السبت 26 أيار (مايو) 2012

64 عاماً من النكبة

السبت 26 أيار (مايو) 2012 par د. عبد العزيز المقالح

لم تعرف البشرية في تاريخها القديم والحديث نكبة أطول وأعرض وأعمق من نكبة الشعب الفلسطيني التي بلغ عمرها الآن 64 عاماً، شهد العالم خلالها سلسلة من الفظائع والمذابح التي كان يتلقاها هذا الشعب المناضل الصبور بمزيد من الإصرار على المقاومة والبقاء وتحدي الاحتلال والاستيطان. وفي كل عام تأتي الذكرى لكي تلقي بظلالها الحزينة السوداء على مرحلة عربية مريبة وملتبسة كانت وراء تلك النكبة التي كان من الممكن ألا تحدث وألا تأخذ هذه المساحة المظلمة من الزمن. فقد تجاهلت الأنظمة العربية الخطر المتمثل في الدعوة الصهيونية منذ وقت مبكر، وتركت القضية ليواجهها الفلسطينيون أنفسهم، في حين أنها لم تكن من صنع اليهود وحدهم، وإنما شاركت فيها قوى دولية كبرى تحقيقاً لمصالحها قبل أن تكون تحقيقاً لمصالح ومآرب العدو الصهيوني.

لم تكن القيادات العربية يومها - إذا افترضنا حسن الظن - تدرك حقيقة القوى الخفية والمعلنة التي تقف وراء هذه الطليعة الاستعمارية الاستيطانية المتخفية وراء دعاوى دينية ووعود توراتية مضللة. ومن هنا، ومن خلال هذا التصور المغلوط، تحدّدت ملامح النكبة وأخذت شكلها النهائي من مستوطنات، أو بالأصح مستعمرات صغيرة إلى كيان ودولة، وإلى قوة مسنودة بأساطيل جوية وبحرية، وبإمداد مادي ومعنوي يفوق الوصف.

والمخيف في موضوع النكبة هو تمددها من جزء في فلسطين إلى ما يكاد يقترب من كل فلسطين، مع استمرار تدفق المستعمرين (المهاجرين) واتساع دائرة الاستيطان، وتجاهل الرأي العام العالمي مخاطر هذا الأخطبوط، وشلل الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها الملزمة وهي كثيرة وعديدة وتحديها يشكل تحدياً مباشراً وقاسياً لهذه المنظمة الدولية التي كان العالم ومايزال يعول عليها في رفع المظالم والدفاع عن حقوق الشعوب. لقد تمدد الكيان الصهيوني وبدأ بالزحف على مدينة القدس التي كانت عربية خالصة، وتكاد الآن تحت وطأة الصمت العربي والتجاهل العالمي تصبح فاقدة لهويتها العربية، وأخشى أن أقول خالية من أبنائها العرب مسلمين ومسيحيين، وما يمثله هذا الزحف الاستيطاني من تأكيد للنكبة وتعميق لنتائجها الفاجعة.

ولعل ما أعاد بريق الأمل وأشعل شموع الرجاء في هذه الذكرى جحافل الشباب العربي في ساحات الثورة وهم يهتفون لفلسطين ويتذكرون بعيون دامعة وسواعد عالية متحدية فصول المأساة ورفضهم المطلق لكل ما تم ويتم في فلسطين من عدوان مستمر على الأرض والبشر، وكنت وآخرون كثيرون، ومن المتابعين والمتعاطفين مع ثورات الربيع العربي، نفتقد اسم فلسطين والحديث بصوت عال عن مأساتها التي لا تحتمل الغياب ولا الإرجاء، ولكني بعد أن شاهدت في هذه المناسبة مواقف الشباب وإصرارهم على إحياء ذكرى النكبة بطريقة تختلف كثيراً عن إحيائها في السنوات الماضية، أحسست بالمعنى الكبير الذي يتجلى وراء ذلك التعبير المتداول «ما ضاع حق وراءه مطالب»، ومن يطالبون بالحق الضائع على أرض فلسطين هم كل الشعب العربي بملايينه الثلاثمئة والخمسين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010