الأربعاء 23 أيار (مايو) 2012

أيها المصريون، تنبّهوا ونبّهوا: أنتم تنتخبون رئيساً لكل العرب

الأربعاء 23 أيار (مايو) 2012 par طلال سلمان

نكتب هذه الكلمات قبيل إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مصر، والتي يتنافس فيها بضعة عشر مرشحاً يتمايزون في انتماءاتهم السياسية وشعاراتهم الانتخابية، فيختلط أبناء شرعيون للنظام الدكتاتوري الذي أسقطته الثورة مع متحدرين من صلب شعارات الإسلام السياسي وتنظيماته بتلاوينها المختلفة، مع رموز لتيارات تقدمية يرفع بعضها شعارات المرحلة الناصرية توكيداً لعروبة مصر، بدورها القومي الأساسي والذي لا بديل منه.

لا تطمع هذه الكلمات، بأي حال، في التأثير على موقف الناخب المصري... فنصف الناخبين في طريقهم للإدلاء بأصواتهم، محددين خيارهم، والنصف الآخر سيتخذ طريقه خلال ساعات إلى صناديق الاقتراع ولا يملك ترف الوقت ليقرأ ثم يقرر، مؤكداً ما كان قد اعتزم الإقدام عليه أو مبدلاً رأيه في اللحظة الأخيرة.

إنه، بداية وانتهاء، رأي لمواطن عربي من خارج مصر يعي تماماً أن نتائج التصويت في «المحروسة» سترفع إلى سدة الحكم فيها من سيكون له دور مؤثر، وربما حاسم، في قرارات تتجاوز بانعكاساتها وتداعياتها الداخل المصري، بالحاضر والمستقبل، إلى المحيط العربي بقضاياه عظيمة الأهمية والتأثير على صورة العرب في مختلف أقطارهم، ودورهم في هذا العالم الذي لا يعترف بالضعفاء ولا يتيح ترف التمني الذي يبددها الضعف فإذا هي أوهام قد تستثير الشفقة ولكنها تضيّع اليوم ولا تحمي الغد.

***

ليس لنا، نحن المواطنين العرب، خارج مصر، والذين نعامل غالباً كرعايا لأنظمة متعسفة أو مهجنة إلا التمني على إخواننا في «المحروسة» أن يدركوا، أنهم إنما يقررون مصيرنا، نحن أيضاً، بأصواتهم التي سيودعونها صناديق الاقتراع.

وبوضوح قاطع نقول: إن الأشقاء في مصر إنما ينتخبون، في هذه اللحظات، الرئيس العربي الأول، وليس فقط «رئيس» بلادهم التي غيبها نظام الطغيان عن دورها القيادي الذي لا بديل منها فيه.

يمكن إجالة الطرف في هذا الوطن العربي فسيح الأرجاء لنكتشف إلى أي حد اختلت المعايير والمقاييس في غياب مصر عن دورها: لقد تخطفت ذلك الدور «دول» عدة، بعضها استولدها النفط حديثاً، وبعضها الآخر من غاز، وبعضها فرضها حضورها كوكيل مزعوم في غياب «الأصيل»، مع أن معظمها ليست دولاً بأي معيار.. كذلك تضخمت ادوار «رؤساء» و«قادة» عينوا أنفسهم «البديل» أو «الوكيل» في غياب «الأصيل»... بل إن بعض «الشيوخ» الذين عظموا ألقابهم فغدوا «ملوكاً» فرضوا أنفسهم، بقوة الأمر الواقع، أصحاب قرار في الشأن العربي العام، مع أن لا مؤهلاتهم ولا قدراتهم لمثل هذا الدور، بمعزل عن حجم ثرواتهم التي لا يملكون القرار في الأساسي منها نتيجة لعمق ارتباطهم بالمركز الكوني.

لقد هزُلت.. فغياب مصر بدورها القيادي الشرعي شجع أصحاب الثروة على التجمع، بعيداً عن إخوتهم الفقراء، ثم أخذتهم التبعية للقيادة الأميركية إلى «حرب» غير مبررة ضد إيران، جنباً الى جنب مع العدو «الإسرائيلي».. وها هم يجتهدون لتحويل نادي أصحاب الثروة الى «اتحاد» وهمي اخطر ما يتضمنه إعلان النية على إقامته التوكيد على انفصالهم المطلق عن العرب والتحديات المفروضة عليهم بدءًا من مخاطر التوسع «الإسرائيلي» وانتهاء بمشاريع طمس الهوية القومية لهذه البلاد والاكتفاء بإسباغ هوية جغرافية عليها: «الشرق الأوسط»... بحيث تغدو تركيا، أو إيران، أو «إسرائيل» أساساً، بعض هذه المنطقة التي لا هوية لها من أهلها، ولا هوية لأهلها منها.

