الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012

الملاكمة بين الكبار على حلبة الصغار!

الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012 par د.امديرس القادري

المكان كوكب الأرض، مسرح طويل وعريض، قارات ومحيطات، اليابسة والماء، دول وشعوب، أكثر من ستة مليار إنسان على سطح هذه البسيطة، جنوب وشمال وشرق وغرب لتحديد الموقع والمكان، أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء، ديانات سماوية ثلاث، وأكثر من ثلاثة آلاف أخرى أرضية ابتدعها الإنسان في مناطق مختلفة من هذا العالم، حروب وسلام، صحراء قاحلة ومروج خضراء، سياسة واقتصاد، وعسكر وحرامية، تعليم وجهل، مرض وصحة، صور ليس لها آخر نعيش حكاياتها ومشاهدها يومياً، قد نستطيع التدخل في بعضها، بينما نقف عاجزين أمام بعضها الآخر، بمعنى أدق هذه هي الحياة.

وفي لحظة أرادها لنا الزمن أصبح لدينا أمم متحدة، ومجلس أمن، وخمسة كبار والباقي صغار، هذا هو القانون والعرف الدولي الذي جاء بعد حربين عالميتين، وبموجب التاريخ الماضي فقد تواجد بين الخمسة عملاقان هما الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وكانا يتنازعان على كل صغيرة وكبيرة وحجتهم في ذلك ضبط التوازن والاستقرار الدولي والعالمي، انهار الإتحاد السوفيتي وعاد إلى وضعه السابق كجمهوريات متفرقة، وهكذا، دخلنا إلى حقبة القطب الواحد وأصبحت أمريكا وحدها في موقع من يأمر وينهى، ويحلل ويحرم، ويسمح ويمنع، ويوافق ويرف.

غالبية الدول وأمام هذا الواقع بدأت في ترتيب كل أمورها الداخلية والخارجية على أساس كسب الرضى والود الأمريكي حتى ولو كان على حساب استقلالها وسيادتها، لأنه هو المدخل الوحيد لكي تحافظ على أمنها واستقرارها بعيداً عن الأنياب والبطش واللكمات الأمريكية، والتي أصبحت رأسماليتها ودولارها وأسلحتها تتحكم برغيف خبز هذه الدول وماءها وهواءها، أما البعض القليل الآخر فيحاول أن يشاكس ويحتج ويعارض لإثبات وجوديته حتى ولو كانت قائمة على أمجاد ماضية.

الصين وروسيا تحاولان اليوم قيادة معسكر وتحالف المعارضة الدولية و بصورة ومعطيات جديدة، الصين وبالاعتماد على الذات تحولت إلى دولة عظمى قوية في المجال الاقتصادي، وأصبحت تهدد الولايات المتحدة على هذا الصعيد، أما روسيا فالبرغم من انهيار العظمة السوفيتية إلا أنها تحاول أن تشق الطريق من جديد وبحدود الممكن في ظل زعامة الرئيس الحالي بوتين من أجل العودة إل مسرح الأحداث الدولي وبشيء من العنفوان والقوة لإثبات الوجود.

بالبناء على ما سبق، نستطيع القول أن المنطقة العربية كانت ولا تزال أرضاً خصبة جداً لهذه المنازلة الدولية، بل نستطيع أيضاً الاتفاق على أنها كانت من أفضل المزارع التجريبية التي يتم اختبار «بضائع ومنتجات» هذه الدول العظمى على مدى مساحتها من الخليج وحتى المحيط، فكل أنواع الاستعمار طافت ومرت من فوق الرمال العربية، حروب عديدة، وأسلحة لا حصر لها من البر والبحر والجو سقطت ذخيرتها فوق رؤوسنا، وصولاً إلى اليورانيوم المخضب الذي دسوه في الثرى العراقي الشقيق والعزيز حتى أصبحت أعداد المصابين بالسرطانات المختلفة بالآلاف، وحتى نصل للبولونيوم الذي قتلوا أبو عمار بواسطته.

وعلى مرأى ومسمع من شعوب المنطقة، وفي ظل تواطؤ وضعف حكامها، قامت هذه الدول بسرقة كل شيء والمعنوي قبل المادي، واستباحوا الأعراض، وسلبوا الخيرات من النفط إلى الغاز، وقسموا الدار بالأسلاك واعتبروا ذلك حدودا بين دول، وطبعوا لنا في مطابعهم جوازات السفر والهويات وكل أنواع العملات من الدرهم حتى الدينار، فالمهم عندهم بقاء واستمرار الهم والنار مشتعلة في نفوس البشر والناس، وإياك أن ترفع رأسك للتظلم أو الاحتجاج فالسياط جاهزة وعلى مدار الساعة لكي تأكل الأخضر قبل اليابس من لحمك وعظامك، هذه هي الحرية والديمقراطية التي تناسبنا في نظرهم وحسب مخططاتهم اللاإنسانية.

وفي لحظة فجائية من هذا الزمن تعالى وارتفع صفير قطار الربيع العربي مبشراً بالتغيير وبدأت تنقلب المعادلات وتتغير الكثير من الأصول والخلفيات مع بداية رحيل أنظمة الظلم والاستبداد، لكن هؤلاء الكبار بدأوا يحيكون لنا في عتم الظلمات الثوب الجديد ليتناسب مع كل المقاسات في تونس، ومصر، واليمن، والبحرين، والمغرب، وليبيا، وسوريا، والأردن، ولبنان، وهاهو التململ فد بدأ في السودان وتحت عنوان «لحس الكوع» بعد أن أنهوا الجزء الأول من مخطط مؤامرة التقطيع والتقسيم والتجزئة الجديدة.

ما هي الحال التي ستكون عليها الأنظمة القادمة؟ الأمثلة أمامنا واضحة حتى الآن وفي كل العواصم التي قطعت شوطاً طويلاً من عملية التغيير وصولاً إلى الشقيقة الكبرى مصر التي جلس أخيراً على كرسي رئاسة جمهوريتها الدكتور محمد مرسي مرشح حركة «الإخوان المسلمين» الفائز عن الانتخابات التي جرت مؤخراً، فهل سيشكل ذلك مدخلاً تاريخياً جديداً لكي تتغير قواعد ملاكمة الكبار على أرضنا العربية؟ وهل سنثبت لأنفسنا وللعالم بأن حلبتنا لم تعد صغيرة؟ وأن عليها مصارعين قادرين على حماية أمنها واستقرارها وخيرات شعوبها، فلسطين بطبيعة الحال ومن الألف إلى الياء ستبقى الامتحان الأول لإثبات مدى صحة ذلك، وإن غداً لناظره لقريب!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165553

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

34 من الزوار الآن

2165553 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010