحليق طائرات فوق منازلنا، ومزارعنا، ومنشآت أعمالنا، والتجسس علينا بينما نحن نتدبر حياتنا اليومية، ليس مثالاً على حماية حقوقنا، بل هو مثال على انتهاكها.

ومن الواضح أن استخدام الطائرات بلا طيار للتجسس على الأمريكيين ينتهك التعديل الرابع (في الدستور الأمريكي)، ويحد من حقنا في الخصوصية الشخصية وأنا لا أريد أن تحوم طائرة بلا طيار فوق منزلي، وتلتقط صوراً لي.

ويجب ألا نعامل كمجرمين أو إرهابيين بينما نحن نعيش حياتنا اليومية. ويجب ألا تنتهك حقوقنا باستخدام أساليب غير مبررة لدولة بوليسية.

إن السماح باستخدام طائرات بلا طيار كجواسيس لحساب حكومتنا هو انتهاك تام لحقنا الأساسي في الخصوصية الشخصية - علماً بأن التعديل الرابع ينص على على إنه «لا يجوز لأية ولاية أن تضع أو تطبق أي قانون ينتقص من امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتحدة».

[marron]-[/marron] [bleu]المصدر: جريدة «الخليج» الإماراتية | إعداد: صباح كنعان.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2166038

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166038 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010