والحقيقة أن هذه «البدع» ما كانت لتستولد ثم تفرض بقوة الأمر الواقع الذي لا يستطيع الضعفاء أن يردوه، لولا الغياب المفجع لمصر عن دورها القيادي، وهو حق شرعي لها لا يجادلها فيه احد.

والكل يدرك أن هذا التراجع في الدور العربي لمصر، وهو عنوان أهليتها للقيادة، قد بدأ منذ أربعة عقود، تقريباً، وذلك عندما غيب نظام الطغيان مصر عن دائرة القرار العربي، مسقطاً عنها دورها الشرعي الذي لا غنى عنه ولا بديل منه. وأكثر من ذلك: لقد انقلب هذا الدور من قيادة العرب في معركة تحررهم من الهيمنة الأجنبية ومناصرتهم في أن يكون لهم موقعهم وحقهم في أرضهم وثرواتها ورأيهم في وسائل تقدمهم للحاق بالعصر، إلى التفريط بهذه القضايا جميعاً، وبعضها مقدس (فلسطين مثلاً)، ولها دور حاسم في صورة مستقبلهم.

لم يكن أمراً عارضاً أن تتحول مصر من قيادة ركب التقدم والتحرير في دنيا العرب، وأفريقيا وبعض آسيا وأميركا اللاتينية، الى الدولة العربية الأولى التي تخرج من دائرة الصراع العربي - «الإسرائيلي» وتوقع معاهدة صلح مع هذا العدو القومي الذي طالما هدد الحاضر العربي وكاد يلغي الحق في بناء المستقبل العربي الأفضل.

كذلك لم يكن مما يليق بكرامة مصر ودورها أن تفقد القاهرة موقعها المؤثر كعاصمة للقرار في قيادة العالم الثالث ودول عدم الانحياز، وأن تخسر نفوذها في أفريقيا لتحل محلها «إسرائيل» وقوى الاستعمار الجديد، وترتفع في بعض أنحاء أفريقيا أصوات تهدد مصر بحرمانها حقها في مياه النيل، وهو شريان الحياة منها.

بالمقابل لم يكن مقبولاً أن تتراجع مصر، التي كانت جامعة العرب وقيادتهم، مدرستهم وكتابهم وصحيفتهم، منتداهم السياسي ومركز إبداعهم الفكري والثقافي في المسرح والسينما، إلى هذه الوهدة من الفراغ والركاكة والتهافت المهين.

هامش أول: قبل سبع سنوات زارنا في بيروت العالم المصري أحمد زويل الذي حاز على جائزة نوبل في العلوم عام 1999.. وكان موجعاً أن يقول إن جامعة الإسكندرية التي تخرج منها في العام 1969 كانت أرقى مستوى وأفضل حالاً منها يوم عاد إليها زائراً في العام 2003.

وما ينطبق على جامعة الإسكندرية ينطبق على سائر الجامعات الوطنية في مصر.. بل إن التردي ومعه فنون الرشوة والإفساد والغش تبدأ مع أولى سنوات الدراسة الابتدائية مع الدروس الخصوصية، ومع هبوط المستوى، ومع الزيادة الهائلة في أعداد المتخرجين الذين يمكن اعتبارهم أنصاف متعلمين، في أغلب الحالات.

لقد زادت الكلفة ونقص العلم.. وطبيعي أن يقف المتخرجون في طوابير الهجرة إلى أي مكان، وان يتقدمهم الآتون من بلاد أخرى تحرص على مستوى التعليم فيها.

وتقضي المصارحة القول إن مصر قد خسرت هيبتها، فتجرأ عليها عدوها القومي، الذي سيظل عدوها إلى يوم القيامة، «إسرائيل»، واستهان بها أشقاؤها إذ كانت ترعاهـم وتحمي كرامتهم بهيبتها وتأثيرها في السياسة الدولية، فلما أذلها حكم الطغيان أمام عدوها «الإسرائيلي» (معاهدة الصلح بالإكراه، وإفراغ سيناء من الجيش الوطني، وأخيراً اتفاق النفط والغاز)، هانت على أصدقائها وأشقائها، إذ هي لم تعد تحمي صديقاً ولم تعد تخيف عدواً، بل ولم تعد تكفي شعبها الذي تعرضت مقدرات بلاده وخيراتها لعملية نهب منظم شمل الأرض والصناعة ومختلف وجوه التقدم العلمي والإبداع الفكري. يكفي الاستشهاد بما أصاب القطاع العام، الذي كان إنتاجه يلبي احتياجات مصر الأساسية من الصناعات ومواد الاستهلاك الأساسية.

