الجمعة 25 أيار (مايو) 2012
إثنا عشر عاماً على التحرير: فرحة مجروحة بالقلق على الوطن...

الاحتلال مرّ من هنا.. ما زال هنا؟

الجمعة 25 أيار (مايو) 2012

اثنا عشر عاماً مرت على تحرير أجزاء من الجنوب والبقاع الغربي وراشيّا من الاحتلال «الإسرائيلي»، والسؤال نفسه يتكرر: هل يكون الاحتلال عسكرياً فحسب، أم بأشكال أخرى؟

البعض يرى أن «إسرائيل» موجودة عبر شركاتها التي تبيع منتجاتها في جميع أنحاء العالم... منها لبنان. والبعض الآخر يرى أن الاحتلال عبر العملاء المنتشرين على جميع الأراضي اللبنانية. وهناك من يرى الاحتلال في القنابل العنقودية المزروعة في الحقول والبساتين.

الأخطر، هو أن هناك مواطنين لبنانيين يعتقدون بألم أن طريقة إدارة البلد سياسيّاً واقتصاديّاً، من تحريض على الانقسام، وممارسة الفساد بأشكاله، والتبعية للقوى الخارجية، والإهمال، وتفريخ قوى متطرفة... توفر على «إسرائيل» جهودها للعبث بالوطن.

لكن، وسط ذلك، لا بد من الأمل بأن من يريدون الحرية والتغيير في أوطانهم حالياً، هم الذين سيفتحون الطريق لمن يطالب يوماً ما بالحرية لفلسطين.

واليوم، تحتفي تلك الأرض التي كانت محتلة قبل اثني عشر عاماً، في حريّتها، لكن بقلق على لبنان الذي يشهد يوميّاً حوادث مؤلمة وخطرة تُنسي المواطنين الفرح والتنمية.. وسط إحساس بأن الأمن أولاً. ولا أمن مع الاحتلال، أو مع خطر محدق.

يضحك أبو وليد حين يُسأل عن رأيه في «إسرائيل»، في ذكرى التحرير. هو لا يعرف ماذا بقي من هذا الاحتلال وما الذي لم يبقَ منه بالتحديد. يسأل: «هل نتحضّر لضربة جديدة في لبنان؟». فيوم الذكرى صحيح قريب، وهو يعرفه من تعميم جاءه من مدرسة الأولاد يفيد بتعطيل الدروس للمناسبة. لكن التحرير بحدّ ذاته، أضحى حدثاً بعيداً بالنسبة إليه. و«لماذا الحديث عنه في الأصل؟». يحاول الرجل الستيني قياس الزمن من خلال عمر ابنه الذي ولد بعيد الحدث و«صار شاباً اليوم» (12 سنة). ثم يقارن الحدث بالحوادث التي توالت على لبنان، لا سيما منذ العام 2005، أي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. من دون أن ينسى أن «إسرائيل» عادت ذات صيف، في العام 2006، ودمّرت وقتلت وشرّدت وهجّرت وما زالت آثارها محفورة على أجساد كثيرين ومنقوشة على حجارة كثيرة في الجنوب. ويسأل: «عن أي تحرير نتحدث؟».

يعتبر ابن كسروان أن لا معنى للذكرى اليوم وأن اللبنانيين، يهدفون من إحيائها إلى الحصول على جرعة من الفخر والاعتزاز أمام «جبار» يهابونه حتى بعد الانتصار عليه في العام 2006. وبالنسبة إليه طغت على الحدث أحداث أليمة كثيرة عصفت بلبنان وما زالت تعصف به. اغتيال الحريري واحد منها، وانقسام لبنان إلى شارعين حدث آخر، أما الفلتان الأمني فبات طبقاً يومياً، لا سيما مع انفلات الوضع في سوريا وما يترتب عليه من نتائج في لبنان.

