الأحد 13 حزيران (يونيو) 2010

“الراجـِل بيتـْمـِسِك مِنْ لِسانـُهْ”!

الأحد 13 حزيران (يونيو) 2010 par سماك العبوشي

ما أن أعلن السيد الرئيس حسني مبارك عن قراره “التاريخي!!” بفتح معبر رفح الحدودي وتسهيل أمر انسياب مرور البضائع والحاجات الإنسانية نحو غزة الصمود والصبر، حتى سارع رئيس تحرير الجمهورية القاهرية إلى نشر مقال خاص بغرض التمجيد بذاك القرار والتهليل له واصفاً إياه بأنه “ضربة معلم”، منوهاً عنه بأنه الأكثر رسوخاً وديمومة من باقي المواقف العربية والإسلامية الأخرى، فيما كان يغمز ويلمز من موقف حكومة تركيا والتي وصف مواقفها إزاء جريمة القرصنة الصهيونية تلك بأنها مجرد “أضغاث أحلام”، ولم ينقض إلا أسبوع واحد على قرار
فتح المعبر، حتى تناقلت وكالات الأنباء سريعاً خبر قيام السلطات الأمنية المصرية بمنع وفد قافلة “الحرية 2” المصرية والذي يضم تسع شخصيات برلمانية مصرية من إدخال مواد البناء والإسمنت والحديد إلي قطاع غزة عبر معبر رفح البري، هذا كما ونوهت تلك الأنباء عن قيام تلك السلطات الأمنية بسحب رخص سائقي تلك الشاحنات وتهديدهم بالاعتقال بعد أن كانت القافلة على مرمى حجر من المعبر الحدودي“20 كيلومتراً”!!.

وإزاء ذاك الخبر، فإننا نكون أمام واحد من أمرين اثنين أسوأهما مر ومستهجن ومستغرب:

أولاً ... إما أن يكون السيد رئيس جمهورية مصر العربية لا يعلم بأن قراره الذي اتخذه بفتح معبر رفح في أعقاب مجزرة قافلة الحرية إنما كان حبراً على ورق، لأنه ببساطة شديدة لم ينفذ بالشكل المطلوب والمتوقع!!. ، وذاك أمر يعد مصيبة بحد ذاته!!.

ثانياً .. أو أن سيادته كان قد أصدر قراره ذاك، وأنه كان قد أوصى سلطاته الأمنية بألا ينفذ بشكل كامل، وبذا يكون قراره بفتح المعبر قد صدر - كما توقعنا تماماً - بدافع امتصاص نقمة الشارع الفلسطيني والمصري والعربي والدولي، بمعنى أنه كان ذراً للرماد في العيون، وتلك لعمري مصيبة أعظم وأشد إيلاماً ووقعاً!!.

وفي كلتا الحالتين، سواءً إن كان سيادته لا يعلم أن قراره الرئاسي لم ينفذ، أو إن كان أمر قرار فتح المعبر كان ذراً للرماد في العيون، فإن ما جرى إنما يؤكد جملة حقائق أهمها:

أولاً ... أن الحصار المفروض على غزة وأبنائها إنما قد تم بتفاهم وتواطؤ ومشاركة النظام المصري، ودليلنا في ذلك :

1- ما عاناه أبناء غزة طيلة سنوات الحصار فيما كان معبر رفح المصري – الفلسطيني مغلقاً لا يفتح إلا متى ما رددت حكومة الكيان الصهيوني عبارة “إفتح يا سمسم”، أو عند حدوث حراك سياسي كما جرى لقافلة الحرية التركية والتي سقطت فيها كوكبة من الشهداء!!.

2- ما عاناه منظمو قافلة شريان الحياة من مضايقات وممارسات من قبل حكومة النظام المصري والتي أجبرت منظمي الرحلة تلك لتغيير خط سيرهم بعد وصولهم لميناء نويبع المصري بحجة السيادة المصرية وحماية الأمن القومي المصري!!!، فيما الحقيقة تقول بأن ذاك ما تم إلا لترضية حكومة “إسرائيل”، ومن يقف مؤازراً لها من دول غربية على رأسها دولة النفاق الأكبر - الولايات المتحدة الأمريكية-!!.

3- إقامة الجدار الفولاذي على الأراضي المصرية المواجهة والمطلة على الحدود المشتركة مع قطاع غزة والذي تم بإشراف وتمويل واستشارة الحكومة الأمريكية وذلك إمعاناً في تشديد الحصار على أبناء غزة والإيغال بخنقهم من خلال سد الأنفاق التي تمر من خلالها بعض الحاجات الإنسانية!!.

ثانياً ... عدم حيادية ونزاهة النظام المصري في جهودهم المبذولة والخاصة بالمصالحة بين فتح وحماس!!.
وإزاء تلك الحقائق التي ذكرناها آنفاً، فإن باقة من التساؤلات باتت تطرح نفسها:

1- ما الذي يمنع النظام المصري من ممارسة حقه الطبيعي في التحكم بمنفذه الحدودي السيادي المطل على غزة الصمود والشرف والإباء!!؟.

