الخميس 24 أيار (مايو) 2012

أسئلة الانتخابات المصرية

الخميس 24 أيار (مايو) 2012 par د. أمينة أبو شهاب

الأسئلة الأهم في موضوع الانتخابات المصرية هي: مَنْ الذي يحدد نتيجة هذه الانتخابات في الكتلة السكانية المصرية؟ هل هو الثقل السكاني في الريف خارج القاهرة، حيث يوصف هذا الريف بأنه موقع لسلطان قوى الإسلام السياسي، وكذلك لقوى النظام السابق بحكم تمكن البنية السياسية له هناك واستمرارها الزمني على مدى أربعين سنة؟ وإن كانت هذه الكتلة السكانية التي توصف بالمحافظة هي التي تقرر نتيجة الانتخابات المصرية وبالتالي المستقبل في مصر والوطن العربي إلى حد كبير مقصية بذلك دور المدن وقواها السكانية المتنورة وخياراتها السياسية، فما هي دلالات ذلك ديمقراطياً وعلى مستوى السياسة؟

إن كانت هذه الفرضيات الاجتماعية، الديمغرافية والسياسية كذلك صحيحة، وأن كان الثقل السكاني المصري بعقله المحافظ هو الذي سيحسم انتخابات الأمس واليوم، فإن الفائز فيها لن يعدو أن يكون وجهاً من وجوه النظام السابق أو مرشحاً لقوى الإسلام السياسي المنظم، أي: عمرو موسى أو أحمد شفيق أو محمد مرسي «الإخوان»، حيث لن يحظى عبد المنعم أبو الفتوح، الخارج عن تنظيم الإخوان بالفرص التنافسية نفسها.

تضع هذه الفرضيات «الثورة» و«الثوار» خارج السياق الانتخابي المصري بشكل تام، وتعيد الانتخابات إنتاج التركيبة السياسية المصرية السابقة بجزئيتيها: أولاً: النظام السياسي السابق، ثانياً: معارضوه الإسلاميون، أما «الثورة»، فلا مكان يذكر لها في نتائج الحدث الانتخابي.

عليّ أن أقول إن هذه الفرضيات الانتخابية التي «سرعان ما ستتكشف صدقيتها» هي فرضيات إعلامية غربية إلى حد كبير، وبخاصة في استقطابيتها ما بين طلب الاستقرار السياسي والاقتصادي لدى الناخبين المصريين المحافظين «وهو ما سيصب لمصلحة فلول النظام السابق»، وما بين العامل الديني وهو سيصب للتصويت لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين المترسخة وجوداً في الريف المصري وفي المهاجرين الريفيين إلى المدن الكبرى.

ثنائية الدين في مقابل الاقتصاد هي التي ذهب فريق الـ «بي بي سي» يبحث عنها في عمق الريف المصري محاولاً الإجابة عمن سيأتي به «الفلاح» المصري إلى سدة الرئاسة، يسأل جون لين، مراسل القناة الشهير فلاحاً مصرياً: هل ستصوت على أساس من الإسلام أم الاقتصاد؟ هل تريد رئيساً إسلامياً أم رئيساً يدير البلد بكفاءة؟ يجيب الفلاح بأنه سيصوت بنسبة خمسين إلى خمسين، أي للإسلام والاقتصاد معاً، وهو ما يؤكد المعادلة أو الفرضيات السابقة نفسها، ويؤكد أن العملية السياسية في مصر في أفقها المتوقع هي ضمن اطارها الثابت المعروف الذي لم يمسه التحول رغم كل ما حدث.

ذكرني سؤال جون لين للفلاح المصري بأساس الديمقراطية الغربية الأول والأهم وهو ما تحمله «للناخب» من مكافأة نفعية اقتصادية، وهو ما كنا نلمسه في الغرب وقت الانتخابات وما هو معروف أنه يشكل الدافع للناخب للذهاب إلى مراكز الاقتراع للتصويت لمرشح بعينه.

هكذا تحمل الديمقراطية الغربية انعكاساتها إلى بلداننا برسالتها ومحتواها الاقتصادي (مع الفارق أن الدين يبقى حاضراً كذلك بحكم الخصوصية الثقافية). تتحدث كثير من التقارير الصحفية الغربية عن أن الوضع الاقتصادي للمصريين هو ما سيحسم توجههم الانتخابي خاصة وأنهم عانوا طوال سنة ونصف من تدهور في الاقتصاد والأمن ومن تفكك البلد، هل سيعود النظام القديم إذن من جديد ممثلاً في عمرو موسى أو أحمد شفيق؟ هل «سينتخب» الشعب القبضة الحديدية والرجل القوي خوفاً من التدهور الاقتصادي والفوضى؟ وإن لم يكن كذلك، فالاحتمال الثاني هو «الإخوان» الذين يمثلون المحافظة السياسية في أكثر تجلياتها ويمثلون الدين المستوعب للمتطلبات الاقتصادية الغربية بشروطها المضمونة المقبولة سلفاً من الجماعة.

هل ستصوت مصر اليوم، إذن، ضمن هذا الإطار المكتوب والمرسوم سلفاً والذي لا يأخذها إلى الديمقراطية بل إلى ديكتاتورية بأقنعة جديدة وبأشكال لها، ثقافية واجتماعية إضافة إلى السياسة، وإلى استغلال للدين بعيداً عن حقيقته ومقاصده السامية؟ أم أن مصر اليوم قد تقرر الخروج من ثنائية الفلول - الإخوان إلى نفسها وإلى أفقها الخاص وإلى ما يحررها من هيمنة الخارج بمصالحه وأمواله ومؤثراته في المعادلة الداخلية؟

الانتخابات المصرية ليست خارج التحكم الخارجي والداخلي والأموال التي تتدفق لمصلحة أطراف في الثنائية، وهي كذلك ليست بعيدة عن التأثير الإعلامي الذي يصب في هدف المحافظة السياسية وتثبيتها وفي هدف جعل الاقتصاد غاية وطنية أولى تقود الناخب بعيداً عن المصالح الوطنية الأخرى وكأن المطلوب هو الرفاهية الفردية فقط، كما هو الحال في الغرب.

هل ستصوت مصر بطريقتها ولمصلحة أهدافها الإستراتيجية الكبرى ومكانتها القومية ولمصلحة إسلام بعيد عن الأهداف السياسية الضيقة؟ وهل ستصوت بما هو لمصلحة فقرائها وبما هو جدير بأعداد المتنورين والمثقفين فيها والمناضلين السياسيين لأجل مستقبل أفضل لها؟ هل سترسخ مصر وهي تصوت الثنائية نفسها؟ أم تخرج منها ومعها العرب؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165239

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165239 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010