ولعلّ خطر الوضع المعيشي يكاد يتفوق على الخطر الصهيوني، بالنسبة إلى أبو وليد، الذي رأى في سقوط النائب السابق منصور غانم البون في الانتخابات النيابية الأخيرة «نكسة» هدّدت معيشته «لأن البون خدوم»، وفي الغلاء المستشري «نكبة» تهدد لقمة العيش من شمال لبنان إلى جنوبه.

وإذا كانت «إسرائيل» «حاضرة» و«غائبة» في الوقت نفسه بالنسبة لهذا الرجل، فإن أبو محمود ابن البازورية ما زال يعيش على إيقاع احتلالها، هو يعتبرها «أصل كلّ علّة»، والمحرّك الرئيس لكل ما شهده ويشهده لبنان من أحداث داخلية.

تربى الرجل الخمسيني على فكرة العدوّ الواحد، الذي يرى فيه عدواً للإنسانية جمعاء، «حتى أميركا القوة العظمى في المرحلة الحالية، ترتهن لإرادة «إسرائيل»». ويجد أن علينا دائماً أن «نحسب حساب للعدو الغدار الذي لا شبيه له في التاريخ».

يصلّي الأب لخمسة صبية، كلما زرع حقوله، كي تنبت بـ«سلام» ويبعد عنها الله ضربة من «إسرائيل». فلا يمكن لابن الجنوب إلا أن «يحسب لها حساباً» ولو أنه يعتبر أن «صفعة» العام 2006 ما زالت آثارها بادية على وجه الكيان الصهيوني.

من هنا الحديث عن سلام أو تفاوض أو حتى أي صيغة للتعامل مع هذا العدوّ من دون استخدام السلاح، أمر مرفوض وبشدّة منه لأن «للعدوّ الاستثنائي مقاومة استثنائية خصوصاً أن التواصل معه ديبلوماسياً لا شكّ خاسر وما التجربة إلا خير برهان».

أمام الحسم الذي يبديه أبو محمود، يبدو شباب اليوم في حالة ارتباك تجاه «إسرائيل» تحديداً. فالداعم منهم للمقاومة والمختلف معها على قاعدة تشجيعه فريق 14 آذار، يؤكدون أنه يجب البحث في وسائل تضع حدّاً لهيمنتها على المنطقة من دون الانجرار إلى الحرب. وإذ بدأ يتقبل مؤيدو 14 آذار فكرة السلام والحوار و«لكن من موقع القوي لا الضعيف»، وفق جاد، طالب الحقوق في «جامعة القديس يوسف». يجد شباب، مثل رائف، طالب الاقتصاد في «الجامعة الأميركية في بيروت»، أن الحوار لن يجدي نفعاً «بل علينا البحث عن سبل جديدة على غرار تأسيس لوبي قوي وفعال في دول الاغتراب لجذب الرأي العام العالمي لمصلحتنا، يساندنا للتخلّص من هيمنة هذا الكيان». لا يجرؤ رائف على الإدلاء بتصريحه هذا أمام والده الذي يكرّر له دوماً أن «التاريخ يثبت زوال الكيان الصهيوني. وزواله لا شكّ قريب». لكن رائف يعتبر أن ما أثبته التاريخ في حروب مختلفة لن يسري على «إسرائيل».

تبرهن الجولة على عدد من الجامعات أن الشباب لا يولون أهمية لذكرى التحرير. ويظن عدد كبير منهم أن الأحداث التي يشهدها لبنان والمنطقة من جهة وممارسات السياسيين اللبنانيين من جهة أخرى وقعها أشدّ خطورة على لبنان واللبنانيين. حتى إن أحدهم قال: «نعاني من «إسرائيل» على الحدود ومن عزرائيل في الداخل».