2- وإذا كان النظام المصري يخشى تدفق أسلحة إلى غزة، فهل تناسى بأن هذه القافلة التي منعها اليوم إنما هي مصرية تماماً، وتشمل مواد إنشائية كالحديد والإسمنت وبعض الأدوية الضرورية، وأنها قد تم شراؤها من السوق المحلية المصرية!!.

3- وما دام النظام المصري يعلم تماماً فحوى حمولة تلك القافلة المصرية، فإننا نكون قد توصلنا إلى حقيقة أسباب رفض النظام المصري إدخال مواد البناء وإعادة التعمير لغزة وذلك لمخافتها وخشيتها من أن تستخدم تلك المواد بإعادة ترميم ما تهدم في غزة، مما يعني ديمومة الحياة في غزة وعودة الحياة طبيعية إليها، وذاك بطبيعة الحال ما لا ترتضيه حكومة “إسرائيل” بالمطلق والتي أعلنت مؤخراً عن تخفيفها القيود على وصول بعض السلع الغذائية كالوجبات السريعة والمشروبات الغازية فقط!!.

إن حكومة الكيان الصهيوني قد أظهرت مكراً جديداً بالتفافها على الضغط الدولي الذي تعرضت له في أعقاب مجزرة قافلة الحرية، فأعلنت عن تخفيفها للقيود والحصار عن غزة من خلال سماحها بمرور مواد غذائية إضافية كـ “الوجبات السريعة والمشروبات الغازية !!” القادمة عبر المعابر التي تسيطر عليها واعتبارا من الأسبوع القادم كما جاء بالأنباء!؟، وإذا كان هدف حكومة الكيان الصهيوني من فرض حصار ظالم على غزة وأبنائها قد بات واضحاً ويتمثل بمحاولة فت عضد الصابرين في غزة ومحاولة تركيعهم وتغيير قناعاتهم الرافضة لنهج التسوية والحلول الاستسلامية، لاسيما ما أعقبها من إصرار صهيوني على تدمير شامل لمعظم البنية التحتية لقطاع غزة من خلال الجريمة الوحشية التي اقترفها جيش الاحتلال الصهيوني بحربه على غزة قبل أكثر من عام واحد، ورفضه بالتالي إعادة تعمير ما دمر من مرافق الحياة العامة في غزة، فإن قرار النظام المصري بمنع مرور قافلة الحرية 2 المصرية المحملة بمواد البناء كالإسمنت والحديد إلى قطاع غزة:

1- إنما جاء متناغماً وذاك الهدف الذي تصبو إليه حكومة صهيون، والمتمثل ببقاء الأحوال المزرية غير الإنسانية لأبناء غزة!!.

2- كما وأعطت الدليل الدامغ على عمق التنسيق بين النظام المصري وحكومة النتن ياهو والمتمثل بسيطرة الأخيرة على قرار فتح المعبر من قبل أحداث قافلة الحرية، ونوعية المواد المسموح إدخالها بعد أحداث القرصنة الصهيونية الأخيرة في عرض البحر والذي من تداعياتها الإعلان عن تخفيف الحصار “شكلياً” مع الإبقاء على منع دخول ما يعيد لغزة منشآتها وبنيتها التحتية المدمرة!!.

3- إن من المرجح والمؤكد بأن النظام المصري قد بات ينتظر ما ستقرره حكومة النتن ياهو، والتي توالت الأنباء لتؤكد بأنها تفكر في طريقة لتحسين تدفق السلع المدنية!!، حيث عقد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو محادثات بشأن هذه المسألة مع توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية لعملية السلام بالشرق الأوسط بعد اشتداد تعرضه لضغوط متزايدة لتخفيف الحصار على غزة منذ الهجوم الدموي الذي شنه قراصنة بحريته على سفينة مرمرة التركية أثناء توجهها إلى غزة الشهر الماضي.

كنا نأمل - بعد قرار فتح معبر رفح - أن يكون النظام المصري بقراره ذاك قد خطا خطوة بالاتجاه الصحيح ليرتقي بذلك إلى مستوى تطلعات الأمة والاصطفاف مع أبناء الجلدة المحاصرين والمعذبين، بعيداً عن الارتهان للعدو المحتل، فإذا بنا نزداد إحباطاً ويأساً من تلك الخطوة، هذا إذا ما تذكرنا بأننا العرب إنما نحترم الكلمة جيداً والتي تصدر من أفواه “الرجال” فلا نحيد عنها مهما كانت الظروف قاسية، ولقد قيل بالأمثال المصرية الدارجة “الراجـِل بيتـْمـِسِك مِنْ لِسانُهْ”!!!.

كلمة سواء بحق أبناء غزة الصابرين المرابطين، يقول رب العزة والجلال في محكم آياته : “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”( البقرة: 155 )، “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين” (الأنفال: 30( .

وكلمة نصح وسواء أخرى في أذان بعض من أبناء جلدتنا من العرب، سواءً ممن ارتضى السكوت على ما يجري بحق أبناء غزة، أو من اختار السير في طريق أضغاث أحلام العدو و خلف أوهام سراب سلام أمريكا ذات الكيل بمكيالين، يقول رب العزة والجلال في محكم آياته: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (الأنفال 36، 37)، “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ”( الرعد: 17)، “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ” (البقرة:120)، “أفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (البقرة: 75).



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010