الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني .. لا جديد لدى الفصائل

الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012 par عبد الرحمن ناصر

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وهو مركز بحثي متخصص في شؤون القضية الفلسطينية، حلقة نقاش تحت عنوان “أزمة المشروع الوطني الفلسطيني.. والآفاق المحتملة”، نهاية الأسبوع الماضي في بيروت.وعلى أهمية العنوان الذي طرحته الندوة للنقاش، فقد برز تساؤل لدى العديد من المشاركين، ومنذ اللحظة الأولى، عما إذا كان من الأوجب تحديد ماهية المشروع الوطني المقصود، والتوضيح في ما إذا كان هذا المشروع موجوداً أصلاً؟

لا جديد لدى الفصائل

خصصت الجلسة الأولى لعرض رؤى القوى الفلسطينية (فتح وحماس واليسار الفلسطيني)، وكما كان متوقعاً فإن الخطاب الفصائلي لم يغادر قديمه، ومعهوده في التوصيف، وفي النظر إلى المخارج.

المتحدث باسم فتح، عضو قيادتها في لبنان؛ رفعت شناعة، اعتبر أن حركته حملت منذ تأسيسها همّ تحرير الأرض، وقيادة كافة الشرائح، ثم تحدث عن نتائج اتفاق أوسلو، وعن التحديات والمخاطر التي واجهتها قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من انتهاكات “إسرائيلية” وانقسام فلسطيني، ثم قدّم رؤية حركة فتح للمشروع الوطني، ولخصها في: العودة إلى وثيقة الأسرى، (وثيقة الوفاق الوطني)، وإيجاد صيغة استراتيجية جديدة تجمع بين المقاومة الشعبية والمفاوضات، وإعادة بناء (م.ت.ف)، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وضرورة الوحدة لمواجهة التحديات متعالين على المصالح الحزبية.. وحمّل حماس المسؤولية عن الأزمة وتعثر المشروع الوطني، من دون أن يوضح المقصود بالمشروع.

من جهته، أشار عضو المكتب السياسي لحماس؛ أسامة حمدان، إلى أن رؤية حركة حماس للمشروع الوطني الفلسطيني تختلف عن رؤية محمود عباس، ثم تحدث عن الأسباب التي أوصلت المشروع الوطني إلى هذا المأزق، والتي رأى أن منها غياب المرجعية الموحدة للشعب الفلسطيني، وغياب الشراكة السياسية، مشيراً إلى أن أداء السلطة الفلسطينية كان أداء تكتيكياً، يخضع للضغط ويقدم التنازلات.

ودعا حمدان إلى الاتفاق على تعريف واحد للمشروع الوطني الفلسطيني، وترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد قيادته، وإطلاق مشروع مقاومة شاملة، وتقويم تجربة التفاوض، واستعادة الدور العربي والإسلامي والدولي للقضية الفلسطينية، وتطوير آليات صناعة القرار الفلسطيني، وإخراج القيادة الفلسطينية من الهيمنة “الإسرائيلية”.

أما د. ماهر الطاهر؛ مسؤول الجبهة الشعبية في الخارج، والذي عرض رؤية اليسار، فقد شدد على أن الساحة الفلسطينية تعيش أزمة عميقة ومتنوعة، مشيراً إلى أن المشروع الوطني الفلسطيني انعطف انعطافاً استراتيجياً خطيراً بعد حربي 1967 و1973، غير أنه رأى أن اتفاق أوسلو أسهم في تأزيم المشروع الوطني الفلسطيني، وضرب الفكرة التوحيدية الجامعة للشعب الفلسطيني، ورسخ التنازل الفلسطيني، ولفت النظر إلى أن انخراط المقاومة في السلطة خطأ استراتيجي.

ولحل أزمة المشروع الوطني قال الطاهر: إنه قد آن الأوان لوقفة ذات طبيعة استراتيجية ولإنهاء الانقسام وفق رؤية واضحة، مشدداً على ضرورة الاتفاق على المقاومة كخيار استراتيجي، وداعياً إلى إعادة الاعتبار لشعار إنهاء الاحتلال وتحرير فلسطين.

وهكذا فقد مرت هذه الجلسة دون أن تحمل فكرة جديدة، أو تغييراً ما عن الخطاب التقليدي، والمواقف المعهودة للفصائل الفلسطينية على اختلاف مشاربها، وتعدد مراجعها الفكرية.