[rouge]مقاطعة[/rouge]

في لبنان من يأخذ العدوّ «على محمل الجدّ» ولا ينتظر أن يُحارب باسمه ومن أجله. وهو يعتبر أن المقاومة ضدّ «إسرائيل» لا يجب أن تحصر بالمقاومة المسلّحة. هكذا يسجّل رئيس حملة مقاطعة «إسرائيل» سماح إدريس أسماء الشركات الداعمة للكيان الصهيوني والتي تسوّق بضاعتها في لبنان. من هنا يقول: ««إسرائيل» ما زالت موجودة في لبنان عبر شركات «إسرائيلية» وليس داعمة لـ «إسرائيل» فحسب. وقد أبلغنا مكتب مكافحة «إسرائيل» أسماء شركتين أو ثلاث توزّع بضاعة في الأسواق اللبنانية مصنّعة فيها. وقد تحرّك فعلياً مكتب الأمن العام لعدم توزيعها».

وتطال الحملة التي يلتزم بها عدد من اللبنانيين الشركات التي تقدّم دعماً مباشراً للصندوق القومي «الإسرائيلي»، أو لرعاية أنشطة ثقافية وفنية «إسرائيلية»، أو مستثمرة في «إسرائيل».

ويلفت إدريس إلى أنه «من قبيل المفارقة المؤسفة أن كثيراً من الناس الذين يقاتلون «إسرائيل» بالسلاح بيد، يدعمون اقتصادها باليد الأخرى». ويشير إلى مقاطعة الحملة لنحو ثلاثين شركة داعمة للكيان الصهيوني، موضحاً أن عشراً منها تدعم بشكل مباشر ورئيسي هذا الكيان ومنها شركة (GE) التي دخلت في مناقصة الكهرباء في لبنان. وفي رأيه أنه يجب مقاطعة شركة «كاتربيلير» التي تبيع جرّافات لـ «إسرائيل» تهدم بها مخيّم جنين، وكذلك الفنانون الذين يحيون حفلات داعمة للعدّو.

تلقّت «إسرائيل»، في رأي إدريس، ضربة قوية بطردها من لبنان ولكن «من السذاجة أن نفكّر أننا انتهينا منها، لأنها ما زالت موجودة من خلال عملائها وقنابلها العنقودية، وباحتلالها مزارع شبعا. وهي تمارس علينا استيطاناً فكرياً. وإن دحرت عسكرياً فما زالت موجودة بأشكال مختلفة».

[rouge]توازن الرعب[/rouge]

للباحثة في علم الاجتماع منى فيّاض رأي آخر: «بلدنا لم يكن يوماً محتلاً بكامله، وبالتالي نحن لم نخسر دولتنا أو هويتنا. من هنا، فإن هذا المحتل الذي استولى على جزء من لبنان في فترة مضت لم يمنعني، وأنا أعيش خارج الجزء المحتل، من ممارسة أموري العادية كمواطنة، كما الحال مع الفلسطينيين. وإلا اعتبرت كل الدول العربية محتلة من «إسرائيل»». بناء عليه تعتبر فيّاض أن ما يعاني منه لبنان اليوم هو «التهديد» الدائم، «لأن وضعنا كلبنانيين لا يشبه وضع فلسطينيي 48 الذين لا يحملون جواز سفر فلسطينياً بل «إسرائيلي»». بالطبع هي عدو، تضيف، و«قد علّمها اللبنانيون بنضالهم ألا تحتلنا من جديد».

لكن البسالة بالنسبة إلى فياض ليست السبب الوحيد الذي يبعد «إسرائيل» اليوم، فهي تؤكد أن السلوك الداخلي للبنانيين، من سياسيين ومواطنين، «يوفّر على «إسرائيل» بذل الجهد للعبث بالوطن»، تماماً كالحوادث في سوريا.

ما يمكن أن يثير الخوف لدى الكيان الصهيوني، وفقها، هو التحركات الشعبية والثورات التي نشأت في العالم العربي، أي في مصر وتونس وليبيا، حيث بدأت صناعة مواطنين سيطالبون يوماً ما بتحرير فلسطين.

