الخميس 24 أيار (مايو) 2012

سوق الدم الفلسطيني

الخميس 24 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

في الصراع التاريخي الذي بات في زمن رديء صراعاً بعض فلسطيني، بعض عربي - «إسرائيلي»، كثيراً ما تجتمع المفارقات وتلتقي المأساة والملهاة. هذه واحدة منها: شركتان «إسرائيليتان» تفوزان بعطاءات لإعادة إعمار محطات مياه في قطاع غزة. هذا يعني أن مأساة غزة التي أحدثها الاحتلال بالقصف والقتل والتدمير والحصار المستمر، تحوّلها «إسرائيل» وجهات متواطئة معها إلى ملهاة. أما الجهة التي أرست عطاءات الإعمار على الشركات «الإسرائيلية» وحرمت شركات فلسطينية تقدّمت للعطاءات نفسها، فهي منظمة حماية الطفولة «اليونيسيف» التي منحت الجهة المدمّرة فرصة الاستفادة من فعلها التدميري. ما فعلته «اليونسيف» ينطوي على مفارقة مركّبة، فالمنظمة الدولية المعنية بحماية الطفولة تجاهلت كون «إسرائيل» لم تدمّر المباني في غزة فحسب، بل قتلت مئات الأطفال بالقذائف والرصاص والفوسفور الأبيض الحارق، كما أن المنظمة نفسها قدّمت عذراً أقبح من ذنب في تفسيرها لمنح العطاءات، حين قالت إنها تعاملت مع الشركات «الإسرائيلية» بوصفها شركات محلية، علماً أن «إسرائيل» التي خرجت عسكرياً من قطاع غزة، لا تجرؤ على منح شركاتها صفة «المحلية» في غزة.

نحن إذاً، أمام السياسة الدولية ذاتها التي أنشأت الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وعلى أنقاض شعب بات الملايين من أبنائه مشردين ومئات الآلاف إما شهداء وإما جرحى وإما أسرى. ولم تتوقّف المؤامرة عند مبدأ تأسيس الكيان، بل استمرت في أدق تفاصيل المأساة اللاحقة، وإلا ماذا يعني أن تمنح فرنسا هذا الكيان مفاعلاً نووياً بعد مرور أقل من ثلاث سنوات على اعتراف الأمم المتحدة بـ «إسرائيل» من خلال إصدار قرار التقسيم؟

المنظمات الدولية وبضمنها بعض الدوائر التابعة للأمم المتحدة لا تخرج عن دائرة التواطؤ، أو الانحياز في أفضل أحوالها، لمصلحة «إسرائيل»، ونذكر ما حدث عندما ذهب تيري رود لارسن منسق الأمم المتحدة في «الشرق الأوسط» في ذلك الوقت، إلى مخيم جنين بعد المجزرة المروّعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، حيث وصف لارسن ما رآه بأنه مذهل ومروّع لدرجة لا تصدّق وكأن المخيّم ضربه زلزال، لكن المنسق الأممي تراجع بعد ذلك وأسهم في تعطيل إرسال لجنة تحقيق بالمجزرة. ولعل ما حدث بتقرير غولدستون بشأن مجزرة غزة نسخة أكثر حداثة تعكس السياسة الدولية التي تواصل العزف على ايقاع المؤامرة ذاتها التي أنشأت «إسرائيل» وتصر على مواكبة كل أطماعها، لتحقيق ما لم يتحقق في مشروعها الاستيطاني الترحيلي.

والآن عندما تُعْطى «إسرائيل» فرصة لقبض ثمن إعمار ما دمّرته بنفسها، فإن هذا لا يوازي تبرئتها من الجريمة فحسب، وإنما تشجيعها على ارتكاب مزيد من الجرائم. فمثلما تجبي مستشفياتها مبالغ باهظة مقابل معالجة بعض الجرحى الفلسطينيين الذين يصيبهم رصاصها، فإن شركاتها تُمْنح فرصة لكي تجبي وتربح من سوق الدم الفلسطيني.

ما ينبغي التنبه إليه أن الشركات «الإسرائيلية» التي لن تستطيع العمل في غزة من خلال الوجود المباشر، ستبحث عن مقاولين من غزة لتنفيذ المشاريع، وهناك تقارير تحدّثت عن بعض المقاولين نفّذوا فعلاً مشروعين لتحلية المياه رسا عطاؤهما على شركات «إسرائيلية». ولا يكفي في هذه الحالة أن يخاطب هؤلاء المقاولون من أبناء غزة بلغة خطابية إنشائية من قبيل أنهم يتاجرون بدماء أبناء شعبهم، ويزودون عدوهم بمزيد من أدوات القتل، وأن ما يفعلونه لقاء حفنة من المال يعدّ خيانة للوطن ودماء الشهداء وعذابات أولئك الذين ما زالوا ينامون في العراء بسبب تدمير بيوتهم. هذا لا يكفي بل يجب أن يحال كل مقاول يتعامل مع شركة «إسرائيلية» إلى القضاء الفلسطيني ويحاكم بتهمة التعاون مع العدو، حتى لا يجد البعض مسوغاً في المستقبل لمصاهرة القتلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165275

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165275 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010