الأربعاء 23 أيار (مايو) 2012

«إسرائيل» والتطبيع الالتفافي

الأربعاء 23 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

مر بكل انسيابية خبر وجود أدوات مدرسية مكتوب عليها «أحبك إسرائيل» في أسواق ولاية عسكر الجزائرية . قد يكون سبب التجاهل أن «إسرائيل» غزت العالم العربي عسكرياً وسياسياً، فماذا يضير لو غزت أسواقه بقلم أو دفتر أو حقيبة؟ ليس الأمر بهذه البساطة، فالاحتلال والاستعمار والغزو السياسي ظواهر لا تخلق وقائع ثابتة ودائمة، وكثير من الشعوب تحررت منها، مثلما انكفأت بعض الدول الاستعمارية على نفسها واكتفت بنصيبها من شمس النهار، بعدما كانت الشمس لا تغيب عن إمبراطوريتها الشاسعة.

ما نشر عن «البضاعة» التي تسللت للجزائر ويحمل عبارات تمجّد الكيان وبعضها يحمل عبارات تلمودية، ينطوي على العديد من المعاني السيئة والتطبيع الالتفافي. أحد هذه المعاني أن التطبيع يقتحم بلد المليون شهيد عبر وضع اسم «إسرائيل» في أيدي أحفاد الشهداء، بحيث تفرض على التلميذ أن ينطق رغماً عنه عبارة فيها تعبير عن حب «إسرائيل». إذاً، ليس القصد «الإسرائيلي» هنا ترويج بضاعة لغايات اقتصادية، فهذه مسألة كثيراً ما تبجّح بها العدو وتحدّث عن صادرات بالمليارات للعديد من الدول العربية والإسلامية، بما فيها دول لا تقيم معها علاقات دبلوماسية. فقبل سنتين تحدّثت دوائر الإحصاء في الكيان الصهيوني عن غزو بضائع لأسواق العديد من الدول، ونشرت أرقاماً مالية. كما تحدثت جمعية في المناطق المحتلة عام 48 عن هذه الظاهرة ونبّهت إلى أن «إسرائيل» تغلف جزءاً من بضائعها في دول أخرى ولا تكتب على البضائع والمنتوجات مكان المنشأ، أو تضع بلد منشأ آخر.

لم تعد «إسرائيل» تكتفي بتصدير البضائع والمنتوجات الزراعية بشكل علني أو سري، وانتقلت لتصدير مشاعر تريد أن تفرضها على الجيل العربي الجديد، ولو كان القصد تجارياً لواصلت طريقتها في عدم وضع أية إشارة تدل عليها. ولا تكمن الخطورة فقط في وصول هذه البضائع المحمّلة بالغزل بـ «إسرائيل».

صحيح أن قوى الأمن في الولاية الجزائرية المستهدفة فتحت تحقيقًا في القضية ودهمت عدداً من المحال لجمع تلك السلع ومنعها من الوصول إلى أيدي مزيد من التلاميذ ودخول البيوت. لكن الأهم في هذه الحالة هو التعمّق في التحقيق والبحث والتحري لوضع اليد على تجار لا تعنيهم مشاعر الأمة وواقع الصراع التاريخي مع الكيان الصهيوني، وينزلون عند رغباتهم الدنيئة وجشعهم الذي لا يعرف ثوابت أو مبادئ. ثم يجب أن تترافق حملة الملاحقة هذه مع نصوص قانونية تجرّم هذه الظاهرة وتصنّفها في إطار كبرى الجرائم مثل الخيانة العظمى، بحيث تقع على مرتكبها أقصى العقوبات التي يجب أن يكون منصوصاً عليها.

لا نريد أن ندعو الدول العربية أن تحذو حذو دول غربية تشهد حملات مقاطعة للبضائع «الإسرائيلية»، مع تفهّمنا لقصر هذه الحملات على البضائع المصدّرة من المستوطنات، لأن الأصل أن تقتدي الدول الأجنبية بالدول العربية في ممارسة ما يمكن تصنيفه تحت عنوان «أضعف الإيمان». ولو نحينا جانباً الاعتبار السياسي والمبادئ الوطنية والقومية والإنسانية، فإن الأسواق العربية ليست بحاجة إلى أي بضاعة «إسرائيلية»، فما يغيب عن هذه الأسواق موجود لدى العديد من الدول الصديقة أو المحايدة على الأقل. ولا يعقل أن تكون مصر التي عرف فلاحها الزراعة قبل خمسة آلاف عام، بحاجة إلى منتوجات زراعية «إسرائيلية».

يبدو أن قدر المخلصين في هذه الأمة أن يحاربوا على أكثر من جبهة، حيث يقفز موضوع التطبيع إلى أعلى مستويات الأهمية متجاوراً مع فضح جرائم التهويد والقمع وسرقة الأرض وزرعها بالمستوطنات وهدم المنازل والاعتقالات التعسّفية والتنكيل بالأسرى، وإطلاق النار على المتظاهرين، وإطلاق العنان للمستوطنين لكي يمارسوا هواياتهم الإجرامية ضد الفلسطينيين وأملاكهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165346

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165346 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010