الاثنين 9 تموز (يوليو) 2012

حول ملف اغتيال الرئيس ياسر عرفات.. «الجزيرة» وحمد وناصر القدوة

الاثنين 9 تموز (يوليو) 2012 par عبد الرحمن ناصر

لأنه بات واضحاً أن قناة «الجزيرة» القطرية، ليست وسيلة إعلامية بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، فإن من حق المرء أن يتساءل عن معنى ومغزى الاهتمام المفاجئ بواقعة اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات منذ نحو ثماني سنوات؟

بداية فإن غالبية ساحقة من الشعب الفلسطيني، تعرف بداهة أن الزعيم الفلسطيني قضى اغتيالاً. وأن مؤامرة كبرى حكيت حول الرجل الذي مثل صعود الوطنية الكفاحية للشعب الفلسطيني منذ أواسط الستينات، ورفض حتى اللحظة الأخيرة من حياته التنازل عما اعتبره دوماً حقوقاً أساسية للشعب الفلسطيني. وتعرف غالبية الفلسطينيين أيضاً، بمن فيهم أولئك الذين انتقدوه بشدة، بسبب توقيعه اتفاق أوسلو، أن التخطيط للتخلص من الرجل بدأ في العام ألفين، وذلك عندما رفض التنازل عن القدس وحقوق اللاجئين، في اجتماعات كامب ديفيد الثانية كما تعرف، وعندما رعى انطلاق الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى). وفي موضوع القدس واللاجئين، واجتماعات كامب ديفيد، هناك ما يقال: لقد دفع ما يعرف بمحور الاعتدال العربي ياسر عرفات إلى الدخول في تلك المفاوضات، وزينوا له ما وصف آنذاك بالتنازلات التاريخية التي استطاع بيل كلينتون الرئيس الأمريكي فرضها على «الإسرائيليين» بحسب الزعم الذي جرى الترويج له. ولكن عرفات اكتشف أثناء تلك المفاوضات، أن «التنازلات» المحكي عنها هي تنازلات تاريخية مطلوبة من الفلسطينيين، وأن التصورات المعروضة لا تعطيهم شيئاً لا في القدس ولا في قضية اللاجئين. رفض عرفات العرض. رغم تعرضه لضغوط هائلة، أمريكية وصهيونية وعربية، وحتى من بعض فريقه الذي كان معه في تلك المفاوضات. وقال حينها: إن القدس لا تخص الفلسطينيين وحدهم، محرجاً بذلك «محور الاعتلال»، وعلى رأسه ملك السعودية وحاكم مصر المخلوع وشيخ قطر وغيرهم. يومها لم يدعموا موقفه. تخلوا عنه، واتهموه بتضييع الفرصة التاريخية في تبن فاضح للمنطق الأمريكي والصهيوني. هنا بدأ التحضير للتخلص من ياسر عرفات. وسط هذا الظرف دعم عرفات انطلاق انتفاضة الأقصى، ليواجه المحور المتآمر ذاته: من الحلقة المحيطة به، ومن «عرب الاعتدال» ومن الصهاينة والأمريكيين. ولعل هناك من يذكر اليوم أن ما سمي بالمبادرة العربية التي عرضت على قمة بيروت في نسختها الأولى كانت تتضمن تنازلات كبرى في موضوعي القدس واللاجئين.

قمعت الانتفاضة بقسوة شديدة بعد إطلاق هذه المبادرة بالذات. حوصر ياسر عرفات وعزل، بعد تآمر كبير عليه ونزع صلاحياته، ثم جرى تهديد حياته بشكل مباشر داخل المبنى الذي صمد فيه في رام الله، عل الخوف يتسرب إلى نفسه، ويفاوض من أجل نجاته الشخصية مبعداً عن فلسطين. وقد كشف الكثير عما دار في تلك الفترة من محاولات لدفعه إلى هذا النقطة. وعندما أظهر عناداً كبيراً، وقرر أنه لم يغادر إلا شهيداً، دس السم له، ليقضي شهيداً، كما اختار تماماً.