هامش ثان: وليست نكتة أن يقدم لك في مطعم في القاهرة الفول المستورد من كاليفورنيا، أو أن تتفجر بين الحين والآخر أزمة الرغيف، لأن مساحات هائلة من الأراضي الزراعية قد أقطعت لأصحاب النفوذ فحولوها إلى «مدن» سياحية باهظة الاكلاف، بدلاً من ان تزاد المساحات المخصصة لزراعة القمح.. أما القطن وتراجع إنتاجه، وإخضاعه لمنافسة غير مشروعة مع المستورد فمسألة تستحق التأمل.

***

يمكن الاستطراد في استذكار الأمثلة والوقائع الموجعة إلى ما لا نهاية.

لكن الهدف من هذه العجالة ليس البكاء على الماضي، بل محاولة استنقاذ الحاضر والمستقبل.

على هذا فإننا نتمنى على الأشقاء في مصر أن يتنبهوا الى أنهم ينتخبون، في هذه اللحظة، الرئيس العربي الأول، بل رئيس المستقبل لكل العرب، وليس فقط رئيس بلادهم التي غيبها نظام الطغيان عن دورها القيادي الذي لا بديل منها فيه.

وإنها لمسؤولية جسيمة تتصل بمستقبل مصر، أولاً، وبالعودة إلى دورها القيادي المسلم به، مبدئياً، عربياً وإقليمياَ ودولياً.

ومن دون رغبة في التدخل أو محاولة التأثير على قرار الناخب المصري، إلا انه قد يكون من حق أي مواطن عربي، يؤمن بدور مصر الذي لا بديل منه ولا غنى عنه، أن يتمنى أن يأخذ الأخوة المصريون هذه الحقيقة بعين الاعتبار وهم يتوجهون ليعطوا أصواتهم لهذا المرشح أو ذاك من المتقدمين لمنصب رئيس جمهورية مصر 2012، مصر ما بعد الميدان وثواره وشهدائه، مصر الدور القيادي والمسؤولية عن الأمة جميعاً.

فالفارق هائل بين أن يُنتخب أحد رجال الأمس رئيساً للغد، أو أن يتم اختيار المؤهل لاقتحام الصعب من اجل بناء الغد الأفضل.

نفهم أن ليس من حقنا، نحن العرب من المؤمنين بأهلية مصر للقيادة وبحقها - مبدئياً - في أن نتقدم الصفوف ونرفع الصوت بتأييد هذا أو ذاك من المرشحين، وفيهم من يستحق أن يرفع إلى السدة ومن لم يكن يتوقع أن تتوفر له الجرأة على «استفزاز» الناخبين بتاريخه في خدمة نظام الطغيان الذي أسقطته الثورة.. فكيف إذا كان قد خدم أكثر من واحد من هذه الأنظمة التي يشكل وجودها واستمرارها إهانة لأهلها ولتضحياتهم من أجل مستقبل أفضل.

بديهي أن من حق كل من يفترض في نفسه الأهلية ويطمئن إلى قوى الدعم التي يمكن أن تسانده، أن يتقدم كمرشح لرئاسة مصر 2012... ولكن من واجب المواطن المصري أن يستعيد تاريخ كل من هؤلاء المرشحين الذين تتعدد مصادر دعمهم ومنابتهم الفكرية وبرامجهم السياسية، وفيها ما قد لا يطمئن، وفيها ما يثير الريبة في علاقة عضوية بنظام الطغيان الذي أُسقط رأسه وما زال بنيانه قائماً، حتى إشعار آخر.

ليس من خدم في بلاط الطاغية مؤهلاً لأن يتقدم اليوم ليكون رئيساً باسم الثورة، فكيف بمن خدم في بلاط طغاة عدة.

وليس من يحاول شراء الذمم والأصوات بمال «مجهول» المصدر وإن كان واضح «الهوية»، صالحاً لأن يقيم حكم القانون في اعرق دولة في العالم.

وليس من يحاول استرضاء «إسرائيل»، تمهيداً لشراء الرضى الأميركي، هو من تبحث عنه مصر لكي يعيد إليها موقعها القيادي الذي لا ينازع حقها فيه،

أخيراً وليس آخراً، ليسمح لي بالقول: إننا نريد أن نسمع من رئيس مصر المقبل تلك العبارة السحرية التي ألهبت مشاعر جماهير الأمة، مشرقاً ومغرباً، إذ نبهتها إلى واقعها المزري والى حقها في مستقبل يليق بكرامتها: إرفع رأسك يا أخي، فقد مضى عهد الذل والاستعباد!

مع تمني عودة سريعة لمصر إلى دورها القيادي الذي لا يعوض غيابها عنه أي من الدول، سواء تلك التي من غاز ونفط، أو تلك التي تاجر طغاتها بالشعار الثوري ثم اندفعوا إلى الحكم بالسيف ضد شعوبهم، ودائماً بالتواطؤ مع الخارج!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165490

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165490 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010