الاثنين 28 أيار (مايو) 2012

اللاجئون الفلسطينيون 30 ألفاً فقط !!

الاثنين 28 أيار (مايو) 2012 par نقولا ناصر

بعد محاولات سنوية فاشلة منذ عام 2009، نجح السيناتور الجمهوري مارك كيرك، الذي شغل مقعد باراك أوباما في مجلس الشيوخ الأمريكي إثر فوز الأخير بالرئاسة في تلك السنة، في ما لم ينجح فيه غيره قبله من ممثلي دولة الاحتلال «الإسرائيلي» في الكونجرس الأمريكي.

فقد نجح كيرك في إقناع أغلبية بين ثلاثين عضواً في لجنة الاعتمادات بالموافقة يوم الخميس الماضي على تعديل قانون المعونات الخارجية الأمريكية لسنة 1961، سوف يقود إذا نجح أيضاً في إقناع الكونجرس بمجلسيه في تبني المشروع كقانون إلى اختصار عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يستحقون مساعدات مالية أمريكية، من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، إلى حوالي ثلاثين ألفاً فقط، حسب تقديرات أنصار هذا التعديل، هم من بقي على قيد الحياة من لاجئي عام 1948 الأصليين، بالفصل التعسفي بينهم وبين نسلهم من الأبناء والأحفاد، بحجة أن «توريث» وضع اللاجئ يجب أن يتوقف بأثر رجعي.

وسوف يقود ذلك، إن سمحت الحكومة الفدرالية الأمريكية لسياسيين مغامرين، مثل السيناتور كيرك الراعي لمشروع التعديل، ممن يلهثون وراء دعم اللوبي اليهودي في موسم انتخابي بجر الكونجرس إلى تبني التعديل، إلى مخاطر إستراتيجية بعيدة الأثر على وضع (الأونروا)، وعلى الاستقرار في الدول العربية الرئيسية المضيفة للاجئين الفلسطينيين، وكذلك على أي أمل متبق في احتمال إحراز أي تقدم في «عملية السلام» التي ترعاها الولايات المتحدة باعتبار قضية اللاجئين والقدس من أعقد قضايا الوضع النهائي التي أفشلت هذه العملية حتى الآن.

ويستهدف التعديل، بجرة قلم أمريكية، شطب الأغلبية الساحقة البالغة حوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني من المسجلين في قوائم (الأونروا)، وتجريدهم من وضع «لاجئ» ولتحقيق هذا الهدف، كما جاء في نص التعديل المقترح، فإن «على وزير/ وزيرة الخارجية خلال مدة لا تتجاوز سنة واحدة بعد سن هذا القانون أن يرفع تقريراً إلى لجان الاعتمادات يبين بالتفصيل عدد الناس الذين يحصلون الآن على خدمات (الأونروا): 1) ممن كان مكان إقامتهم فلسطين بين حزيران 1946 وبين أيار 1948 وشردوا شخصياً في حرب 1948 العربية «الإسرائيلية»، و2) من هم أطفال هؤلاء الأشخاص، و3) من هم أحفادهم، و4) من هم من نسلهم ممن لم يتم عدهم حسب المعايير الواردة في (2) و(3)، و5) من منهم يقيم في الضفة الغربية أو غزة، و6) من منهم لا يقيم في الضفة الغربية أو غزة وهم مواطنون في بلدان أخرى، و7) من منهم كانت فلسطين مكاناً لإقامته بين حزيران 1946 وبين أيار 1948 ممن شردوا شخصياً نتيجة لحرب 1948 العربية «الإسرائيلية» ولا يقيمون حالياً في الضفة الغربية أو غزة وليسوا حالياً مواطنين في أي دولة أخرى».

يقول كيرك إن الهدف من تعديله هو «الشفافية والمسؤولية» تجاه دافع الضرائب الأمريكي، وتقول الناطقة باسمه كيت ديكنز إن «لا شيء في تعديل كيرك سوف يغير سياسة الولايات المتحدة تجاه اللاجئين» الفلسطينيين.

لكن لأن الولايات المتحدة هي أكبر مساهم في تمويل (الأونروا)، فإن هذه المساهمة سوف تقتصر على ثلاثين ألف لاجئ فلسطيني فقط، مما يعني ترحيل الأعباء المالية عمن تم تجريدهم من وضع اللاجئ إلى ميزانيات الدول الرئيسية المضيفة لهم في الأردن وسورية ولبنان وغيرها، ولأن الأوضاع المالية لهذه الدول غنية عن البيان، فالأرجح أن تضغط الولايات المتحدة على حلفائها وأصدقائها في دول النفط العربية الخليجية خاصة لتحمل هذا العبء.