[bleu]«من قتل أبانا؟»[/bleu]

من قتل أبانا؟ كان شعاراً رفعه الشبان والأطفال في التظاهرات التي أعقبت الإعلان عن استشهاد الرئيس ياسر عرفات في المشفى الباريسي. التساؤل كان يعكس إحساساً بديهياً بأن زعيم الشعب الفلسطيني، قضى اغتيالاً. تعزز هذا الإحساس ليصبح اقتناعاً قائماً، وراسخاً بعد التسريبات المنسوبة إلى قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي، والذي تحدث عن مشاهدات غريبة على جسد الرئيس عرفات، عندما ذهب إليه في المشفى الباريسي. ومن ثم بدأت مرحلة من استكمال المؤامرة. فقد جرى إخفاء التقرير الطبي، وأهملت بشكل متعمد وسافر، كل المطالبات بتشكيل لجنة تحقيق جدية، للكشف عن ملابسات جريمة الاغتيال. واكتفى السيد ناصر القدوة، وهو قريب الرئيس ياسر عرفات، ورئيس مؤسسة الشهيد ياسر عرفات، برعاية بعض الأنشطة الاحتفالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بدل العمل الجدي في الكشف عن جريمة الاغتيال. وأكثر من ذلك فقد تحولت المؤسسة بجهوده إلى بؤرة فساد. ومن طرائف/ مبكيات ما يروى في هذا المقام. قيام مؤسسة القدوة بتكليف صحافية لبنانية تجاهر بموقفها العنصري الحاقد على الشعب الفلسطيني، بإنتاج فيلم وثائقي عن حياة الرئيس عرفات مقابل مبالغ طائلة، وذلك في إطار جهود العلاقات العامة التي يبرع فيها السيد القدوة.

في كل حال، ذهبت المطالبات بفتح تحقيق حول جريمة الاغتيال أدراج الرياح. وفي المقابلات الصحافية التي كان يجريها القدوة، يتعمد الإشارة إلى هذا الملف، متحدثاً عن جهود، وعن عدم نسيان القضية. واحتسب مراقبون تلك الإشارات في خانة الابتزاز، والحفاظ على دور مستمر للرجل في سياق صراعات النفوذ والبقاء على قيد الحياة السياسية، ضمن تركيبة الأطر القيادية الفلسطينية.

وبينما ساد الاعتقاد لدى الجميع تقريباً، بأن ملف الاغتيال قد دخل في مناطق النسيان، قامت قناة «الجزيرة» القطرية بفتح ملف الاغتيال، وعلى نحو صاخب كالعادة، بحيث تخيل المرء أن القناة هي «ولي الدم» في قضية اغتيال الزعيم الفلسطيني.

[bleu]التوقيت: «الجزيرة» وحمد والقدوة[/bleu]

لماذا الآن؟ سؤال شغل بال الأوساط المتابعة، كما شغل بال عموم الفلسطينيين. البعض ذهب نحو أن «الجزيرة»، تريد تعويم نفسها مجدداً، وبتبني قضية جاذبة للاهتمام، بعد مسلسل فضائح التغطية الخاصة بالأحداث في ليبيا وسوريا. وانكشاف دورها كمخلب للمخططات الصهيونية الأمريكية في التفتيت وتخريب البلاد العربية، عبر إطلاق سعير الفتن الطائفية والمذهبية والجهوية.

ربما يكون التعويم هدفاً. لكنه يظل هدفاً جزئياً ما دامت «الجزيرة»، قادرة حتى الآن على التلاعب بالغرائز، واستثمار الجهل، وضعف الوسائل الإعلامية الأخرى، كي تجد جمهوراً تستطيع مخاطبته والتأثير فيه. لكن التفكير المنطقي في أن «الجزيرة» ليست وسيلة إعلامية، بالمعنى المتعارف عليه، بل أداة لتسويق مخططات وعمليات تخريب، سياسي واجتماعي. وأداة تآمر باسم الإعلام وحريته، على كل فكرة أو إطار مقاوم للصهيونية والولايات المتحدة، ومشاريعهما التي تستهدف الوجود العربي، عبر ضرب ركائزه كافة، يدفع نحو البحث عن أسباب أخرى لتبني هذا الملف، والتعامل معه بالطريقة التي نراها اليوم.

