الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012

قبل أن يغتال الثلاثي «عبّاس، دحلان، رشيد» القضية..!

الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012 par أسامة أبو ارشيد

لا ينبغي أن يكون خبر احتمال اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، بمادة البولونيوم، الذي فجرته قناة «الجزيرة» في تقريرها الاستقصائي، هو القضية الأساس للمسألة، فالكل يعرف، سواء من حيث الحدس أم السجية أم القراءة السياسية، بأن الرجل قد تمت تصفيته بعد أن رفض أن يكون دوره دور «المحلل» لتصفية قضية فلسطين وحقوق شعبها كلية ودون حتى ثمن بخس.

كما لا ينبغي أن يكون محور التركيز منصباً على الدور «الإسرائيلي» في الجريمة، فرئيس الوزراء «الإسرائيلي» حينئذ، ارئيل شارون، لم يخف تحلله من وعود قطعها لإدارة الرئيس جورج بوش الابن بأنه لن يقدم على المس بعرفات جسدياً، ونقل على نطاق واسع حينها أن بوش طلب من شارون أن يترك مصير عرفات بيد الله، فكان رد الأخير عليه بأنه «ينبغي في بعض الحالات أن نعين الله».

أيضاً، الحديث عن رفع الغطاء عربياً، وخصوصاً المصري، وغربياً عن عرفات لا ينبغي أن يستأثر بجل وقت البحث والتحليل، فهو أمر واضح، معروف، ومكشوف التفاصيل.

التركيز الحقيقي ينبغي أن يكون على ما يسميه عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، ورئيس لجنة التحقيق في اغتيال عرفات، ومدير مخابرات السلطة الفلسطينية في أيام الرئيس الراحل «الأداة التي استخدمها الاحتلال في جريمته»، والتي «لابد أن تكون أداة فلسطينية، إذا كان قد دس له السم في الطعام أو الدواء».

هذا هو بيت القصيد في المسألة كلها. وما إعلان الرئيس المنتهية ولايته، محمود عبّاس، ورموز سلطته المتهالكة من حوله، عن فتحهم باب التحقيق من جديد في ظروف وملابسات اغتيال عرفات عبر سماحهم للفريق الطبي السويسري الذي اكتشف وجود آثار مادة البولونيوم في متعلقات عرفات بفحص الرفات، إلا محاولة لصرف الأنظار عن هوية «أداة الجريمة».

وحتى لا يسيء البعض الفهم هنا، فـ«أداة» الجريمة ليست هي تلك التي دست السم أو غيره للرئيس الراحل، فهؤلاء مجرد «أدوات جريمة» عادية، ودورهم لا يزيد أهمية عن دور المسدس أو السكين (طبعاً، نحن هنا لا نتحدث عن شخص المجرم، فلا شك أنه «إسرائيلي»).. التحدي الحقيقي يكمن في تحديد هوية «المتواطئ» الذي فتح الباب من داخل الدار وسهل وصول «أداة» الجريمة للزعيم الراحل.

ذلك هو التحدي الحقيقي.. ولأنه «كاد المريب أن يقول خذوني»، فها نحن نشهد الآن تخاصم شركاء الأمس من بغاث السلطة الذين وحدوا صفوفهم واستنسروا على عرفات يوم حصاره «إسرائيلياً» في مقر المقاطعة ورفع الغطاء عنه عربياً وغربياً.. ها نحن نشهد تبرؤهم من دمه، وتلاومهم جميعاً في جريمة دفن الرجل منذ أكثر من سبعة أعوام ونصف دون أدنى تحقيق في أسباب وفاة الرجل الغامضة وعودته الأخيرة من المستشفى الباريسي محمولاً بنعش على الأكتاف.

فبعض بغاث الأمس الذين تحالفوا وحاولوا الإطاحة بعرفات حياً، هم خصوم اليوم. فمدير الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة، وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، محمد دحلان، قد تمّ فصله من الحركة وهو الآن مطلوب لها ولسلطة رام الله بتهم كثيرة من بينها التآمر على عرفات!

