الجمعة 25 أيار (مايو) 2012

فصلان من كتاب جديد | المستقبل لم يبدأ.. والنظام لم يسقط بعد!

الجمعة 25 أيار (مايو) 2012 par د. مجدي حمّاد

[bleu marine]تنشر «الموقف» الفصلين الختاميين من كتاب جديد للكاتب ـ الباحث المصري الدكتور مجدي حمّاد، يحمل عنوان: «ثورة مصر ـ مشروع نهضة عربية»... وتم اختيار الفصلين لأنهما يتضمنان أبرز الأسئلة والاستنتاجات.

والدكتور مجدي حمّاد، الذي ترك الديبلوماسية والعمل في جامعة الدول العربية والدراسات والأبحاث، يتولى حالياً رئاسة الجامعة اللبنانية ـ الدولية في لبنان، وهو عضو في مجلس أعضائها.[/bleu marine]

[rouge]I[/rouge]

يمكن القول إن الثورة العربية التي تجتاح الوطن العربي من خليجه إلى محيطه ليست إلا محاولة واجتهاداً وسعياً للبحث عن هوية مستقبلها، وكرامة أجيالها القادمة. بإيجاز هي ثورة لوضع حد لعصر غابت فيه الحرية، وفقدت الشعوب خلاله سماتها، وخصوصية أوطانها، وملامح حضارتها الخالدة، إنها دعوة للتغيير والانطلاق نحو آفاق مستقبل أرقى وأفضل.

وتجدر ملاحظة أمر معبر وهام، إن الثورات لم تصرخ الموت لـ «إسرائيل»، أو الموت للشيطان الأكبر: الولايات المتحدة، بل ارتفعت الأعلام الوطنية، ففي ثورة تونس كان اسمها فوق كل لسان، وفي ثورة ميدان التحرير رفع العلم المصري، وبادرت الثورة الليبية قبل كل شيء برفع علم الثورة، ومن الأمور الواضحة في تلك الثورات أنها لم تلجأ إلى عداء دولة، ولم تستخدم العنف، ولم تطلب الموت، حتى لجلاديها وحكامها، بل ابتعدت عن استدعاء الشعارات الدينية، ولذا يمكن القول من دون إسراف إنها ثورات المستقبل القادم على الحاضر الراكد المستكين، وعلى الماضي الأليم الذي قيدت فيه الشعوب في سجون من الفكر المتجمد، والتقاليد البالية، بل والأساطير الباطلة، هذه الثورات خروج من كهوف الخوف والإذلال، إلى ساحات الأمل والاعتزاز بالوطنية والعزة، وأروع ما في هذه الثورات بعدها التلقائي عن كل تطرف أو تعصب أو تزمت، كأنها تفتح صفحة جديدة في تاريخ العرب بعد قرن من الزمن، انطلق فيه العالم إلى حضارة علمية وتكنولوجية وسقطت فيها الحواجز الجغرافية بل والتاريخية، وجاءت الثورة لتسقط الحواجز النفسية، لقد جاهد أبطال الاستقلال لطرد المستعمرين الغربيين، وحرروا بلادهم، وسعوا إلى إقامة أوطان حرة مستقلة، وخاضوا حروباً لتحقيق أهدافهم، ثم سرق الحكام فيما بعد هذه الأوطان، وتحكموا في شعوبها عقوداً طويلة، حتى جاءت هذه الثورات لتعيد الكرامة المفقودة.

هذه الثورات العربية تواجه تحديات تنذر بخطر إجهاضها، والعودة بالشعوب إلى عصور الصمت والخوف، بل إلى الفقر والجوع وفقدان الحرية والكرامة، ومن هذه التحديات الفتن الطائفية، والتطرف الديني، رفض الحداثة والديموقراطية، وينبغي الاعتراف ان العقلية الديكتاتورية لا تزال تسيطر على فكر شعوب المنطقة، التي تخشى كلمات مثل المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون، بل إن فئات معينة قد تتمنى حاكماً ديكتاتورياً يعيد الاستقرار والأمن، بشرط أن يكون «ديكتاتوراً عادلاً»، وكأنهم يبحثون عن وهم وسراب، فلم يلد التاريخ البشري ديكتاتورية عادلة، أو ديكتاتوراً صالحاً، لأن الديكتاتورية في ذاتها شر وبلاء مستطير، وهي من بقايا أساطير الحكم بالتفويض الإلهي أو الثيوقراطي، وعصمة الحاكم ذاتها من بقايا عصور الخوف من اقتحام المشكلات والمغامرة بالتجديد، تلك كانت واقعاً عند الشعوب التي تعيش مرحلة الطفولة السياسية والثقافية والدينية.