قدم محمود عبّاس كل ما يستطيع تقديمه من تنازلات للصهاينة، من أجل معاودة المفاوضات. وكان شرطه الوحيد وقف أو حتى تجميد الاستيطان. في الرسائل التي تلقاها عبّاس من الحكم الأردني، وكذلك من لجنة متابعة السلام العربية، برئاسة قطر، طلب إليه الذهاب إلى المفاوضات، دون أية شروط. وحتى مع استمرار النشاط الاستيطاني على وتائره القائمة، وهي تهدد ما تبقى من أراض بحوزة الفلسطينيين في الضفة الغربية. ولم يتلق عبّاس أي مساعدة من القطريين الناشطين في الأمم المتحدة ضد سوريا، من أجل دعم مشروعه لطلب عضوية لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. ورغم إبداء استعداده الدائم للعودة إلى المفاوضات. ورغم رفضه القوي لإنطلاق جهد كفاحي شعبي فلسطيني مقاوم، ورغم استمراره في التنسيق الأمني، يبدو أن كل هذا أقل من المطلوب في نظر أمريكا والصهاينة، ومحور التآمر العربي على فلسطين وقضيتها.

أثبت ناصر القدوة قدرة على إبداء دور الخادم النجيب لمخططات شيوخ قطر تجاه سوريا. فقد عينه القطريون نائباً لكوفي عنان عن الجامعة العربية، بشأن تنفيذ الخطة التي تحمل اسم الأمين العام السابق للأمم المتحدة في سوريا. وطوال الوقت تبنى القدوة الموقف القطري المتآمر على سوريا وشعبها ومواقفها ووحدتها الوطنية. وهذا ما انعكس ارتياحاً عند شيوخ قطر الذين لمسوا لديه استعداداً للانصياع، وتنفيذ كل ما يطلب منه. وهذا هو المطلوب.

من شبه المؤكد أن السير في ملف التحقيق على طريقة «الجزيرة»، سوف يجعل محمود عبّاس ضمن قائمة المتهمين، أقله بالتغاضي وإهمال التحقيق الجدي في قضية اغتيال الرئيس عرفات (هذا على الرغم من ملاحظة كثيرين، ومنهم بسام أبو شريف، المقرب السابق من ياسر عرفات، وأحد الداعين باستمرار لتحقيق جدي في اغتيال الرئيس، أن الطريقة التي تتعامل بها «الجزيرة» مع موضوع الاغتيال، والمعلومات التي تسربها، تضر بالحقيقة، وسوف توصل الناس إلى التسليم بوقائع مضللة، وتنجي من قاموا بالاغتيال حقاً). وهذا سيكلفه ثمناً غالياً، ويدفعه في أقل التقديرات إلى الاستقالة. وحينها سيكون القدوة بوصفه قريب الرئيس عرفات ورئيس مؤسسة الشهيد عرفات، والرجل الذي يمكن أن يدعي بأنه قد جرى إبعاده عن الأطر الفاعلة في القيادة الفلسطينية لطي ملف اغتيال الرئيس، حينها سيكون المرشح الطبيعي لشغل الموقع الأول، أو أحد المواقع الرئيسية في الهرم القيادي الفلسطيني، ويتحقق لشيوخ قطر، ومن حركهم باتجاه هذا الملف ما يريدونه من تصفية سريعة للقضية الفلسطينية.

إن التحقيق الجدي باغتيال الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، وقائد ثورته المعاصرة، مطلوب اليوم، كما كان مطلوباً منذ سنوات. لكن من الهام والضروري في الوقت عينه، التنبه إلى ألاعيب القناة القطرية المشبوهة، والتي غيبت منذ نحو سنتين القضية الفلسطينية عامدة متعمدة، وعادت إليها اليوم من بوابة مؤامرة جديدة على الشعب الفلسطيني.

التحقيق مطلوب وليدفع من قاموا بجريمة الاغتيال ثمن جريمتهم النكراء. ولكن ليس على طريقة «الجزيرة» التي تآمرت على عرفات حياً وشهيداً، وهي تتآمر اليوم على العرب جميعاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165642

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165642 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010