الاثنين 9 تموز (يوليو) 2012

الشركاء في دم عرفات لن يكشفوا الحقيقة

الاثنين 9 تموز (يوليو) 2012 par صالح النعامي

أصاب التحقيق الاستقصائي الذي أعدته وبثته قناة «الجزيرة» - حول ظروف وملابسات اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات - قيادة السلطة الفلسطينية بالحرج الشديد؛ فقد دلل التحقيق بشكل لا يقبل التأويل على أن لجنة التحقيق التي شكلتها قيادة السلطة بعيد وفاة عرفات، لم تكن جادة في الوصول إلى الحقيقة، مما دفع قادة السلطة إلى الإعلان أنهم بصدد التعاون مع الطواقم العلمية التي شاركت في تحقيق «الجزيرة»، مع تشديدهم على أنهم لا يساورهم أدنى شك في أن «إسرائيل» تقف خلف عملية تسميم «أبو عمار»، وأنهم جادون في الكشف عن الحقيقة.

ومن أجل إضفاء صدقية على موقفهم، تسابق المتحدثون باسم السلطة الفلسطينية في الدعوة إلى القيام بتحرك دولي؛ لتمرير قرار في مجلس الأمن يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال عرفات، على غرار اللجنة التي شكلت للتحقيق في ظروف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة: هل حقاً قيادة السلطة معنية بإدانة «إسرائيل» باغتيال عرفات؟

لقد أسهمت قيادة السلطة الفلسطينية الحالية، ممثلة برئيس السلطة وعدد من معاونيه في توفير الأرضية لنزع الشرعية الدولية عن عرفات؛ مما مهد لتصفيته جسدياً من خلال التعاون مع الإدارة الأمريكية و«إسرائيل» في إصدار خطة «خارطة الطريق»، التي بادرت وزارة الخارجية الأمريكية إلى طرحها في مارس 2003، لتحقيق هدف رئيس واحد هو التخلص من عرفات؛ على اعتبار أنه كان يقف حجر عثرة أمام القضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعدما تبين بالدليل القاطع لأجهزة الأمن الصهيونية أنه بدون تعاون وثيق بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة والمخابرات «الإسرائيلية»، لن يكون بالإمكان القضاء على المقاومة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص في الضفة الغربية. وتمهيداً لتحقيق هذا الهدف؛ تمت إعادة بلورة النظام السياسي الفلسطيني لكي يستحدث لأول مرة منصب رئيس الوزراء، مع العلم أنه لم يكن سراً أن كلاً من الإدارة الأمريكية برئاسة بوش والحكومة «الإسرائيلية» بقيادة أرئيل شارون، كانتا قد أعدتا هذا الموقع لرئيس السلطة الحالي محمود عبّاس؛ على أن اعتبار أن وصوله إلى هذا الموقع يؤهله لكي يقفز إلى رئاسة السلطة، بعد أن يتم تنفيذ قرار التخلص من عرفات جسدياً الذي اتخذ من قبل شارون، كما كشف عن ذلك أوري دان مستشاره وأوثق أصدقائه قبيل موته بالسرطان.

للأسف لقد كان عبّاس يدرك طابع الدور الذي يتوجب عليه تأديته كما نص المخطط الأمريكي «الإسرائيلي»، ولم يحاول الاعتراض وتعاون معه، ولعل هذا ما يفسر دفاعه المستميت عن التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية الصهيونية في تعقب المقاومة، وتوفير الظروف الأمنية للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية، في الوقت الذي يقوم فيه هؤلاء بالاعتداء على المواطنين الفلسطينيين والتنكيل بهم.

من المفارقة أن يتصادف الكشف عن الملابسات الجديدة عن اغتيال عرفات، مع نجاح حركات الاحتجاج الشبابية الفلسطينية في إحباط مخطط عقد لقاء بين عبّاس وشاؤول موفاز - نائب نتنياهو - في رام الله. ويكتسب هذا التزامن أهمية رمزية ذات دلالة كبيرة؛ فقد كان موفاز وزيراً للحرب الصهيوني في أثناء تنفيذ مهمة اغتيال عرفات بالسم، وقد كان أكثر وزراء حكومة شارون تحمساً للتخلص من عرفات، وقد عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة.

إن ما يدلل على أن قيادة السلطة تستهين بدماء الفلسطينيين، حقيقة أن موفاز هو الذي أطلق عبارته الشهيرة عندما كان رئيساً لأركان الجيش «الإسرائيلي»، عندما قال مخاطبه قادة الألوية والكتائب في جيشه في ذروة انتفاضة الأقصى: «أريد كل يوم سبعين جثة فلسطينية توارى الثرى»، في تعليمات صريحة للقتل لمجرد القتل.

لاحظوا من الآن وصاعداً وستكتشفون أنه سيكون هناك تبادل أدوار بين قيادة السلطة و«إسرائيل» في جهد مكثف؛ لعدم إيضاح حقيقة ظروف تصفية عرفات.

فقيادة السلطة أعلنت أنها توافق على أخذ عينات من جثة عرفات وفحص التربة المحيطة بها، لكن هذا يتطلب حضور العلماء السويسريين الذين يفترض أن يقوموا بأخذ العينات؛ لكي يقدموا الدليل القاطع على أن عرفات قد اغتيل بمادة البولونيوم غير المشبع، التي لا تنتجها إلا ثلاث دول هي: «إسرائيل»، والولايات المتحدة، وروسيا. إذن ماذا سيحدث؟ ستقوم «إسرائيل» بمنع دخول طواقم العلماء السويسريين، ولن يعدموا القدرة على تبرير ذلك بهذه الحجة أو تلك.

ستبذل قيادة السلطة الفلسطينية جهوداً كبيرة لمنع إدانة «إسرائيل» بجريمة اغتيال عرفات؛ لأن هذه القيادة تعي تماماً أنه في حال تم تجريم «إسرائيل» بشكل نهائي باغتيال عرفات، فإن قدرتها على مواصلة المفاوضات والتعاون الأمني مع الاحتلال ستؤول إلى الصفر، ولا سيما أن قيادة السلطة باتت تدرك الآن أن هناك رفضاً شعبياً عارما لتواصل المفاوضات والتعاون الأمني المهين المعيب. من هنا، يتوجب التعامل بحذر شديد مع تأكيد قيادة السلطة استعدادها للتعاون مع الجهات الطبية العالمية في الكشف عن خيوط جريمة اغتيال عرفات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2176710

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2176710 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40