وتلفت إلى أن الرأي العام العالمي الذي يضغط للوصول إلى مجتمعات أكثر ديموقراطية، «لا يمكن أن يناصرنا إذا كنا نكيل بمكيالين، فندين «إسرائيل» ولا ندين العنف الداخلي الذي تمارسه أنظمتنا ضدّنا». وهي تتخذ مثالاً لذلك الأحداث الأخيرة في سوريا «حيث تسحق دبابات النظام آلاف المواطنين».

الأمر أشبه بحلقة مفرغة، حين تشير فيّاض إلى أن العنف الأول الذي يقف خلف مشاكل المنطقة هو احتلال «إسرائيل» فلسطين «الذي سمح بالزبائنية والفساد وبالأنظمة التي تحكمنا».

في خلاصة الكلام، في لبنان فساد وانقسام وتبعية للخارج تعادل الاحتلال وتقوم مقامه، وبالنسبة إلى فياض «هناك كتل ومذاهب على رأسها مستبدون ولها حلفاء. وهناك سلاح يستخدم مقابل سلاح آخر، من هنا فإن سلاح طرابلس يقابل سلاح الضاحية في حين يجب أن يضبط السلاحان في ظلّ قانون واحد». وهي إذ تؤيد محافظة «حزب الله» على سلاحه، تجد أنه من الضروري أن يكون قرار استخدامه ضمن صيغة توافقية مع الجيش أو القوى الأمنية. وتلفت إلى أن الاستمرار بالتهديد وتوازن الرعب من شأنه أن يجعل «إسرائيل» تردّ بشكل مجنون.

[rouge]الحداد[/rouge]

يخاطب الباحث في علم النفس والمحلل شوقي عازوري الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، عن أهمية الحداد عند الفرد. فالحداد، مهما اختلفت طقوسه، موجود لدى الديانات والحضارات كلها. وهي ظاهرة يجب أن تُمارس، في أيام الموت العادية كما عند الموت أيام الحرب، ليتحرر الإنسان من شعور بالذنب أو بالكره يخالجه عند فقدان قريب.

يجيب عازوري عن سؤال هل تحررنا من «إسرائيل»؟ بالنفي، معتبراً أننا شعب لم يمارس حداده بعد. والحداد منظومة واحدة مهما اختلفت طقوسها. ولممارستها يجب أن يتوافر أمران: أولاً أن يحصل ممارس الحداد على الجثة، وثانياً أن يعرف أسباب الموت. لأنه في التحليل النفسي من يحدّ يمرّ بمراحل من الواجب أن يعيشها وإلا يبقى «رهينة» الموت أو الميت. يشرح عازوري: «تبدأ المراحل بالشعور بالكره تجاه الميت نفسه لأنه تركنا، ثم نكره أنفسنا لأننا كرهناه. وهذا الشعور يجعلنا نعيش حدادنا كما يجب لنتحرر منه في ما بعد». لم يعش اللبنانيون حدادهم لأنهم لم يدركوا الأسباب التي قتل ذووهم لأجلها، ومنهم من لم يستلم أجساد ذويه بعد.

على صعيد آخر، وفي منظومة الحداد نفسها، يجب على القاتل أن يطلب السماح ممن قتله، أيضاً كي لا يعيش «رهينة» له، من هنا كان يختلي رئيس قبيلة بجثة رئيس قبيلة أخرى يكون قد قتله، فيرتّل له ويطلب منه السماح.

وفي الحال اللبنانية، لم يطلب أحد السماح من ذوي القتلى. وفي هذه المسألة يساوي عازوري بين «الاحتلال «الإسرائيلي» والهيمنة السورية». وهو يرى أن طلب السماح لا بدّ من أن يؤدي إلى المصالحة شرط ألا يكون زائفاً، على غرار سعي «إسرائيل» للسلام مع فلسطين بينما تستمر في ممارسة القتل ضد شعبها.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : جريدة «السفير» اللبنانية | مادونا سمعان.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2178708

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178708 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40