الثلاثاء 29 أيار (مايو) 2012

الأسرى والمعركة المتجددة

الثلاثاء 29 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

عندما توصّلت قيادة الأسرى وإدارات سجون الاحتلال إلى الاتفاق الذي أوقف الأسرى بموجبه معركة الأمعاء الخاوية مقابل موافقة الاحتلال على غالبية مطالب الأسرى، وبخاصة وقف سياسة الاعتقال الإداري وإنهاء سياسة العزل الانفرادي، سأل زميل عربي عن الضمانة التي تجعل «إسرائيل» تلتزم بالاتفاق ولا تتنكّر له بعد فك الإضراب. سؤال جدير بالأخذ بالجدية عندما يتعلق الأمر بـ «إسرائيل» التي لا يحتوي قاموسها أي كلمة ترتبط بالالتزام والصدق واحترام العهود والاتفاقات، وحتى تلك التي تكون لمصلحتها بنسبة تسعين في المئة، فإنها تنزع للتنكّر للعشرة في المئة.

في تجربة الحركة الأسيرة ومعاركها النضالية، كان هناك التزام بالمنحى العام من جانب إدارات السجون بنتائج كل اتفاق توج معركة احتجاجية، سواء كانت إضراباً شاملاً أو جزئياً عن الطعام أو أسلوب إرجاع وجبة أو وجبتين، أو إعادة جزء من الوجبة، أو زيارات الأهالي، أو عملية العد التي ينفّذها ضباط أمن السجون ثلاث مرات يومياً، ولكل شكل احتجاجي ظروفه وشروطه ومقتضياته وأهدافه. وكان التزام إدارات السجون بالاتفاقات هو الذي حسّن الظروف المعيشية في السجون التي كانت في البدايات أكثر من مقابر جماعية، وأسوأ من بيئة تصلح لحياة البشر.

لكن لم يكن التزام الإدارات بالاتفاقات تعبيراً عن أخلاقية الاحتلال بقدر ما هو التزام اضطراري يحمل في طياته اعترافاً ضمنياً، وأحياناً مصرحاً به، من جانب إدارات السجون بأنها لا تستطيع التنكّر لاتفاقاتها مع ممثلي الأسرى، لأنها تعرف أن من فجّر الإضراب مرة يستطيع أن يفجّره مئة مرة، وإذا كانت إدارات الاحتلال وسلطته السياسية تخشى الإضرابات عن الطعام، فذلك لأنه وسيلة تعري الاحتلال وتفضح كل شعاراته الزائفة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي تخشى أكثر حين ترتفع احتمالات سقوط شهداء في الإضراب. وإذا أضفنا إلى هذه العوامل معرفة سلطة الاحتلال بأن زيادة الضغط تولّد الانفجار، فإننا نفهم بما هو أكثر وضوحاً الماهية التي يتميز بها التزام الإدارات بالاتفاقات مع قادة الحركة الأسيرة.

ما يتعلّق بالإضراب الأخير، تتحدّث التقارير عن خرق سلطة الاحتلال للاتفاق على أكثر من صعيد. هناك أسيران ما زالا مستمرين في إضرابهما عن الطعام لليوم الـ 77، وهناك عدد من الأسرى تم تجديد الاعتقال الإداري لهم، رغم أن الاتفاق نص على إطلاق كل أسير تنتهي مدة آخر تمديد لاعتقاله، وألا تجري اعتقالات إدارية جديدة «إلا في ظروف استثنائية». صحيح أن هذا التعبير فضفاض، لكن من الواضح أن أياً من الحالات التي تم التمديد لها لا ينطوي على أي من مواصفات «الاستثنائية».

اجتهاداً، أعتقد أن سبب تراجع الإدارة، أو ربما مماطلتها، في تنفيذ الاتفاق خلافاً للالتزام الذي كانت إدارات السجون تفعله سابقاً، يعود لاختفاء القيادات التي كانت تعتبر نفسها على مستوى عال من العسكرية الذي يفرض ما تُعرف به من انضباط، والتزام بالاتفاقات كنوع من احترام الذات. هذه القيادات اختفت من الساحة السياسية للكيان، وصعدت قيادات انتهازية وسطحية، ولا تكترث للمعايير التي تم رسمها خلال عقود، وحافظت على نوع من الاستقرار النسبي في السجون. سبب آخر هو التقصير العربي والصمت الدولي المخجل إزاء قضية إنسانية بامتياز.

من المؤكد أن الأسرى لن يتصرفوا بردّة الفعل، وسيعمل ممثلوهم على الاتصال بالعالم الخارجي ومؤسساته الدولية والحقوقية، والاتصال بمصر التي رعت الاتفاق الأخير. وإذا لم تثمر هذه الاتصالات عن نتيجة، سيبدأ الأسرى التعبئة والتحضير لجولة جديدة من حرب الأمعاء الخاوية، ومن المنطقي أن تتوافر قناعة أن الإدارات ستسارع إلى العودة للاتفاق صاغرة، وتلتزم به، ليبقى شعار الأسرى «النصر أو الشهادة» سيد الموقف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2181408

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2181408 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40