الجمعة 25 أيار (مايو) 2012

يوم «استقلال إسرائيل» أم نكبة فلسطين؟.. قراءة في معنى النكبة

الجمعة 25 أيار (مايو) 2012 par بروفيسور نصير عاروري

في منتصف شهر أيار الحالي حلت الذكرى 64 لإقامة «إسرائيل» التي يحتفل فيها الصهاينة بمناسبة ما يسمونه «يوم الاستقلال». ويتزامن هذا الاحتفال مع إحياء الفلسطينيين ذكرى نكبتهم التي بدأت بترحيل 200 الف فلسطيني داخل فلسطين 48 وانتهت بـ 800 الف خارجها، أي ما يعادل ثلثي السكان حتى عام 1949، إضافة الى تدمير 453 قرية فلسطينية.

وبرغم الدعاية الصهيونية القائلة بانتصارها على 7 جيوش عربية، يقال أنها حاولت منع ولادة هذا الكيان وخنقه في مهده، هناك رواية مضادة تماماً لهذا الادعاء: وهي المذابح الموثقة التي قامت بها العصابات الصهيونية لإجبار السكان الأصليين على الهرب، والتخطيط الاستراتيجي من قبل الحركة الصهيونية لتطهير البلاد منهم عرقياً، والتجهيز العالي المستوى للعصابات الصهيونية المجهزة والمدربة جيداً نتيجة الخبرة التي اكتسبتها في جيوش الحلفاء اثناء الحرب العالمية الثانية.

الثابت تاريخياً هو مواجهة العصابات الصهيونية لقوى مقاومة فلسطينية غير منظمة ومجهزة بشكل سيء، ونجاح هذه العصابات في تطهير غالبية البلاد عرقياً من الفلسطينيين، وتم ذلك كله قبل دخول جيوش الدول العربية المستقلة حديثاً الحرب بقوات تفتقر إلى المعدات الحديثة وغياب قيادة مركزية لهذه الجيوش.

في هذا العالم الغريب تتهم «إسرائيل» ضحيتها بارتكاب الجريمة، ولم تتحمل المسؤولية عن ما قامت به تجاه ضحيتها، ولم تقدم للضحية الاعتذار المطلوب والمناسب. ما يحدث هو العكس تماماً، «إسرائيل» تنتظر من ضحيتها ان تقدم لها اعتذاراً وتطالب هذه الضحية ان تجتهد للصلح معها. والشيء الغامض والمثير هو مشاركة موظفين فلسطينيين ورئيس إحدى المنظمات الفلسطينية - الأمريكية في احتفالات «إسرائيل» بما تسمية «يوم الاستقلال»، أي بالجريمة التي ارتكبتها بحق شعبهم، بينما الواقع يقول ان «إسرائيل» ولدت من رحم الجريمة المتمثلة في الاستيلاء على ارض شعب آخر وهي المسألة التي لم تناقش بشكل جدي وعلني أبداً.

والملاحظ انه يستمر الفشل في مناقشة هذه المسألة علناً، برغم العديد من الحقائق التاريخية الدامغة التي توصل إليها «المؤرخون الإسرائيليون الجدد» من الذين يرفضون تحمل المسؤولية الأخلاقية او القانونية عن جريمة شطب شعب فلسطين من الخارطة. والحقيقة ان نشر الرواية المشوهة والكاذبة حول أسباب الاستيلاء على اراض الفلسطينيين هي مبدأ صهيوني صميم، قائم على خشية صهيونية من ترسخ الشك في لا شرعية وجودها. وأمام هذا الواقع يطرح سؤال كبير عن معنى الحديث عن الصلح او التكفير عن الأخطاء التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، طالما يستمر استبعاد نقاش جذور المسألة علناً أمام الرأي العام. ليس ذلك وحسب بل ان أية محاولة لنقاش علني للمسألة يواجه بالرد النمطي الصهيوني الجاهز وهو وصم من يقوم بها بالعداء للسامية لإسكاته. مع انه لا جدال في حقيقة انه لولا التطهير العرقي للفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم لما ولدت «إسرائيل»، وحتى الآن يتم استبعاد هذه الحقائق البسيطة والمنطقية من النقاش ويتم الاستيعاض عنها برواية خادعة ومضللة.