وفي هذا السياق لا تزال الذاكرة تختزن ما خلفته سابقة كندا في وقف تمويلها لـ (لأونروا) أوائل عام 2010 وهي التي سلمها مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 رئاسة لجنة اللاجئين!

غير أن الأخطر هو خلق أكبر جالية عربية من «البدون جنسية» تتكون من خمسة ملايين نسمة ممن يحملون بطاقة الأمم المتحدة لـ (لأونروا) حالياً، بانتظار حل مشكلتهم بالعودة إلى وطنهم وجنسيتهم الوطنية، بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر سياسية وأمنية.

ومن المفروغ منه، من وجهة نظر المنطق البراغماتي الذي يميز الأمريكيين كـ «رجال أعمال»، أن «التوطين» هو الحل الأسهل الذي يمكن «تمويله» أمريكياً بالوفر الناتج عن خفض التمويل الأمريكي من تمويل خمسة ملايين لاجئ إلى تمويل ثلاثين ألفاً فقط.

وكل ذلك يمثل تهديداً خطيراً للأمن العربي بعامة، لكنه يهدد بتفجير الوضع الفلسطيني تماماً، ويسحب ما تبقى من بسط من تحت أرجل ما تسميه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الحالية «المشروع الوطني»، لتحشر هذه القيادة بين خيارين لا ثالث لهما، إما الانحياز إلى اللاجئين وهم ثلثا الشعب الفلسطيني تقريباً، مما يعني بالتأكيد العودة إلى حضن المقاومة، أو مواصلة إستراتيجيتها الحالية، مما يعني فقدان ما بقي لها من صدقية كـ «ممثل شرعي ووحيد» لشعبها بحيث لا تعود تمثل أحداً سوى نفسها، ومن المؤكد أن أياً من الخيارين لا يتفق أبداً مع الإجماع العربي على «مبادرة السلام العربية»، وفي هذه الحالة سيعيد التاريخ القريب نفسه لتجد حركة التحرر الوطني الفلسطينية نفسها في مواجهة مع النظام العربي مجدداً.

إن من يتابع الجدل الواسع الساخن في الصحف والمواقع الالكترونية الرئيسية الأمريكية واليهودية العالمية خلال الأيام القليلة الماضية الذي يصب معظمه في الترويج لأفكار كيرك وتعديله ويقارنه بالصمت الرسمي والإعلامي عن وعي أو دون وعي في الإعلام العربي لا يسعه إلا الاستنتاج بأنهم في الولايات المتحدة ودولة الاحتلال يدركون الأهمية الإستراتيجية لتعديل كيرك في تصفية القضية الفلسطينية، كون قضية اللاجئين هي جوهرها أكثر من القدس وغيرها من «قضايا الوضع النهائي»، بينما لا يدرك المعنيون العرب وأولهم الفلسطينيون هذه الأهمية ومخاطرها عليهم.

يوم الجمعة الماضي، قالت صحيفة «الجيماينر» اليهودية الأمريكية إن «وزارة الخارجية الأمريكية والأردن» فقط يسعون إلى منع تعديل كيرك من التحول إلى قانون ملزم للإدارة الأمريكية. وفي اليوم السابق قالت جنيفر روبين في مدونة نشرتها «الواشنطن بوست» إن السفارة الأردنية في واشنطن بعثت رسالة «ايميل» إلى موظفي الكونجرس جاء فيها أن «الأردن يحث مجلس الشيوخ على تجنب أي لغة ستقود بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى تقويض (أونروا). وسوف تكون السفارة سعيدة بشرح الموقف الأردني أكثر» بشأن «ملاحظاته وتحفظاته ... ومنها المضاعفات السلبية المحتملة على الأردن واقتصاده وعلى جهود السلام».

إنه اضعف الإيمان الأردني، لكنه هام في ضوء انشغال السوريين بـ «ثورة» يحض عليها كيرك وأمثاله من الأمريكيين، وانشغال الفلسطينيين بالتحضير للانتخابات في ظل الاحتلال المدعوم أمريكياً، وانشغال اللبنانيين بالمضاعفات الأمنية التي أعقبت زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية جفري فيلتمان، الذي قال تقرير لـ «الأسوشيتدبرس» الأسبوع الماضي إنه سيعفى من منصبه لينتقل مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة - ربما لشؤون اللاجئين! - بينما كل العرب منشغلون بما سماه الإعلام الأمريكي «الربيع العربي».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2177325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2177325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40