لقد انحسرت فكرة القومية العربية بعد هزيمة 1967، وكان لا بد لإيديولوجية جديدة تحل محلها وتنتشر في الوطن العربي، ووجد التيار الديني فرصته، ونما وترعرع حتى أضحى قوة مؤثرة في كل أنحاء الوطن العربي، وبرغم الحماس والانتشار فإن القضايا العربية تراجعت، بل لم تجد حلولاً، ولم تتقدم التنمية، ولا ساد القانون، وسرق حكام الأوطان حريتها الحقيقية، وكرامة تاريخها، بل ورؤيتها للمستقبل. لذا تواجه الثورات العربية هذه التحديات، وأمام تحدي الفتن ينبغي أن يقوم القانون سداً منيعاً، فالمساواة بين البشر من القيم الثابتة، والمواطنة هي البديل لهذه الفتن، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وأمام تحدي التطرف الديني ينبغي أن تكون العدالة الحكم الرادع، بلا تمييز أو تفرقة، فتلك منحة من الخالق: حرية العقيدة والعبادة، وليس من حق إنسان أن يسلبها من إنسان مختلف عنه ديناً أو مذهباً، أما رفض الحداثة فهذا سير ضد التاريخ والتقدم، والعالم دوماً في جديد، والمستقبل دوماً لم يبدأ بعد!

ترى هل تعبر الثورات العربية هذه التحديات؟ لا شك في أن مشهد الافتتاح الثوري العظيم، من تونس إلى مصر، يؤكد أن الشعوب العربية قادرة على ذلك، بكل ما تملك من أسباب القوة والحكمة والخبرة.. ولا خوف من المستقبل.

في ضوء ذلك، يمكن الانتقال إلى الكتاب الثاني من هذه الدراسة عن «ثورة مصر»، الذي يتخذ له عنواناً فرعياً: «بناء المستقبل»!

[rouge]II[/rouge]

الوضع السياسي الذي استجد في الوطن العربي، والذي لا يزال يستخرج طاقته وقوته، يتمثل في أن هناك حالاً ثورية شعبية عميقة، وهي أشمل وأعمق مما مر في عشرات السنين الماضية، من حيث الانتشار الشعبي، والحماس، واستخدام أكثر أساليب العصيان المدني شمولاً وتحضراً، من المأمول لها طول النفس، وأن تتوسع شمولاً شعبياً، وانتشاراً في أقاليم مصر، وغيرها من الدول العربية، ومدة طويلة متتابعة الحلقات حتى تؤتي كل ثمارها لشعب ما أروعه، وما أكثر ما يستحق.

هذا الحراك الشعبي لا يزال يضغط على أجهزة الدولة وأدواتها، ولم يتمكن بعد من بلوغ غايته في تعديل أركانها وقوائمها، وهو حراك لا شك يجد صدى تعاطف في داخل أجهزة الدولة، وبين شرائح العاملين فيها، وعند أجنحة من القائمين عليها، وهذا التعاطف على أسس من التوجهات الوطنية، هو مما قد ييسر السبل لتشارك حميد، وأن أجهزة الدولة المصرية كانت دائما مكونة من مصريين لا ينفصلون عن عامة المصريين، في أوضاعهم الثقافية والحياتية والاقتصادية، وما أكثر من يستجيبون لتيارات الشعب المصري من بينهم، لولا الخضوع الرئاسي للأجهزة الإدارية. إن هذا الحراك الشعبي الثوري العميق يشيع أثره بين عامة العاملين في أجهزة الدولة العسكرية والمدنية في انجذابهم لحركة الشعب، في مواجهة القلة التي سيطرت ولا تزال بقاياها مسيطرة على أجهزة مهمة في الدولة، في عهد «مبارك»، بخاصة هذه الجماعة التي اقتحمت جهاز إدارة الدولة في السنوات العشر الأخيرة، وعاثت فيه فساداً وإفساداً وهدماً وتفكيكاً، وهم على التحديد ممن سموا أنفسهم رجال أعمال وقيادات في الحزب الوطني ولجنة السياسات به وغيرهم.

والشاهد أن ما حدث حتى الآن أن الحركة الثورية قد أنتجت الإطاحة الفعلية بعدد من رجال هذه الشريحة، وهم من كانوا يسيطرون على رأس الدولة المصرية، بمباركة ودعم من رئيس الجمهورية وحماية منه، بخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث خلت لهم الأجواء تماماً، بغير مقاومة من القيادات الأخرى بجهاز الدولة.

كما أن هذه الحركة الشعبية أنتجت الإضعاف الظاهر للنفوذ السياسي لجهاز الشرطة، وتكاد تكون قد أبعدت أثره لا من حيث وظيفته في حماية الأمن ولكنها أضعفته وقلصت دوره السياسي الذي كان نما واستفحل بين أجهزة الدولة المصرية خلال السنوات العشرين او الثلاثين الأخيرة. كما أن هذه الحركة أعادت للقوات المسلحة المصرية مكانتها السياسية التي كانت لها قبل عصر «مبارك».