أيضاً، محمد رشيد أو خالد سلام، مستشار عرفات المالي، ومستودع أسرار استثماراته واستثمارات المنظمة، أو قل استثمارات الشعب الفلسطيني، مطلوب لذات السلطة بتهم الفساد والاختلاس.

أما عبّاس الذي أراد أن يرث عرفات بحياته بدعم «إسرائيلي» أميركي وبعض عربي، فهو يسعى اليوم لمعاقبة حليفي الأمس ضد الزعيم الراحل!.

«حليفا اليوم»، دحلان ورشيد، لم يقبلا بأن يكونا «كبش فداء» لوحدهما، فبدءا هما أيضاً بتسريب أخبار هنا وهناك عن دور مفترض لعبّاس ومن لف لفه في تسهيل اغتيال الزعيم.

الطريف، أن محمد رشيد يعكف منذ أشهر على كتابة مقالات، كما أجرى عدة لقاءات حوارية مع قناة (العربية) «عرى» فيها فساد عبّاس وعائلته مالياً وسياسياً (ما شاء الله وكأن الرجل نفسه نظيف شريف)!!.

الحقيقة التي نعلمها يقيناً، أن هذا الثلاثي السيئ قد ساهم بدرجة أو بأخرى في تسهيل اغتيال الرجل ورفع الغطاء عنه فلسطينياً. فعبّاس وبعد «تطييره» من منصب رئاسة الوزراء الذي فُصِلَ له خصيصاً، «إسرائيلياً»، ومصرياً (تحت نظام مبارك)، وأميركياً، لسحب الصلاحيات من عرفات، قاطع عرفات و«حرد» في بيته، ولم يأت لزيارته إلا عندما كان ينقل محمولاً إلى الطائرة العامودية من مقر المقاطعة إلى عمّان، فباريس. أما دحلان، فهو من حاول قيادة تمرد داخلي على عرفات في غزة (خلال حصار عرفات)، وكان حليف أبو مازن في حكومته لسحب إشراف عرفات على أجهزة الأمن. وأما رشيد فهو من كان يسيطر على المال الذي اشترى به عرفات ولاءات من حوله فقطعه عنه.

وهكذا، كانت حلقات الحصار تحكم حول عرفات، حتى غدا وحيداً معزولاً في مقر مقاطعته. ولم يكن كل الحصار العربي و«الإسرائيلي» والدولي ليسقط عرفات لو لم يكن هناك متآمرون عليه من داخل بيته. فـ«الجزم» التي كان يقول عرفات أنه ينتعلها ليعدي بها المرحلة، عرقلته خلال خوضه في الأوحال، وها هو بعضها اليوم يقود المرحلة وينتعل «جزماً» أخرى أيضاً ليعدوا بها مرحلة جديدة.

المصيبة، ليست في اغتيال عرفات، وذلك على الرغم من هول الجريمة ودناءتها... المصيبة أن بعض تلك «الجزم» - بالمناسبة هذا تعبير حقيقي كان ينقل عن عرفات عندما كان يسأل عن الطبيعة الفاسدة لبعض مستشاريه ومساعديه ونوابه - هي من تمسك اليوم بمسار القضية وتوجه دفتها. وهم إذا تآمروا في الأمس على اغتيال الرجل جسدياً أو معنوياً لأنه أصبح عقبة في طريق «السلام الإسرائيلي»، فماذا ينتظر منهم اليوم في حق القضية؟!

عرفات، رجل عاش ومات، وذهب بخيره وأخطائه، ونسأل الله له المغفرة، ولكن ماذا عن القضية؟

ماذا عن فلسطين؟ ماذا عن الشعب؟

هذا ما ينبغي أن يحقق فيه فعلاً. من من هؤلاء «المتواطئين» وصل اليوم إلى موقع القرار في مسار القضية المباركة وكيف سيسعون لاغتيالها كما ساهموا في الأمس في اغتيال عرفات؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 85 / 2165908

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165908 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010