أسئلة ساخنة.. وإشكاليات

في الجلسة الثانية، كان الحديث الأكاديمي طاغياً.. د. حسين أبو النمل؛ الباحث الفلسطيني، طرح أسئلة محددة: هل نحن أمام مشروع تحرر وطني أم مشروع سلطة؟ وهل تدار أمور الشعب الفلسطيني وتوزن قضاياه وفق معايير مبدئية أم سلطوية؟ وفي السعي إلى الإجابة شدد على أن الفصائل الفلسطينية لم تمتلك مشروعاً وطنياً بالمعنى الحقيقي، إذ يختلف الأمر بين المجمع السياسي الفلسطيني، وبين المجتمع الفلسطيني ككل، ويختلف الأمر أيضاً بين من يرى أن المشروع الوطني هو إعلاء لشأن الهوية الوطنية الفلسطينية، وبين من يرى المشروع الوطني الفلسطيني صنواً لتحرير فلسطين من بحرها لنهرها.

وذكر أن أهداف المشروع الوطني الفلسطيني قد تغيرت، مشيراً إلى غياب المشروع الوطني، فالكلمات لم تعد تعكس معانيها، ومنظومة القيم الفلسطينية قد اهتزت، فأزمة المشروع الوطني الفلسطيني لا تتمثل في عجزه عن تحقيق أهدافه فقط، بل في عدم اعتراف الجهات المعنية بمسؤوليتها عن الفشل أيضاً.

ومن جانبه قال منير شفيق؛ المفكر الفلسطيني، ومنسق المؤتمر القومي الإسلامي، إن التجربة يحكم عليها بناء على النتائج، فالسلطة الفلسطينية مرت بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: 1994-2000، والمرحلة الثانية: 2000-2005، المرحلة الثالثة: 2005 إلى الآن، مشيراً إلى أن الرئيس ياسر عرفات انتقل في المرحلة الثانية إلى صف المقاومة والانتفاضة. وشدد شفيق على أن السلطة الفلسطينية أصبحت في المرحلة الثالثة سلطة غير ذي جدوى. وفي ختام كلمته طالب شفيق بحل السلطة الفلسطينية، وبتحويل قطاع غزة إلى ساحة محررة تقاتل الاحتلال، واستغلال أجواء “الربيع العربي”.

بدوره، رأى د. محسن صالح؛ مدير مركز الزيتونة، أن (م.ت.ف) هي إنجاز وطني فلسطيني، بوصفها مظلة جامعة، وأشار إلى أن إشكاليات المنظمة تتلخص في: عدم تمثيلها لكافة القوى الفلسطينية، وغياب المشاركة الشعبية وضعف استيعاب الأدمغة والمستقلين، وكيفية الاختيار والتعيين داخل أطر المنظمة، ومعاناتها الكبيرة على صعيد العمل المؤسسي، خصوصاً تعطيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية في المنظمة، وآلية صناعة القرار داخلها، وتضاؤل دور المنظمة لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب إشكالية المرجعية والاتفاقات والالتزامات التي وقعت عليها المنظمة، والتي لا توافق عليها الكثير من القوى الفلسطينية.

ودعا صالح إلى مجموعة من الإجراءات، أوجزها في: استعادة دور المنظمة كمظلة جامعة لمختلف الأطياف السياسية الفلسطينية، وإيجاد آلية لتنظيم الاختلاف بين هذه الأطياف في الرؤى ووجهات النظر، وتحييد التأثير الخارجي على صناعة القرار الفلسطيني، ووضع برنامج فلسطيني حقيقي لبناء الثقة بين مختلف الأطراف، والاجتماع على ميثاق فلسطيني تحدد فيه أولويات العمل الوطني الفلسطيني.

فلسطين.. والتغيرات العربية

الجلسة الثالثة خُصصت للحديث عن تأثير التغيرات في العالم العربي على المصالحة والمشروع الوطني الفلسطيني، والتأثير “الإسرائيلي” على صناعة القرار الفلسطيني وإمكانات تحييده، والتأثير الدولي، خصوصاً الأميركي، على صناعة القرار الفلسطيني وسبل التعامل الأمثل معه.