إن ما حدث لم يصل بعد أثره شبه المتحقق إلى أكثر مما تقدم، وهذا قدر من الإنجاز لا بأس به ويستحق التقدير الكبير، لأن ما تعرضت له مصر في السنوات الأخيرة كان أشبه بمرض عضال، وكان من شأن بقائه أن يميت من يبتلى به، ولكن هذا الإنجاز غير كاف لإنقاذ مصر والخروج بها من حال الوهن التي ألمت بها، وهو إنجاز لا يكفي لتحصين المجتمع المصري من مخاطر أن تلحقه نكسة هذا المرض العضال. ونحن بحاجة ماسة وملحة إلى مزيد من المنجزات الشعبية لبناء نظام جديد يحصن مصر من أمراض حكم الفرد المطلق وشخصنة الدولة والعزلة والبيروقراطية عن المجتمع، ويعيد إلى جهاز الدولة المصري وإلى المجتمع القدرة على النهوض الحر واسترداد الإرادة الوطنية.

يكفي دليلاً على أهمية تحصين جهاز الدولة والمجتمع ضد أمراض الاستبداد، التي فتحت الطريق لسرقة الدولة المصرية لعشر سنوات أو أكثر، من رجال هم أشبه بالعصابات التي تتسمى باسم رجال الأعمال، وبمن سموا أنفسهم من الساسة بأصحاب «الفكر الجديد» الذين كان يمثلهم «جمال مبارك» ـ أن بلغ فجور تلك العصابة في الدفاع عن مكانتهم في أجهزة الدولة ضد الحركة الثورية، أنهم سحبوا الشرطة من مدن مصر الكبيرة، وفتحوا السجون لإخراج الأشقياء منها، بما يشمل ذلك من احتمالات تخريب وتدمير وإشاعة الفوضى الكاملة الشاملة. وهذا أمر لم يُعرف له مثيل، لا في تاريخ مصر، ولا في تواريخ البلاد الأخرى، وهو أن تتخلى دولة عن وظيفة حماية المجتمع، بل وتطلق المجرمين على الأهالي جميعاً، كما حدث في يوم الجمعة 28 يناير سنة 2011، وهي كذلك بعد أن سحبت الشرطة، وجمدت قوات الجيش في المدن، أطلقت في 2 فبراير «بلطجية» يقتلون المتظاهرين في ميدان التحرير. هل عرفت جماعة حاكمة، تملك زمام دولة، سحبت الشرطة، وجمدت الجيش، وأطلقت عصابات بلطجية ضد شعبها؟ إنها حكومة ودولة لم تكن تعبر عن طبقة اجتماعية ذات مصالح اقتصادية مستقرة وثابتة، لكنها كانت تحت سيطرة ما يشبه العصابة، فلا عجب أن يفهموا في دفاعهم عن ذواتهم ما معنى دولة وما معنى شرطة وما معنى قوات مسلحة، وأن يعتمدوا في الدفاع عن أنفسهم ومراكزهم على عصابات البلطجية. وأن العبرة التي يتعين الخروج بها من هذه التجربة، هي أن هذه الميكروبات التي حلت بالدولة وأجهزتها هي من نتاج سلطة الفرد المطلقة وشخصنة مناصب الدولة، وهي من المضاعفات المرضية لهذا الأمر.

والظاهر أن قيادة أجهزة الدولة التي انفردت بالقيادة، بفعل الحركة الشعبية الجارية، ربما تحاول أن تكتفي بما أفضت إليه الحركة الثورية من استعادة القيادات التقليدية لأجهزة الدولة لسلطانها ونفوذها وتخلصها من سيطرة الفئة التي طرأت عليها في السنوات العشر الأخيرة تحت قيادة «جمال مبارك» وبمباركة أبيه وحمايته، وهي تكاد تقول للحركة الشعبية، شكراً لكم لما أنجزتم ويكفي هذا. لكن على هذه القيادات ان تعرف أن ما استعادت به نفوذها المتفرد في الحكم وما أعاد إليها سلطاتها التي كانت مسلوبة، هي هذه الحركة الثورية الشعبية التي قدمت قرابة الألف شهيد وخمسة آلاف جريح من أطيب شباب شعب مصر.

إن على الحركة الثورية القائمة أن تبقي سيطرتها على الرأي العام المصري، ووجودها بالشارع المصري، في مدنه وقراه، وأن تعمل على أن تتجسد في مؤسسات وتشكيلات تنظيمية، قادرة على إبقاء هذه الحال الثورية، والتعبير عن تصميم الشعب المصري على التحرر من الاستبداد الداخلي، وحكم الفرد المطلق أو حكم قلة من الأفراد، وتصميمه على مساندة حكومته في توجهها المطلوب لاسترداد الإرادة الوطنية المصرية، وتحريرها من الضغوط الدولية الخارجية عليها، بخاصة الضغوط الأميركية و«الإسرائيلية».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010