وبالرغم من العلاقة العضوية بين نكبة فلسطين وولادة «إسرائيل» في ارض الفلسطينيين، لم يغامر أي مسؤول رسمي «إسرائيلي» للدعوة الى التكفير عن الجريمة المرتكبة بحق الفلسطينيين، والتي لولا حصولها لما ولد كيانه. وتخشى «إسرائيل» أيما خشية من الاعتراف بالمسؤولية عن النكبة، هذا الاعتراف الذي سوف يعطي مصداقية لمطالب الفلسطينيين المشروعة، مما سيقود منطقياً الى فقدان الرواية «الإسرائيلية» لمصداقيتها.

وكلما كان اضطرار «إسرائيل» لإعطاء مبررات قانونية واخلاقية لجريمتها أقل، تستمر ضمانات سيطرتها واحتلالها وتسيّدها، وهي تستميت في الحرص على ان لا يفهم أي اعتراف بالجريمة كعلامة ضعف وترهل لديها.

والواضح ان «إسرائيل» غير مضطرة لإعطاء مبرر أخلاقي وقانوني لجريمتها بحق الشعب الفلسطيني، وهي تتبع بدلاً عن ذلك إستراتيجية هجومية كأفضل طريقة للدفاع. وعليه فإن العنف «الإسرائيلي» المستمر منذ الأربعينيات ضد الشعب الفلسطيني، بموازاة جهودها الحثيثة للتطبيع مع سلطة الحكم الذاتي والحكومات العربية، تشكل مجتمعة جزءاً في غاية الأهمية من هذه الإستراتيجية الشاملة لطمس الحقائق.

لا يخفى على المراقب الحصيف ان الإستراتيجية الصهيونية تعمل على قلب الحقائق رأساً على عقب: فبكل بساطة تم شطب وجود الفلسطينيين وأصبحت الضحية هي «المجرم»، والاستيطان «تنمية»، والمقاومة المشروعة «إرهاب»، وحق عودة اللاجئين «تهديد ديموغرافي» لـ «إسرائيل» وهويتها اليهودية. وباختصار تسوّق الإستراتيجية الصهيونية الهجومية ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال العسكري على أنها حرب دفاعية كتلك «الحرب ضد الإرهاب» التي تعلنها الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق يتم حجب الحقيقة الدامغة وهي ان «إسرائيل» تقود حرباً عدوانية شاملة ضد مواطنين مدنيين في الغالب يكافحون لإنهاء احتلال بغيض وغير شرعي، ويتم ذلك من خلال حملة علاقات عامة خبيثة ومضللة في وسائل الإعلام الأمريكية التي تتحمل مسؤولية أخلاقية في ذلك وتلعب دوراً في هذه الحملة، بالرغم من انه يتم ارتكاب جرائم حرب في المناطق المحتلة تستدعي محاكمة مرتكبيها وعقد محكمة على غرار «محكمة نورنبرغ»، يضاف الى ذلك تجاهل حقيقة استمرار الشعب الفلسطيني في مقاومته المشروعة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية الهزيلة.

ومع ذلك وبالرغم من الإستراتيجية الصهيونية والتكتيك الخبيث الذي يوحي بتحقيق النصر على الشعب الفلسطيني، لم تتراجع عزيمة الشعب الفلسطيني وروح المقاومة فيه. فمقاومته وصموده يمنحان الأمل في مستقبل تتحول فيه احتفالات «إسرائيل» في منتصف شهر أيار من كل عام بما يسمى «يوم الاستقلال» الى مواسم يطلب فيه الجلادون الصفح من ضحاياهم، والى منابر للاعتراف بعدالة مطالب الشعب الفلسطيني وان غداً لناظره لقريب.

[rouge]-[/rouge] [bleu]ترجمة : م. نمر عاروري.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2182014

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

65 من الزوار الآن

2182014 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 60


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40