الأستاذ د. مجدي حماد؛ الخبير في الشؤون الدولية، قال: إنه لا شك في أنّ الثورات العربية الجارية قد وضعت المنطقة العربية على مشارف تغييرات كبرى، موضحاً أن تلك الثورات التي بدا أن شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الوطن والمواطن، طغت فيها على القضايا القومية، إنما تهدف لبناء نظم وطنية جديدة أساسها الديموقراطية، وتابع قائلاً: إن هذه الديمقراطية تمثّل بدورها النظام الأمثل للخروج من حال الانحطاط التي صنعتها الدكتاتورية، والتي يشكّل الاستسلام أمام “إسرائيل” إحدى أولى علاماتها، وأضاف أن الخروج من حال الانحطاط سيعيد تشكيل وعي عربي جديد تحتل فيه فلسطين مركز البوصلة.

وفي مداخلته تحدث أحمد خليفة؛ الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عن التأثير “الإسرائيلي” على صناعة القرار الفلسطيني وإمكانات تحييده، مشيراً إلى أن الحركة الصهيونية تعتبر أن مشروعها الصهيوني بصيغته الكبرى بإقامة دولة يهودية فوق “أرض إسرائيل” لم يكتمل، وفي ظل سيطرة اليمين على الحكم في “إسرائيل” فإن السعي لاستكمال هذا المشروع يزداد تسارعاً وشراسة.

وفي إطار التأثير الصهيوني على صناعة القرار الفلسطيني، رأى خليفة أن الجهود الصهيونية في هذا الإطار نجحت في خفض سقف المطالب الفلسطينية، وإحداث تغير في صلب القرار الفلسطيني، وهي تسعى لإرغام حماس على الاعتراف بـ“إسرائيل”، من خلال القبول بشروط الرباعية الدولية.

من جانبه، تناول د. إبراهيم شرقية؛ الباحث في معهد بروكنغز/ الدوحة، التأثير الدولي، تحديداً الأميركي، على صناعة القرار الفلسطيني وإمكانات تحييده، وأشار إلى أن قوة هذا التأثير على الصعيد الدولي تستند إلى مجموعة من العوامل، منها احتكار المرجعيات التفاوضية وحصرها في الولايات المتحدة، مع السماح بوجود وكلاء محليين لهذه المرجعيات (نظام مبارك كمثال)، وتهميش المنظمات الدولية ذات الصلة، وتسخير الجزء الآخر لتكريس الاحتكار والهيمنة (مجلس الأمن)، وتسويق منظومة تفاوضية ربما تكون خاصة بالمفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” (تشمل اختلال موازين القوى، ووجود وسيط غير محايد..)، وإيجاد منظومة قيمية ومعايير دولية لتصنيف مطالب الشعوب، بحيث تعمل هذه المعايير كأداة لقياس المطالب الشرعية من غيرها.

أما على الصعيد الداخلي، فقد أشار شرقية إلى أن التأثير الأميركي هو تأثير بنيوي قائم على إيجاد مؤسسات سلطة فلسطينية قابلة للحياة فقط من خلال الدعم المالي الدولي، بحيث ينتقل اعتماد السلطة على ذلك الدعم من “الاعتماد الضروري” إلى “الاعتماد العضوي”. وأضاف أن الولايات المتحدة عملت على صقل ثقافة محلية تتساوق والرؤية الدولية للتسوية (التركيز على الهموم المعيشية وبروز الظاهرة “الفياضية”)، وتحويل المشروع الوطني الفلسطيني إلى مؤسسات خدماتية وازدهار اقتصادي. مشيراً إلى عجز حماس والمعارضة عن تخطي التعريف الأمريكي الدولي للإرهاب ومحاصرتها في الداخل الفلسطيني.

وحول إمكانات تحييد التأثير الأمريكي على صناعة القرار الفلسطيني، طرح شرقية مجموعة من الأفكار، أبرزها الدعوة للاستفادة من حالة الانفراج السياسي مع موازين القوى العالمية، ووضع استراتيجيات جديدة تتعاطى مع التغير في الدور الأمريكي العالمي من وضعية “الهيمنة” إلى وضعية “القيادة”، وتفعيل المؤسسات السياسية الفلسطينية كجزء من صنع القرار وعدم إبقاء دورها شكلياً فقط، وضرورة تغيير نظرية “المفاوض المتوسل”.

يبقى أن الأسئلة الساخنة، كما الاقتراحات التي تحمل أفقا لتجاوز المأزق، تفتقد إلى قوة حقيقة تشكل إجابات لها وحاملا فعليا من أجل المستقبل الفلسطيني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165638

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165638 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010