الاثنين 28 أيار (مايو) 2012

مصر ورحلة البداية

الاثنين 28 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

ما الذي يمكن أن نقرأه في نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية؟ سؤال كبير وإجابته أكبر. في انتخابات تاريخية أولى وبعد ثورة شعبية عارمة بلا رأس قيادي أو حزبي، لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمآل الأمور ومزاج الناخبين متعددي الرؤى والأهداف، وإن اجتمعت أغلبيتهم تحت الظروف ذاتها المتسمة بالفقر والقهر.

لكن هذا لا يمنع من محاولة سبر أغوار هذه البئر المملوءة بالمفاجآت والمفارقات .. والطرائف أيضاً. فالشعب المصري مخزون هائل يحوي، رغم البؤس المزمن، كل صنوف الإبداع والتنوّع والظرافة وحالة من التوأمة مع النيل.

كان متوقّعاً أن يحصل مرشّح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، على أكثر من نسبة الـ 25 في المئة ناقصة بعض الكسور، بالنظر إلى الثقة العالية التي ظهر عليها أنصاره الذين اتكأوا على اكتساحهم انتخابات مجلس الشعب، لاستنساخ التوقعات. فـ «الإخوان المسلمون» حزب قديم في مصر والمنطقة، حزب منظّم لم يحك غبار السلطة معدنه أمام الشعب، وبدا دائماً، كونه خارج السلطة، على صورة مطابقة مع شعاراته الدينية والسياسية والمجتمعية، ذلك أن المعطف خلف الزجاج لا يحمل مواصفات تدل على ما سيصبح عليه بعد ارتدائه.

بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية جرت في نهر المزاج الشعبي المصري مياه كثيرة، سواء في الموقف المتقلّب من تظاهرات ميدان التحرير وأحداث العباسية الدامية، أو في العلاقة الغامضة مع المجلس العسكري مداً وجزراً، أو على مستوى الوضع المعيشي واليومي منذ سقوط رأس النظام السابق، وهي فترة ليست قصيرة لمن يملك خيارات حقيقية، خاصة في ظل ما ظهر من موارد باذخة في بعض الحملات الانتخابية. جاءت الانتخابات لتحشر شعبية الإخوان في زاوية الـ 25%، علماً أن الانتخابات المتعددة تعكس حقيقة الأحجام أكثر من جولة الإعادة التي تنحصر في الخيارين.

ليس هذا تشخيصاً نهائياً لحدث لم ينته بعد، بل قراءة أولية لحدث في بدايته، وسيبقى في بدايته بعد الإعلان عن النتائج الرسمية، وحتى بعد انتخاب الرئيس الجديد. هذا مبعثه النتيجة المذهلة التي حصل عليها أحمد شفيق، آخر رئيس حكومة في عهد حسني مبارك، حيث حصل على نسبة لم تكن متوقّعة وضعته في المركز الثاني. ربما يعود السبب إلى الفترة الضبابية ما بين سقوط رأس النظام والانتخابات الأخيرة، وهي مرحلة ظهر فيها المشهد بلا معنى مفهوم ولا طريق واضح أو هدف محدد. فالتظاهرة اليوم حلال زلال وغداً حرام وإثم كبير .. مسؤول يحاكم بتهمة الفساد ويقبع خلف القضبان، وآخر متهم بعشرات التّهم، لكنّه حر طليق. وإن أضفنا انعدام الأمن على النفس والشارع، وتدهور الوضع الاقتصادي، مع محاولات ربط هذا السوء بالثورة، بدا للكثيرين أن نار «زيد» أفضل من جنّة «عمرو»، لكن لا ينبغي نسيان أن الوحش الذي يموت لا ينتهي خطره، بل يستمر هذا الخطر مع جثته المتعفّنة.

في الجانب الأقل إضاءة من المسرح، حصل أيضاً ما لم يكن متوقّعاً، فمن ينتابه التشاؤم من حجم القوة التي أظهرها ممثلا النظام السابق، عليه أن ينتبه إلى النتيجة الإيجابية جداً التي حقّقها المرشح الناصري اليساري حمدين صباحي رغم موارده المحدودة جداً وتجرّده من المال السياسي الذي سبح في بحره آخرون. وإذا كانت هذه الانتخابات ليست أخيرة، فإن المرحلة المقبلة ستتيح لهذا التيار أن يلملم صفوفه وأن يتبلور كحزب سياسي قائم على أيديولوجيا ثورية وبرنامج سياسي وتنظيمي، الأمر الذي يمكنه أن ينظّم طاقات الجماهير باتجاه التغيير الحقيقي الذي يؤسس لنظام العدالة الاجتماعية، النظام الذي يعيد مقود القيادة العربية إلى مصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165433

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165433 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010